الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصامية والديمقراطية حالة إمباتية ساحرة الجزء الثاني

عزة رجب
شاعرة وقاصّة ورائية

(Azza Ragab Samhod)

2015 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



[email protected]

نبذة مختصرة عن الكاتب-ة و تلفون للاتصال ,لاستخدام الحوار المتمدن فقط
سبق إرسال السسيرة الذاتية عني


الفصامية والديمقراطية حالة إمباتية ساحرة ــ الجزء الثاني

المواطن الذي يقضي وقته في مشاهدة قنوت الأخبار ويتابع كيف يجري الوضع السياسي في بلاده مُعتقد أنه أتي بالتغيير وفقاً لنجاح
معادلة قدرة الشعوب على التغيير ، وبصرف النظر فعلاً عن استطاعة حدوث هذا التغيير ، لكننا سنتحدث عن ذلك المواطن العادي المدني الذي
شغله إحداث موجة ( إحداثية كبيرة ) من التغيير ، إنه يتابع القنوات وكل صغيرة وكبيرة ، وفي نفس الوقت لديه من الطاقة الداخلية ما يجعله
يستمر في التفاعل مع التغيير ، وهو بحد ذاته أمر يحتاج إلى مراقبة على مستوى محلي على الأقل ، فالتغيير الانفعالي في كيمياء المجتمعات التي
تعودت على الركود تجاه نمط معين من الحياة ، حين تحدث فيه ثورة فوران يشبه الأمر بحصول بركان عظيم في بلد لم يتعرض لزلازل أو ثورات براكين ،
لأن هذا يتطلب منك كهرم سلطوي في تلك الدولة أن تبحث في معايير السلامة و الأمن القومي حين تتعرض لموجة تهديد
لسلامة أمنية ترقى لمستوى إعلان درجة قصوى من الطوارئ .

لقد قمنا بإعلان حالات طوارئ على طريقتنا فكانت ضد التمدن أو بالأحرى ضد حياتنا ، وهذا المواطن الذي كان بالأمس يقود أسرته
ويحاول توفير احتياجات اليوم قاضيا وقته في التذمر من تدني مستوى المعيشة و إلى غيره من مشاكلنا المُتعلقة دائما بالبحث عن العدالة والحرية ،
إنه اليوم يقود في الميدان إحدى جبهات المُعارضة ، ويحاول التعبير عن رأيه بطرق قد يراها هو أعطته الحلم الذي طالما حلم به وهو الحرية .

إن شعورنا بالحرية يرتبط دائماً بشعورنا بالديمقراطية ، ولهذا نسقط في إمباتية الحالة التي تلبستنا أثناء الثورات ، فنحن ننتقل بالزخم الثوري إلى بيوتنا ،
ونأكل بهار السياسة في أحاديثا مع أهلنا ، ونقوم بتسويق الحوار السياسي والحالة الراهنة إلى فكر أطفالنا ، فالثورة نراها فعل يستحقه
الجميع ، ونشعر بأنها من حقها أن تتسلل إلى غرف نومنا ، و إلى يوميات أطفالنا ببساطة .

إنَّ الأب الذي قضى حياته في توفير الأمن والأمان لأسرته ، وتوفير احتياجاتها اليومية وتأمين طريقة هابهم و إيابهم يوميا ، هو اليوم يشعر
أنه من السهل عليه أن يخرج بأسرته إلى الميدان للتعبير عن شعوره بالحرية والديمقراطية ـ ويمكنه أن يزج بهم في مصبِّ اتجاهاته وميوله
وتقييمه لوضع ما يتعلق بجماعة سياسية أو حزب سياسي ، فيحاول ممارسة نوع كبير من حوار (السياسبيت ) أي سياسة البيت ، بطريقته في تداول الحوار وطرح وجهات نظره ، وبمساعدة التأثيرات الأخرى
كالحميمية الأسرية والعلاقة الاجتماعية بين أفراد الأسرة ، يدعمها الحراك الجماعي داخل البيت ، من التواصل على وجبات الغذاء والعشاء
إلى تناول الشاي العربي الذي بعادته يجمع أكثر من حديث وحوار هذا تحصل تفاعلية بين التيار الاجتماعي الأسري والتيار السياسي
والتيار الثقافي ، يحصل نوع من اللغط الكبير في تداخل المفاهيم وسوء إدارة العقل العربي ، يشبه الأمر إضافة نكهات على الطعم الأصلي
فيهب الأمر إلى تغيير مضامين ومذاق الفكرة التي من الطبيعي أن يجري طهوها على نار طبيعية هادئة، وبمعنى آخر يجب أن تأخذ المجرى الطبيعي لها بحيث لا تُوضع في قوالب ليست لها ، ولا يتم تصفيفها
موازية لأفكار أخرى تذهب في اتجاه آخر .

