الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزرع القطن ولا نقلعه؟!!!

محفوظ أبوكيلة

2015 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تقلصت مساحات زراعة القطن فى مصر حتى انخفضت إلى 375 ألف فدان فى عام 2014، بعد أن كانت تدور حول 2مليون فدان حتى ثمانينيات القرن الماضى، وتضاءل حجم الإنتاج الى مليون طن لم يتم تصدير سوى 28 ألف طن منها في نفس العام، فى حين كان حجم الإنتاج يتجاوز العشرات منملايين الأطنان فى الماضى،وكان يصدر أكثر من 50%منه. ومع ذلك فإن الحكومة بعد أن اشترت إنتاج العام الماضي الضئيل من الفلاحين عجزت عن تصدير أكثر من 15% منه، وتكدس الباقى بمخازنها بجانب ماتكدس من إنتاج السنوات السابقة. مما دفعها إلى وقف الدعم المخصص لمنتجيه. لقد كان القطن المصرى يحتل قمة عرش الأقطان طويلة التيلة فى العالم لنحو قرنين من الزمان. وترجع الميديا وغالبية رجال الدولة والنخبة انهيار مكانته إلى نجاح المؤامرات الكونية التى تدبر ضدنا وإلى جشع ونفوذ رجال الأعمال والمستوردين. ولكن إذا نحينا نظرية المؤامرة جانبا سنجد مجموعة من العوامل التاريخية والموضوعية، المحلية والعالمية، التي أدت إلى فقدان القطن المصرى مكانته، منها مايتعلق بعمليات إنتاجة وتصنيعه، ومنها مايتعلق بالسوق الداخلى والخارجى.وسنتناول هذه العوامل على النحو التالى:
أولا: العوامل المتعلقة بعمليات الإنتاج والتصنيع
أول هذه العوامل يتمثل في رداءة وارتفاع تكلفة وتلوث المنتج في جميع الحلقات بدءا من الزراعة وصولا إلى المنتج النهائى من ملابس ومفروشات. وقد نتجت هذه العوامل عن تخلى الدولة عن القيام بدورها فى استنباط أصناف جديدة أعلى جودة وأغزر إنتاجا. والعامل الثاني هو انخفاض إنتاجية الفدان بسبب إجهاد التربة وتدهور خواصها، حيث لجأالفلاحون إلى الإفراط فى استخدام الأسمدة بأعلى المعدلات فى العالم، كما انتشرت الحشرات والآفات بسبب كثافة الدورة الزراعية، فأفرط الفلاحون فى استخدام المبيدات الكيماويه. الإفراط فى استخدام الكيماويات أدى إلى ذيادة معدلات تلوث الإنتاج إلى درجات غير مقبولة عالميا، كما أدى إلى ارتفاع تكلفه مستلزمات الإنتاج المرتفعة أصلا بسبب أسعار الوقود المستخدم فى رفع المياة.
كما ترتب على ملكية الدولة وإدارتها لكافة حلقات تداول القطن من تسويق وحلج وغزل ونسج وصناعة الملابس والمفروشات، عدة نتائج كارثية خاصة بعد حرب 1967 عندما تم تخصيص جل إيرادات الموازنة العامة للدولة للمجهود الحربى، مما أدى إلى عدم صيانة وتطوير وتحديث المحالج فتضررت شعيرات القطن وتدنت مواصفاتها. وجرى على مصانع الغزل والنسيج والملابس ماجرى على المحالج. وانصرف الجميع عن الالتزام بالموصفات والمعايير، واتسم المنتج في كل حلقة بانخفاض الجودة وعدم القدرة على المنافسة.وهذا مايدخلنا إلى العوامل المتعلقة بالتسويق.
