الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصامية والديمقراطية حالة إمباتية ساحرة الجزء الثالث .

عزة رجب
شاعرة وقاصّة ورائية

(Azza Ragab Samhod)

2015 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



القناة التي تبث الأخبار ، وترسل مراسليها كي يقوموا بتغطية حدث الثورة والتغيير
أول ما تُطل على المواطن بإعلاناتها المُعبرة عن منهجها فإنها تقوم بصناعة الفن الدعائي لتلك القناة ، فتقوم بوضع إعلانات تعبر عن توجهاتها ـ ويشاهدها المواطن ويشاهد كيف يقوم الإعلام الدولي بتغطية الحدث العارم الذي يملأ الدنيا
ضجيجاً في توصيف معاناة الشعب ، ورصد حراك المواطن ، ومدى التفاعل الذي يحققه المواطن العادي على أرض المعركة السياسية بحيث يتمكن من تغطية أي حراك يمكنه أن يوصله لفكرة التغيير التي يرومها .

إنَّ المراسل الذي يغطي أخبار قناة يعمل فيها مقابل توفير مرتب شهري ومكافآت مُجزية نظير عمله الإعلامي ، ومقابل سفره ومخاطرته بحياته يعكس بقوة أهمية
ميثاق الشرف الإعلامي ، ومدى قدرته على إيصال الحدث بصورة صحيحة وبأمانة منهجية وعلمية صادقة ومُعبرة عن إعلانات القناة التي ترصد قوتها الإعلامية من خلال إظهارها في أفضل صورة ، بحيث تضمن خلال منهجها أكبر مشاهدة من المواطن في كل مكان .

فالمراسل الصحفي يتفاعل مع الحدث ضمن إحداثيات إعلامية تحفظ الحدود والمسافات ، والمواطن يتلقى بدوره كل عمل إعلامي بمزيج من التفاعل (الكيميائي ) مع الحالة التي تتلبسه أثناء القيام بالثورة ، فالثورة فعل خارج عن العادة وبالتالي فإن التعاطي معه يكون انفعاليا ويحتاج لزخم كبير من الاحتواء كي يُشبع الفضول البشري ويحقق البعد المثالي للأسئلة التي تُثير ذهن الثائر من ردود أفعال إلى الأفعال نفسها ، فالرصد هنا من قبل المُراسل يُعد توثيقاً ليس على المستوى الإعلامي بل على المستوى التاريخي ، وعلى مستوى البعد الفسيولوجي

لمخرجات الحالة السياسية الراهنة التي تمر بها دولة ما ، وهذا يعني أنَّ هنالك مسؤولية تاريخية عظيمة منوطة بذلك المراسل أو الصحفي الذي يقوم بتغطية الحدث .
إنَّ الإعلام حين يلعب الدور الذي يتزعمه باتقان يصبح من السهل عليه أن يجلب إليه كافة الوجوه والأطياف العالمية كي تُحدث خليطاً من التفاعل تجاه الحالة اللا تفاعلية التي قد تحصل ـ بحيث يتمكن من تحريك الركود أو السكون بخلخلته بمزيد من الأخبار التي قد لا تكون صادقة ولكنها مُتعمدة للتأثير في حالة المواطن و دفعه لمزيد من التثوير نحو نقطة التغيير المعاكسة له ، وبناء عليه يمكنه أن يتحرك في ردود أفعال عكسية نحو الآخر ويصدر سلوكيات وتعبيرات رافضة لما سمعه من الأخبار دون التأكيد أو التعرف على مدى صحة أو كذب الخبر .
من هنا يبدأ الإعلام في حالة التقمص للثورة ، ويسكب عليها شيئاً من إسقاطاته التابعة لتوجهه بحيث يمكن إسباغ أي صبغة عليه لتكون في صالح توجه تلك القناة التي تدعم جهة من أطراف الصراع ، وهنا تبدأ حالة الإمباتيا في التسرب بكافة أشكالها ، فتحصل عملية تلبس للدور الذي ينتظره المواطن ويبدأ المراسل في جلب كل الأخبار التي تخدم توجه القناة ، ورغم أن كثيراً من المراسلين يتحرون الدقة في نقل الأخبار لكن أيضا لا يمانع بعضهم أو يُعارض حين يسمع بعض المبالغة في الخبر ، هذا عدا أن بعضهم يقبل بأن يقوم بأعمال ( إخبارية ترقى لمستوى التجسس ) لصالح القناة خدمة لتيار تدعمه القناة .
إنَّ القناة التي تُقنع المواطن ـ وتقضي وقتها في متابعة الحالة الإمباتية التي تتقمص المواطن جراء حصول فعل التغيير تتحول إلى شي مُفضّل عنده ، بحيث يتابع كل كبيرة وصغيرة ويعتبرها ( منهجاً ) يعتمد عليه في نقل المعلومة وتعاطيها وبناء عليه فإن سيكولوجية التفاعل مع الخبر أو الحدث تحصل كردود أفعال طردية مع الخبر الذي تبثه القناة وعليه فإن صفحات التواصل الاجتماعي هى أول ردود الأفعال المبنية على المشاهدة و الإثارة والتشويق خاصة تلك التي تعني بإعداد مقاطع الفيديو التي ترصد التكتلات الثورية والتجمعات والحراك لكل
مجموعة اجتماعية تعتنق رأياً ما يخدم توجهها .