إنَّ المواطن الذي يصحب أسرته إلى ميدان (التحرير ) مُعتقداً أنه حصل أخيراً على الحرية يغيب عن ذهنه أنه "
اصطحب معه مدنيته إلى داخل ميدان السياسة ، فالأسرة لاعلاقة لها تعبيراته السياسية التي تعبر عن وجهات نظره ، والأسرة من الطبيعي
جداً أن تختلف في التوجهات فيما بينها وبين أفرادها ، لكنها تخرج عن المسار الطبيعي عندما تمارس الحوار (السياسبيتي ) فهى تتداخل ككل
وككيان وكتة واحدة وتصبح كلها ذات اتجاه واحد متأثرة بتيار واحد وتقوم بتغذية راجعة له ، حين ترفع اللافتات المُعبرة ، وتخرج ككيان مؤيد وواحد لتيار معين .


لا يهتم المواطن العربي هنا بالمفارقة التي أصابت التغيير في حياته ، ولا ينتبه للتغيير الذي حصل في (التيار المدني ) داخل بيته ، بل أن يشعر
أنه يسير في الاتجاه الصحيح طالما لم ينشد التغيير الذي يرومه .
لأن المواطن الذي يقضي وقته في البيت بعد العودة من ميادين الثورات في الانتقال بين المحطات الفضائية والقنوات ليتابع عن كثب كل جديد
يطرأ ينسى أنه يأكل ويشرب السياسة ، ويتلبس حالتها إلى النخاع فيقوم بنزع معايير وصمامات التيار المدني ويُلبسها على السياسة ، فيشعر
أن معايير الأمان والسلامة الأسرية والأمن القومي لأسرته مربوط بسلامة التيار السياسي الذي يدعمه وبالتالي هو مستعد أن يبقى طوال وقته أمام هذه القنوات
، ومستعد أن يجلس أطفاله إلى جانبه طوال تلك الساعات ويتشربون من أفكاره ، وفهمه بناء على توجهات القنوات التي يدعمها
وهذا إلى حدٍ كبير أسميه (بشعبنة الإعلام ) بحيث صار لكل قنوات حراكها الشعبي ، وتحولت فكرة الإعلام من مجرد مصدر لاستسقاء الأخبار إلى (عقيدة ) سياسية
ذات توجه يقوم بتوفير تغذية راجعة يومية وغسيل مخ ، للمواطن في بيته يفقد التيار المدني معاييره ، وتصبح السلامة الأسرية مجرد أمر تهاوى
من (فورة التغيير ) وتتحول السلامة المدنية ، وحقوق الطفل من أمر كان أساسياً في حياة المواطن إلى فكرة ثانوية مُجرد من محتواها ، فارغة
من مضمونها بمجرد حدوث (تغيير ) عليها . وبالتالي يحصل نوع من الفصامية في السلوك (السياسبيتي ) حيث يمكن للمواطن رب الأسرة
أن يتقبل وفاة طفله ، أو ابنته ، أو زوجته ـ بسبب التعبير عن حرية الرأي .

