الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بابلو نيرودا .. هل مات مسموماً ؟

عبد الكريم بدرخان

2015 / 3 / 10
الادب والفن


"تُعيد تشيلي فتحَ التحقيق في موت شاعرها الأعظم، الفائز بجائزة نوبل للآداب، بابلو نيرودا، لتحديد ما إذا كان الشاعرُ قد تمَّ تسميمُه قبلَ أكثرَ من 40 عاماً، على يد الديكتاتورية العسكرية. يأتي ذلك بعد نبشِ جثة الشاعر عام 2013، دونَ العثور على دليلٍ يدعمُ هذا الادعاء".
هذا ما أفادتْ به صحيفة "الغارديان" البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 21/1/2015، بأنّ شاعر الحبّ الشغوف، صاحبَ المواقف الشيوعية الصلبة، والمعروف بأنه ماتَ بمرض السرطان عام 1973، بعدَ أيامٍ قليلة من الانقلاب العسكري الوحشي الذي قاده أوغستو بينوشيه، مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية... قد قُـتِـلَ بالـسُـمّ. وتعلّلُ الصحيفةُ سببَ مقتله، بكونه شيوعياً موالياً للرئيس المُنقلَب عليه سلفادور أليندي، وكانت الديكتاتورية الجديدة تخشى أنْ يصبح نيرودا زعيماً للمعارضة ضدّها.
وحول هذا الموضوع، يقول سائق نيرودا: "إنّ عملاء بينوشيه استغلّوا مرضَ الشاعر، وحقنوا معدته بالسمّ، عندما كان الشاعر طريح الفراش في مصحّ سانتا ماريا بمدينة سانتياغو". ويضيفُ رئيس دائرة حقوق الإنسان في الحكومة التشيلية، فرانسيسكو أوغاس: "يوجد دليلٌ أوّليّ بأن الشاعر مات مسموماً، والدلالاتُ تشير إلى تدخّل عناصر أجنبية، ما يمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية".
الفحصُ القضائي الجديد لجثة نيرودا، سوف يبحث عن عناصر غير عضوية أو عناصر معدنية في بقايا الجثة. وسوف يركّز على ما إذا كان هنالك أيُّ تلفٍ في الخلايا تسببتْ به عناصر كيميائية. بينما كان الفحصُ الأول قبل عامين، يبحثُ عن بقايا السمّ فقط.