تلك القنوات مع مرور الوقت تتحول من مجرد أداة مشاهدة وتعريف وتوضيح ونقل إلى (عقيدة ) يؤمن بها المواطن ، ويتوجه نحو كل ما تبثه على أنه شئ يستحق أن يُحظى باهتمامه بحيث تصبح تياراً سياسيا يمثل وجهة نظره من خلال دعمها لذلك التيار نفسه .
وببساطة فإن القنوات الإعلام انسلخت عن دورها المستقل لتخدم في إمباتيا أخرى
تدعم توجهاً حزبيا وتمثيلا لجهة سياسية ويصبح الدور الذي من المُفترض أن يكون مُستقلا عن أي شئ آخر دوراً تمثيلياً لصالح جهة ما ، ويبدأ الإعلام المُستقل بفقد سيمياء خطوطه العرضية ويتحول كما تحول التيار المدني من مدنيته إلى (سياسبيت ) غير أننا نعطي الإعلام صفة تحوله عن دوره الأصلي المنوط به إلى ( سياسيموجه ) أي إعلام يقوم على التوجيه بمعنى إعلام مُوجه .
وتنتقل عدوى الإمباتيا الإعلامية في الإنسلاخ عن دورها لتأتي على أفراد تلك القنوات من مذيعي الأخبار حيث يمكنك أن تتفاجأ أن المذيع الذي كان يدير برنامجاً كنت تتابعه يصبح بوقاً إعلاميا يصفق لذلك التيار ، ولزعيم التيار ، ولأصحاب ذلك التيار ، والمُخرج الذي كان يتحرى الصورة ومصدرها ، ويتأكد من دقة مصداقيتها يمكنه أن يقوم بصناعة نوع من الفوبيا الجنونية الإعلامية بحيث يجتهد في فبركة الصورة ، ويتفنن في صناعة الخبر فيصبح أكثر مبالغة من درجته الطبيعية ، والدولة التي تدعم تلك القناة أو تبثُّ منها يمكنها أن تحارب بعقيدتك في تلك القناة ، ومن خلال حبك لها ، فتعمل على تشويه الحقائق لديك أو تزييفها على الأقل أو التورية عن مدى صحة خبر ما ، وتقوم بنقل عالم لا يعبر عن الرؤية الحقيقية بل يُعبر عن توجه تلك الدولة نحو (ثورتك ) أو نحو (دولتك )
وهى تقوم بتعبئة فكرك بمزيد من التشوهات الفكرية والأفكار الحقدية نحو الطرف الآخر ، هذه إمبايتا مقيتة ، تسلب من المواطن أبسط حقوق التمدن الطبيعي ، ألا وهى أن يُحظي بشرف الميثاق الإعلامي ، ومصداقية ما يجري نحوه ، وهى إمباتيا نابعة من حالة تقمص خيالية تقوم على صناعة فيلم في بال وذهن المُتلقي
فيصبح الواقع في ذهنه لا كما يراه ، ويتحول الأمر إلى حرب ذهنية تدور على مستوى تلقي الخبر الإعلامي ومنسوب قوته ، وبالتالي فإن التأثر والتأثير به يقومان على فكرة غير حقيقية ونابعة من خدمة تيارات بعينها ودول باسمها