وهذا حصل في الثورات العربية حين فقد أشخاص كُثرا حياتهم نتيجة وقوفهم في الميدان ودعم تيار معين .
ويجد المواطن العربي لنفسه السبب والحجة الدامغة لحصول كل ذلك ، من أجل حصول التغيير ، ومن أجل تحقيق الإيمان بالمبدأ .
إن الأحزاب والطوائف والجهات السياسية ، التي استغلت موجة التغيير وحاولت الصعود لهرم لسلطة ، تحولت من مجرد فكرة إلى (عقيدة )
يمكن للعربي أن يدفع حياته بسببها وهو مستعد لذلك .
نحن شعوب غير مُنظمة في تفكيرها اليومي ، ويمكننا أن نقول أننا سقطنا في فخ السياسة ، وتعمقنا في تشرُب حالة الإمباتيربي ( إمبات عربي )
لقد تركنا مدنيتنا ولم نقف على مسافة حياد كافٍ من التيار السياسي ، ولم نفصل التيار المدني عن السياسي إلى حدود معقولة بل انغمسنا في حالة التفاعل العميق حتى تلبسنا الحالة في إمباتية لايمكن وصفها .


ولهذا كان من السهل علينا أن نستمر في هذا (الاستغراق ) العميق من التلبس فلا يغادرنا لسنوات ، ويمارس معنا سيكولوجية إمباتية في الاصطلاح والمفردات على مستوى عقول الأفراد ،
وعلى المستوى اللغوي كذلك ، لذا من اليسير أن تتذكر اصطلاحا ثوريا ، أو مُسلحاً أو سياسيا قد تسلل إلى غرفة نومك و أثناء ممارسة دورة الحياة الطبيعية
بينك وبين زوجتك ، فالاستغراق هنا يتلبس حتى الحالة الجنسية لتتحول إلى اصطلاح سياسي ، نتيجة عوامل كثيرة من الكبت ، انفجرت وقامت
بالثورة على المستوى المحلي ، فمنك إلى أسرتك إلى حيك إلى دولتك .

وهذا التدرج يُسبب إلى حدٍ ما حالة (سياسجنسي ) بقبولك اصطلاح العملية السياسية فإنك ستطلق ألفاظك ومفرداتك على خصوصية الحالة في غرفة
نومك فإنك تنتقل بالسياسة إلى هنالك ويُصبح من السهل أن تتحول حياتك إلى أجندة تعمل من أجل الحزب الذي تؤمن به ، وتسخر قدراتك وشهواتك
لها ، وبالتالي فإنك تبدع في هذه الإمباتية لدرجة تجعلك تشعر أنها صمام الأمان لوجودك .

إن المواطن العربي لا يستفيد من التجارب على مر التاريخ ، ويجعل من عقله مجرد (مذاق ) يتقبل أي بهار يُضاف عليه ، وبالتالي فإن العقل العربي يتعرض لحالة فصامية ،
تشعره إنه يريد الديمقراطية لكنه لا يستوعب فكرتها ومعناها الكبير والشامل ومدى إمكانية التعرف على أنها سلوك قبل أن تكون منهج ، ومدى تقبل فكرة أن الديمقراطية هي مزيج
يشبه الحلم نراه ولكن لا نستطيع أن نلمسه بسبب فهمنا الفضفاض لها
فنحن نراها بلا حدود ، ولا يمكننا أن نفصل بينها وبين الحرية ، وكيف يمكننا بالتالي أن نطلب حرية فضفاضة على طريقة الغرب في ظل
مجتمع إنساني إسلامي يستمد معاييره من التشريع والقانون الديني وبالتالي فالحرية لدينا في مجتمعاتنا الشرقية عليها ذلك القيد الديني
، ومربوطة كثير ا بالحراك الاجتماعي لدينا اصة فيما يتعلق بالممارسات الشخصية ، والحلال والحرام والحدود والكبائر والموبقات وغيرها من الأمور التي لها من الصدى
الكبير بحيث قد تُسقط إنسانا من سلمه الاجتماعي وتجعل نظرة المجتمعي له قائمة على سلوكه الفردي و أخلاقه النابعة من تقيده بأعراف الدين
وقوانينه .... إنه باختصار ما أسميه بعدم القدرة على احتواء الفكرة بمعاييرها الصحية لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #بايدن يدافع عن #إسرائيل.. ما يحدث في #غزة ليس إبادة جماعية


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقي




.. هل هناك أي نوع من أنواع الامتحان أمام الجمهورية الإيرانية بع


.. البيت الأبيض.. اتفاق ثنائي -شبه نهائي- بين أميركا والسعودية




.. شوارع تبريز تغص بمشيعي الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه