الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2015 / 3 / 10
الادب والفن


ركل جابر حماره للمرة العشرين وأخذ صوته يعلو مؤنباً إياه أن يسرع ويكف عن البلادة، لكن الحمار أسرع لبرهة قصيرة ثم رجع كما كان عليه. ونظر جابر إلى السماء يريد أن يستطلع الوقت من مكان الشمس، وردّ في نفسه أن الوقت ما زال مبكراً وسيصل إلى سوق الحمير قبل أن تتعجرف حرارة الشمس.ورغم انهماكه في ضرب الحمار، إلا أن هذا لم يمنعه من إطلاق حنجرته بأغانٍ لم يسمع بها أحد قط، ووقع الطرب في نفسه فأخذ يميل بجذعه حسب الألحان، لكن الحمار ظل عابساً يشد نفسه تارة نحو اليمين وأخرى نحو اليسار .. إلى المجهول.
ثمة بصيص في الأرض أوقفه وأنزله عن حماره فالتقطه بإصبعيه وأخذ يقلب به ويحملق ظناً أنه عملة ذهبية، لكن بعد أن عرف أن بصره قد خدعه، شد شرواله إلى الأعلى وربط قنبازه على وسطه وأمسك برقبة حماره ثم قفز ببطء على ظهره، وشعر أنه قد تقدم في العمر ولم يعد باستطاعته القفز والجري كما لو كان شاباً. أخذ يمرر أصابعه على وجهه فلم يعترضها سوى الشيب، وحفر عميقة غائرة لا تردم.
اندفع الماضي برأس جابر بكل ألوانه وشعر بعفونة ذكرياته، فحاول أن يلجأ إلى أحداث بعيدة عن مداهمة قبيلة النبهان لبيته و قتل ابنه حميد أو الطوفان الذي أغرق أمه و أفقده جميع محاصيله. و رغم كل المحاولات الفاشلة كانت ذاكرته تطير و تحط عند حدث واحد.. ( المحصول). في القديم عاش تحت رحمة الباشوات ثم المختار، والآن الجمعيات التعاونية التي لم يتحسن وضعه بها. فالدين ما زال يتضخم و المحصول يتناقص. كان يزرع القمح فأوعزت إليه الجمعية بأن يزرع القطن ويبيعه للدولة، وللدولة فقط، وبالتسعيرة التي حددت سلفاً. فهو يرى أن وضع الحمار تحسن ووضعه ما زال رهينة يتقايض بها الغير، ورفع يده اليمنى ليحك رأسه محاولاً أن يجد ولو حدثاً واحداً يجعله ينسى كل هذه الآلام. فرجع مرة أخرى يصدح بصوته هارباً من عبء الأحزان، ووضع يده على جبينه يستكشف الطريق، فأخذت أبنية المدينة تظهر له كأنها مرصوفات هندسية.
اقترب من أحد الحوانيت ليسأل عن الطريق إلى سوق الحمير، فأشار صاحب الحانوت بيده إلى المكان، وانطلق جابر إلى البقعة التي أشار إليها الرجل فوجدها في منحدر تكتظ بالبائعين والشارين، فابتسم ثم ربت على رأس حماره و كأنه قد حقق نصف مهمته. عندما دخل وسط الناس لفت نظره جرة للماء، فمد يده و غرف جرعة، ثم أخذ ينادي كالآخرين ليبيع الحمار، ووقف بضعة متجولين في السوق يختبرون الحمار و ينظرون إلى أسنانه. عبثاً، لم يكن هناك رجل جدي في شراء الحمار. و شعر بالتعب المضني، فوجد صخرة ناتئة في وسط السوق. جلس عليها وأرخى عنان الحمار لبرهة. داهمه النوم ، فوجد نفسه يغط في نوم عميق. وفجأة خرجت أصوات الرصاص تعلو على أصوات الباعة والشارين ، وتضع حداً لخلاف بين بائع متعنت وشارٍ أهوج، وتشتت البهائم وتبعثرت في كل اتجاه وأخذت الأقدام تتطاير كالبرق ولم يبق في الساحة غير رجل واحد استيقظ من نومه مذعوراً من أصوات تحمل الموت في ذاكرته وأخذ يقفز كالمجنون يحاول أن يجد مكاناً يختبئ فيه . انفض الخلاف بعد قليل ، فأخذ جابر يبحث عن حماره بين آلاف المواشي ، لكن دون جدوى.
بدأت الشمس تجر أشعتها نحو الغروب ، ومازال جابر بدون حمار، فأخذت الصور تغيب من خياله وانتابته موجات من ألم خاطف اخذ يتكدس في كيانه وضباب كثيف راح يحتشد أمام ناظريه، ولم تعد رجليه قادرتين على حمل جذعه. أحس أنه خسر كل شيء ، والحمار الذي كان ينوي أن يبيع فر واندثر، وهاهو يعود للقرية وحيداً على قدميه . تسرب اليأس إلى عروقه وخيبة أمل لا تسترد. رفع يديه ورأسه للسماء متضرعاً وصوت يعلو في أعماقه يكاد أن يتفجر. لماذا يا رب كل هذا العزاب ! ماذا فعلت لتعاقبني . أخذت ذاكرته تنبش الماضي مرة أخرى وصور جاهزة تعبث في قلبه . . عشيرة النبهان وابنه حميد وغرق أمه ، وجمعيات لا(تعاونية) تسرق المحصول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??