إن المواطن الذي يتورط بكامل أحاسيسه في متابعة قناة الأحرى به أن يكون
على مسافة ما من تلك القنوات حتى لا يتحول فكره من ذهنية التلقي إلى ذهنية الاعتقاد الجازم بالإعلام ومنها إلى الإيمان بما يتوجه له والتيقن مما ينجزه ذلك الإعلام
.
لازالت الكثير من القنوات الإعلامية تمارس دورها مع المواطن في منهجة فكره
وفق منهجها الدعائي وهى بذلك تبرمج له عقله بناء على فكرية توجهاتها فهى يمكنها أن تمنح للمواطن فرصة (حق اللجوء ) السياسي إليها ليعبر عن إيمانه بتيار ما من منبرها ،ومن خلال الإقامة بأرض الدولة التابعة تلك القناة ، ويمكنها أن تمنحه كذلك حق اللجوء ( الفكري ) بحيث يستطيع أن يعبر عن أفكاره و آرائه ضمن باقات برامج مبرمجة ومُعدة سلفاً لخدمة أغراض وغايات تسعى إليها القناة وبهذا يصبح الإعلام حالة من حالات الثورة له مزاج ( الشعبنة ) أي بدعم شعبي
من الشعب ويُصبح من حالة نقل إلى حالة معايشة ، ومن حالة رصد للثورة إلى
حالة تصدير للثورة ، ويتحول من مجرد ناقل للفكرة إلى مُرسل للمبدأ وتستحيل
فكرة التجسد الإعلامي من مجرد مشاهدة عادية يومية إلى حالة مُعتقد يتبناه الفرد
ويخصص له جزء من يومه ووقته إسوة بما يعطيه من وقت للعبادات .

لا أملك إلا أن أقول أن أدوات الثورات تعددت واختلفت في مدى حدتها فمنها ماكان سلاحاً مع المواطن ومنها ماكان بحدين ضده وضد ثورته ، ومنها ماكان ضمن مسمى الأجندة الإعلامية
، ومنها ما كان إعلاماً همه الوحيد تحقيق وجمع أكبر قدر من المعلومات ...ولايستحق هذا سوى تسمية لائقة به ألا وهى الإعلام الثورفاشي
فهو في حقيقته لايخدم سوى أفكار الفاشية السلطوية التي تحمل صولجان الإعلام
وتعتبره سلطة حاكمة لفكر المُتلقي وتمارس عليه كافة أشكال الفاشية الفكرية
ضد ثورته ضمن باقة توجهات معينة تؤدلجها في فكر المواطن العادي الذي يتصور أن كل ما يُقال هو صحيح وصادق ويجب تناقله وتصديقه وفي هذا التوجه الفاشي نوع من الدكتاتورية الإعلامية التي تمارس سلطتها السمعية والبصرية ضد سلطة التغيير المُتمثلة في ثورة المواطن وضد قيام دولة تلك الثورة .


د. عزة رجب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسير مجريات محاكمة ترامب نحو التبرئة أم الإدانة؟ | #أميرك


.. هل أصبح بايدن عبئا على الحزب الديمقراطي؟ | #أميركا_اليوم




.. مسؤولون أمريكيون: نشعر باليأس من نتنياهو والحوار معه تكتيكي


.. لماذا تعد المروحيات أكثر خطورة وعرضة للسقوط؟ ولماذا يفضلها ا




.. سرايا القدس تبث صورا لتفجير مقاوميها بكتيبة طوباس سيارة مفخخ