حياته السياسية والدبلوماسية:
-----------------------------
لا يمكننا معرفة أهمية حادثة مقتل شاعر مثل نيرودا، دون الرجوع إلى تاريخه السياسي والمهني. فقد بدأ نيرودا عمله في السلك الدبلوماسي عام 1927، وهو تقليدٌ متّبعٌ في دول أمريكا اللاتينية، حيث يتمُّ تكريم الشعراء بتعيينهم في مناصب دبلوماسية. وعندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية عام 1935، كان نيرودا يشغل منصبَ قنصل في السفارة التشيلية في مدريد، وكانتْ تربطه صداقةٌ عميقةٌ مع الشاعر الإسباني فدريكو غارثيا لوركا. وخلال الحرب الإسبانية انخرطَ نيرودا في العمل السياسي بشكلٍ كامل، وانطلاقاً من تجربتُه في هذه الحرب، أصبحَ نيرودا شيوعياً راديكالياً حتى آخر يوم في حياته. وفي هذه الحرب وقعتْ أكثرُ الحوادث تأثيراً في حياة نيرودا، وأكثرُها تأصيلاً لموقفه الشيوعي الصلب، وهي حادثة إعدام لوركا على يد القوات التابعة للجنرال فرانكو.
منطلقاً من تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية، كان نيرودا كمعظم اليساريين من أبناء جيله، معجباً بالاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، أولاً لدوره في هزيمة ألمانيا النازية، وثانياً بسبب الانتماء المشترك للأيديولوجيا الشيوعية. ويظهر ذلك في قصائده عن ستالينغراد عام 1943، وفي نيله لجائزة ستالين للسلام عام 1953. وعندما مات ستالين في نفس العام، كتب نيرودا قصيدةَ رثاءٍ له، وقد تسبّبَ حماسُه للتجربة الستالينية بضربِ وتدٍ عميقٍ بينه وبين صديقه الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث. ورغم هذا الخلاف السياسي، بقيَ نيرودا في عيون باث: "أعظمَ شاعرٍ في جيلنا".
عُـيّن نيرودا قنصلاً في المكسيك بين 1940 و 1943، ثم عاد إلى تشيلي، وفي عام 1945 انتُخبَ عضواً في المجلس الأعلى للحزب الشيوعي. وفي عام 1952 رشَّحَ الحزب الاشتراكي التشيلي سلفادور أليندي للانتخابات الرئاسية، وطلبَ الحزبُ من نيرودا دعمَ حملة ألينيدي الانتخابية، بوصفه الأديب اليساري الأكثر وزناً وشهرةً. اشتُهرَ نيرودا بمواقفه الشيوعية المعادية للولايات المتحدة الأمريكية، فقد وقفَ ضدّها أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، ووقف ضدّها في حرب فيتنام.
وفي عام 1970، كان نيرودا مرشَّح الحزب الشيوعي لرئاسة الجمهورية، لكنّه سحبَ ترشيحه لدعم المرشّح أليندي. وبعد فوز أليندي في الانتخابات كأوّل رئيسٍ اشتراكي يصلُ إلى السلطة بالانتخابات الديمقراطية، قام بتعيين نيرودا سفيراً لتشيلي في باريس بين 1970 و1972، وكانت هذه آخر مهامه الدبلوماسية.
بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوغستو بينوشيه على الرئيس أليندي عام 1973، ومقتل أليندي (أو انتحاره حسب رواية الانقلابيين)، قامتْ قواتُ الانقلاب بمداهمة منزل نيرودا بحثاً عن أسلحة، فأجاب أنه لا يملك سلاحاً سوى الشعر، ففُرضتْ عليه الإقامة الجبرية. وبعدها انتقلَ نيرودا إلى مصحّ سانتا ماريا تحتَ حراسةٍ مشددة، حيث توفي بعد أيام.