ثانيا: العوامل المتعلقة بالسوق الداخلى والخارجي
منذ أن أدخل محمد على زراعة القطن إلى مصرفى أوائل القرن التاسع عشر، أخذت بنية المجتمع المصرى الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية تتشكل كبنية ملحقة بالاقتصاد البريطانى. تنتج وتنقل وتهيء القطن للتصدير، بأقل تكلفة وأعلى جودة تتطلبها مصانع لانكشير ببريطانيا. لدرجة أن هذه العمليات كانت تشكل أكثر من 85%من الناتج المحلي الإجمالى لمصر حتى قيام ثورة 1952. ولما كانت الثورة قد قامت أصلا بهدف القضاء على هذه البنية( مبادئ الثورة الستة). فقد وصلت لقمة نجاحها خلال الخطة الخمسية التى أحدثت انقلابا جذريا فى النشاط الزراعى اعتمد على جهاز تعاونى يوفر للفلاح مسلزمات الإنتاج من التقاوى والأسمدة والمبيدات، كما يوفر تمويلا بدون فوائد للعمليات الزراعية عن طريق بنك التعاون الزراعى الذى أنشئ بأموال الفلاحين، وكان يمول أيضا عمليات تسويق القطن الذي كانت الحكومة هى المشترى الوحيد له، تستخدم جانبا منه فى مصانع الغزل والنسيج التى توسعت فى إنشائها، وتصدر جانب آخر إلى دول المعسكر الاشتراكى عن طريق الصفقات المتكافئة التى لاتهتم كثيرا بمواصفات الجودة التى كانت تحدد الأسعار فى الأسواق سابقا. فى هذه المرحلة أهملت شركات التسويق معايير التخزين التى تحافظ على صفات القطن، كما أهملت عمليات التدقيق والرقابة على تصنيف الرتب وعدم اختلاط الأصناف ودرجات النظافة. وقد رأينا كيف أدت النتائج الكارثية لحرب 1967، وتخصيص جل نفقات الموازنة العامة للدولة للمجهود الحربى إلى التخلف التكنولجى للصناعة وعلى رأسها صناعة الغزل والنسج. زاد الطين بله أن حكومات مابعد الحرب تبنت رؤية ليس لها مثيل فى عالم اليوم، مؤداها أن تتخلى الدولة عن دورها ومهامها تاركة كافة فئات المجتمع وقطاعاته الاقتصادية فى مهب الريح. أنتجت هذه الرؤية سياسات وبرامج ألغت دور الجهاز التعاونى فى توفير مستلزات الإنتاج والتمويل منخفض الفائدة للعمليات الزراعية والتسويق التعاونى. كما عجزت هذة السياسات عن إعادة تأهيل قطاع الصناعة بعد التخلف الذى أصابه جراء حرب 67، مما أدى إلى توقف معظم شركات الغزل والنسيج الحكومية عن الإنتاج تقريبا. وقد أدت هذه الكوارث التى توالت على المجتمع -ضمن ما أدت اليه- إلى انهيار فى عمليات زراعة القطن وتسويقه فى السوق الداخلى، حيث اتجهت شركات الغزل والنسيج والملابس المملوكة للقطاع الخاص إلى استيراد مستلزمات انتاجها من الخارج، حيث ينخفض سعر القطن قصير التيلة المستورد عن مثيله المصرى بنحو70%،مما أدى بالصناعة المحلية لأن لاتستخدم سوى 15%من القطن المصرى بينما استوردت 85% من احتياجاتها من الأقطان قضيرة التيلة حيث صممت المغازل الحديثة لإستخدامها مخلوطة بألياف صناعية تكسبها خواص الأقطان طويلة التيلة التى لم تعد فى إحتياج اليها.
هذا عن السوق الداخلى،فماذا عن السوق العالمى؟. لم يعد السوق العالمى هونفس السوق الذى عهدناه من قبل والذى تربع القطن المصرى على عرشه، فقد انتابه العديد من التطورات الهيكلية المذهلة يمكن إيجازها فى:
* التحرير شبه الكامل للتجارة وإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1994لكى تديرالنظام التجاري متعدد الأطراف عن طريق إبرام مئات الاتفاقيات بين أعضائها البالغ عددهم حاليا160 دولة عضو بالإضافة إلى 24 دولة أخذت صفة مراقب لحين الموافقة على قبول عضويتها. كما تختص المنظمة بضمان التزام الدول الأعضاء بتنفيذ الاتفاقيات، وتوقيع العقوبات عل المخالفين. وقد ترتب على ذلك غل يد السلطات المحلية عن فرض أى قيود حمائية لمنتجاتها المحلية كحظر استيراد أورفع رسوم جمركية أو إعاقة استيراد أى سلع بأى شكل.