بين الشعر والأيديولوجيا:
-------------------------
علاقة الشعر بالأيديولوجيا علاقةٌ إشكاليةٌ قديمةٌ متجدّدة، والأيديولوجيا لا تعني بالضرورة الانتماء إلى اتجاه سياسي معيّن، بل تعني منظومة الأفكار التي تنظّم مختلف العلاقات الاقتصادية- الاجتماعية، وتحدّد طبيعة سلوك الفرد أو الجماعة.
صحيحٌ إنّ سيطرة الخطاب الأيديولوجي على الخطاب الشعري يعني موتَ الشعر، لِكَون الأيديولوجيا ترتبطُ بالظروف الزمانية والمكانية، وبمصالحَ معينة، بينما يجنحُ الشعر إلى ملَكة الخيَال متجاوزاً الواقع. لكنْ في المقابل، إنّ أيَّ خطابٍ شعري يحملُ من ضمن أبعاده البُعدَ الأيديولوجي، ففي قصائد بودلير عن المرأة الخلاسية، يتّضحُ موقفه من الأفارقة الذين نُـقوا إلى أوروبا في الحقبة الكولونيالية، وخصوصاً مع ازدهار الثورة الصناعية. وفي مسرحية "بيت برناردا آلبا" يتّضحُ موقف لوركا من الطبقة الأرستقراطية في إسبانيا، بشكلٍ غير مباشر. والأمرُ عينه في قصائد نيرودا عن المرأة الفلّاحة، ذاتِ السواعد المحمرّة تحت الشمس، والجبين المطرّز بقطرات العرق، فتظهر الأيديولوجيا كبُعد واضحٍ من أبعاد النصّ، وكتطبيقٍ عمليّ لتنظيراتِ علم الجمال الماركسي.
لا يكمُنُ البُعدُ الأيديولوجي في الخطاب الشعري داخلَ النصّ فحسب، بل يكمُن في عملية التلقي أيضاً. فالنصُّ يتمُّ إنتاجه جمالياً وأيديولوجيا في فعل الإبداع، من قبل الذات المبدعة. ويعادُ إنتاجه جمالياً وأيديولوجياً في فعل التلقي، من قبل الذات المتلقية. وقد ساهمَ انتماءُ نيرودا إلى الأيديولوجيا الشيوعية في انتشارهِ وترجمةِ أعماله في مختلف دول المعسكر الاشتراكي، لكونهِ شاعراً شيوعياً أولاً، دون أنْ نُغفلَ حقيقةَ كونه شاعراً عظيماً. أما اليوم، فإنّ ما بقيَ حـيّـاً من شعر نيرودا، وما أبقاه شاعراً عالمياً كبيراً، فهي قصائد الحبّ التي تُرجمتْ إلى أكثرَ من أربعين لغةً، ونراها اليوم تتصدّر المواقع الإلكترونية المختصّة بالشعر، من حيث عدد القراءات. بينما انحسرَ تأثيرُ قصائده الأيديولوجية على المرحلة التاريخية التي نُشرتْ فيها، وأصبحتْ اليوم نصّاً شاهداً على تلك المرحلة، لكنْها ليست نصاً فاعلاً ومُنفعلاً بشكلٍ يتجاوزٍ لشروط الزمان والمكان.
لم يكنْ انتقالُ نيرودا من قصائد الحبّ إلى قصائد الأيديولوجيا؛ تعالياً على شغفه الكبير بالمرأة والجمال، ولا انسلاخاً عن الفنّ للفنّ واندماجاً بالفنّ للمجتمع. بل جاءَ هذا الانتقالُ مع تغيُّر رؤيته للحياة وللإرادة البشرية، ومع تعمُّق تجربته الحياتية، وتشكُّل موقفه الأيديولوجي أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومثلما كان عالمياً في عشقه للمرأة، كان أُمميّاً في نضاله لتحرير الإنسان من الظلم والاستبداد.
شكّلتْ صدمةُ اغتيال لوركا عام 1936 الجرحَ الأعمق في قلب نيرودا، تبعَها اغتيالُ ليون تروتسكي عام 1940، ثم اغتيالُ تشي غيفارا عام 1967، وأخيراً اغتيالُ سلفادور أليندي عام 1973. ولم يكن نيرودا يرى نهايته إلا كنهاية رفاقه، فقد أرادَ هوَ هذا المصير، بقدْر ما أرادَهُ هذا المصير. وسواءً مات ميتةً طبيعية كما كنا نعرف، أو اغتيلَ مسموماً كما تشيرُ الادّعاءات اليوم، فقد كان نيرودا من الرجال الذي يعيشون الحياةَ كمعركةِ مصيرٍ، لا مساومةَ فيها، وكأنه صوتُ هاملت: "أنْ تكون أو لا تكون".


نيرودا.. الشاعر الإنسان:
-------------------------
ولد نيفتالي ريكاردو رييس باسوالتو (بابلو نيرودا) يوم 12 تموز 1904، في مدينة بارال في تشيلي. برزتْ موهبته الشعرية في سنّ مبكّرة، فنشرَ أولى قصائده "عيناي" وهو في الرابعة عشر من عمره. انتقل إلى مدينة سانتياغو لدراسة اللغة الفرنسية في جامعة تشيلي، رغبةً منه بأن يصبح مدرّساً. وفي عام 1923 أصدر "كتاب الشفقات"، أتبعه بمجموعة "عشرون قصيدة حبّ وأغنية يائسة" التي أثارتْ جدلاً واسعاً لميلِ قصائدها إلى الإيروتيكية، خاصةً وأنّ كاتبها شابٌّ في التاسعة عشر من عمره. وقد نالتْ هاتانِ المجموعتان الشعريتان إعجاباً كبيراً من النقّاد، وتُرجِمتا إلى عشرات اللغات.
وأثناء عمله في السلك الدبلوماسي، تنقّل نيرودا بين عدّة بلدان، واطّلع بشكلٍ واسعٍ على الشعر العالمي، مما عمّقَ تجربتيه الحياتية والشعرية، وأدخلَ على شعره أساليبَ جديدة. فأصدر كتاب "الإقامة على الأرض" عام 1933، متضمناً العديد من القصائد السُـريالية.
فاز بابلو نيرودا بجائزة نوبل للآداب عام 1971.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