* نجحت عشرات الدول الفقيرة فى تحقيق معدلات عالية من التنمية الشاملة، مستفيدة من التطوراتالتي طرأت على التكنولجيا العالمية فى تحديث صناعاتها، كما استفادت من منجزات الثورة العالمية الخضراء التى مكنتها من استنباط سلالات جديدة من المنتجات الزراعية غزيرة الإنتاج منخفضة التكاليف. وقد تمكنت هذه الدول (مثل الصين والهند وكوريا وتايوان وسنغافورة وتايلاند وفيتنام وتركيا وأخيرا أثيوبيا وعشرات الدول الأخرى الصاعدة) من غزو الأسواق العالمية بالمنتجات الرخيصة مستفيده من تحرير التجارة العالمية.
* تخصص اقتصادات العديد من الدول ( مثل أمريكا وكندا وبعض الدول الأوروبية واليابان) فى الصناعات المعرفية التى ترتكزعلى البحث العلمى والاكتشافات الحديثة،والذي مكنها من تطوير التكنلوجيا إلى آفاق مذهلة. ولما كانت حرية التجارة قد طالت حرية انتقال وتداول المعرفة فقد اتسعت دائرة المستفيدين من نتائجها فى الدول المتقدمة والصاعدة علىالسواء.
هذه التطورات التى لحقت بالعالم تركت آثارا عميقة على إنتاج وتجارة القطن والصناعات المرتبطة به فى مصر، فقد تمكنت العديد من الدول الصاعدة من استخدام العلم والتكنولجيا الحديثة فى استنباط سلالات قصيرة التيلة غزيرة الإنتاج، كما تمكنت الدول المتقدمة من استنباط سلالات أخرى طويلة التيلةعالية الجوده، وتمكنت غالبية هذه الدول مجتمعة من تحسين خواص تربتها الزراعية وميكنة كافة عمليات زراعة القطن وجنيه وتداوله، مما أدى إلى خفض سعرالقطن الخام وتحسن خواصه. كما تمكن العديد من الدول الصاعدة من تحديث كافة حلقات تصنيع القطن وخلطة بالألياف الصناعية والتوصل إلى توليفة من الغزول مكنتهم من الاستغناء عن الأقطان طويلة التيلة. وتوجت كل ذلك بغزو أسواق العالم بالأقطان والغزول والمنسوجات والملابس الجاهزة، مستفيده من مزايا تحرير التجارة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
فى هذه الأثناء، التى انقلب فيها العالم رأسا على عقب. كانت زراعة القطن ومراحل تصنيعه فى مصر تتدهورعلى النحو السابق ذكره. وكان الفلاح المصرى قد أقلع تقريبا عن زراعته. وجميع المؤشرات تنبئ أن مساحة ال375 ألف فدان التى زرعت العام الماضى ستنخفض إلى أقل من النصف فى 2015. ويكون الفلاح المصرى قد أجاب بنفسه على سؤال المقال بأن قرر منذ سنوات عدم زراعة القطن، لتتعمق المأساة التى يعيشها، ولتحاصره المشاكل من كل جانب ابتداء من تدهور فى خواص التربة وارتفاع نسب التلوث لمعدلات قياسية، وارتفاع فى أسعار مستلزمات الإنتاج والوقود، وارتفاع تكلفة تمويل عمليات الزراعة، وتخلى الدولة بأجهزتها البحثية والإرشادية عن استنباط أوحتى استيراد وإكثاربذورالتقاوى، ولم يعد يوجد تركيب محصولى يتناسب مع احوال المجتمع تتبناه الدولة، كما أقلعت عن برامج تطوير أساليب الرى وخفض تكلفته. واختتمت المأساة بترك الفلاح يقوم بتسويق انتاجه منفردا. ولما كان التصدى لمثل هذه المشاكل يعد من مسؤليات الدولة فى كافة بلدان العالم أيا كان نظامها السياسى والاقتصادى. ولما كانت دولتنا غير مؤهلة حاليا لتبنى السياسات والبرامج الكفيلة بمعالجة عمليات زراعة القطن وتسويقه وتصنيعه وتصديره، فلن يجد الفلاح طريقا سوى الإقلاع عن زراعتة، وصبح الخيار المنطقى أن تكف الدولة عن تقيم الدعم غير المجدى.
مرجع رئيسى، دراسة للدكتور على نويجى بعنوان"بنك التعاون --طوق النجاة لمصر" ww.nweigy.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة