الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس النواب القادم، والمسكوت عنه !

السيد شبل

2015 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في أجواء من الدخان "الليبرالي" الكثيف، وفي مناخ تحكمه أفكار "لاسلطوية" متطرفة، جلست لجنة الخمسين لإعداد الدستور في أوخر عام 2013، فأنتجت موادًا معطلة للحياة السياسية بشكل عام، وأخرجت نظامًا بدعيًا (برلماني - رئاسي)، فيه من التنازع على السلطات ما يكفي لتفكيك بناء أي دولة وتعطيل سير العمل بها، وظنّ أعضاء اللجنة أنهم بإخراج مثل تلك المواد سيكونون في مأمن من هجوم جحافل الإعلاميين الليبراليين شباب وشيوخ. باختصار فقد خضعوا لأبشع أصناف الابتزاز، وهادنوا كتلة من الساسة المصطنعين، ولم يفكروا في الصالح العام، وما يفرضه عليهم من تحمّل أعباء المواجهة. فانبطحوا وهادنوا ومالئوا.

أفدح صور هذا الانبطاح كانت فيما يتعلق بمواد اختيار الحكومة، التي تسوق حتمًا إلى تخبط وعدم اتزان في أداء السلطة التنفيذية بسبب تعدد الرؤوس. وتحت وطأة الظروف المرحلية، اندفعت الملايين في يناير 2014 للتصويت بالموافقة، وكان الأمر في حقيقته استفتاءًا على إزاحة الإخوان عن الحكم، وسبيلًا ما لمنح الشرعية للنظام الجديد، وبسبب ذات الظروف توارت الأصوات المدركة لحجم الكارثة التي ينبيء عنها مرور مواد دستورية بهذه الصورة.

ومع فبراير الماضي ودنوّ موعد الانتخابات النيابية، برز المأزق الدستوري إلى السطح، لكنه ظل حبيسًا في مناقشات نخبوية ضيقة، ولم يتعرض له الإعلام بالقدر الكافي، وانشغلت ساحات "التوك شو" بمناقشة المشكلات المتعلقة بالتحالفات الانتخابية المزمع تشكيلها، إلى أن استيقظ الجميع على حكم الدستورية العليا بقبول الطعون المقدمة على قانون تقسيم الدوائر، ومن ثم أمر القضاء الإداري بوقف قرار دعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب؛ بالإضافة إلى قبول ترشح مزدوجي الجنسية، وهو أمر مرفوض شعبيًا ونخبويًا على صعيد واسع، وسيثير نقاشًا مجتمعيًأ حادًا، وبالتالي ستطول مدة التأجيل!.

أزمة مجلس النواب القادم، وتشكيل الحكومة، وهي من الأمور المسكوت عنها إعلاميًا بشكل يستحق معه وقفة جادة لمراجعة الأسس والمعايير التي يتم الاستناد إليها عند تناول موضوع ما وإهمال آخر، تتعلق بمادتين:

الأولى: المادة (146)، والآليات التي يتحدد من خلالها تشكيل الحكومة، فالدستور قد أسند إلى رئيس الجمهورية مهمة تكليف رئيسًا لمجلس الوزراء، وتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب. وحتى يمارس عمله، فالمطلوب هو أن يحصل على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر. والأغلبية مسكوت عنها في الدستور، وبناء عليه فهي تعني (ما زاد على نصف الأصوات الصحيحة التي اشتركت في التصويت -وفي الأمر تفصيلات تشريعية-...)، وتبعًا لهذا الفخ النصي، وفي ظل ضعف الأحزاب وتصارع التحالفات وغموض هويات المستقلين، يصير من المستبعد أن تحظى الحكومة التي سيكلفها الرئيس بالأغلبية !. وبناء عليه، يتم الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي أن يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، ويشترط أن تحصل هذه الحكومة على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، وهو أمر مشكوك فيه بدرجة أكبر، لأنه حسب المعطيات الحالية لن يكون الحزب أو الائتلاف الحائز على الأكثرية، حائز على الأغلبية، ( فالأكثرية قد تتحقق بـ 20 % مثلًا من أعضاء المجلس، والأغلبية في أبسط تعريف لها تتحقق بالنصف + واحد )!.. وعلى هذا سيتم حل المجلس (وفقًا للدستور) وسيدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل!.

الثانية: المادة ( 147) وقد جاءت لتضع قيودًا مضافة على رئيس الجمهورية عند الرغبة في إجراء تعديل وزاري، حيث نصت على أن الرئيس لا يتمكن من اجراء تعديل وزارى إلا بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بـ"الأغلبية المطلقة" للحاضرين وبما لايقل عن ثلث أعضاء المجلس !.

..نخلص من هذا المسار إلى حلقة مفرغة من اللا معنى واللا طائل، وحجم هائل من الفوضى، وعدم الاستقرار، وتنازع على السلطات، يسوق بدوره إلى دولة رخوة فاشلة، تتصارع على حكمها جهتين جديديتن (الرئاسة، مجلس النواب) كل أربع سنوات !!!.

وهذا بدوره يسوقنا للتساؤل:

أولًا: حول نوع "المستبد" الذي كانت تخشاه لجنة الخمسين، حين حشرت هاتين المادتين في الدستور، في ظل نظام انتخابي يمثل بمقتضاه رئيس الجمهورية نفسه كمرشح كل أربع سنوات، ولا يسمح له بأية حال بالبقاء في كرسيه أكثر من ثماني سنوات !؛ وفي ظل سلطات تشريعية ورقابية واسعة لمجلس النواب من بينها.. الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية كما تُحدد المادة (101). وسلطة إقرار الموزانة العامة للدولة التي تشمل كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على المجلس قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، كما تُحدد المادة (124). وسلطة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد الوزراء، بناء على اقتراح عُشر أعضاء المجلس، ويكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء، وإذا أعلنت الحكومة تضامنها مع أحد الذين تم سحب الثقة منهم، قبل التصويت، تقدم الحكومة استقالتها. كما تحدد المادة (131). إلى جانب غير ذلك من السلطات التفصيلية من المادة 101 حتى المادة 138، ونتصور أن هذه المواد كانت كافية جدًا للتحصين ضد استبداد السلطة التنفيذية !.

ثانيًا: حول المعايير التي يمكن أن تستند إليها الجماهير عندما يجدد الرئيس، مقلّم الأظافر ومنزوع السلطات، ترشحه بعد انقضاء فترته الرئاسية الأولى ؟.

ثالثًا: عن السبب الذي حجب تخوفات اللجنة الخمسينية بخصوص صناعة "المستبد" من أن تمتد إلى مجلس النواب، بمعنى آخر: لماذا ظلت تهمة الفرعنة حبيسة في كرسي الرئاسة ولم تمتد إلى قبة البرلمان ؟.

رابعًا: عن الدوافع التي ساقت الجميع، في لحظة ما، إلى إنكار وضع الأحزاب المصرية من حيث أنها معزولة تمامًا عن الشارع، ولا تحظى بأي قدر من الحضور الشعبي، لأسباب أغلبها ذاتي وليس مدخولًا عليها؛ وإلى تجاهل حقيقة أصيلة مفادها أن الاتجاه الشعبي والنخبوي الحقيقي، متخاصم حتى النخاع مع تلك الآلية المهجّنة التي تعتمد في الحكم بالكلية على أحزاب متضاربة ومتصارعة فكريًا إلى أقصى حد ممكن تخيله ؟.

هذه التساؤلات تبدو منطقية، بالقدر الكافي للطعن في رؤية لجنة صياغة الدستور، وللتشكيك في وعيهم بالواقع وما يفرضه، جملة.

في الختام.. يمكن القول أننا بصدد معضلة من النوع الذي لا تجدي معه المسكنات، ويمكن لأي منصف توقع آثارها السلبية مستقبًلا، ويراهن البعض على وجود عناصر داخل النظام الحالي تدرك الفخ المنصوب دستوريًا والذي تسير إليه الدولة إذا ما تم انتخاب مجلس النواب في ظل التحالفات السياسية والأحزاب القائمة، ومع وجود هاتين المادتين كما هما دون حل أو مخرج.

ما يعزز هذا الرهان، هو الهامش، الذي تسمح به الأحكام القضائية الأخيرة -باعتبار ملابساتها، وباعتبار الجهات المجهولة نسبيًا التي وقفت خلف تحريك دعاويها-، والذي يمكن من خلاله قراءة عقلية النظام الحالي، والتعرف على مدى إدراكه لمعضلة تشكيل الحكومة وفقًا لمواد الدستور، خاصة بعدما أدرك صعوبة تشكيل تحالف قوي ومتماسك يضمن الأكثرية والأغلبية معًا. ما يؤكد هذا الرهان من جانب آخر هو تغيير ثمانية وزراء، دفعة واحدة، في حكومة إبراهيم محلب، في وقت يفترض أنه قريب من ميعاد الانتخابات النيابية!، وحتى بالتعاطي مع الفرضية القائلة بأن تغيير هذا العدد من الوزراء كان غطاءًا مطلوبًا لعملية الإطاحة بوزير الداخلية محمد إبراهيم، فيظل التغيير في حد ذاته يعكس رفضًا ما من جانب النظام للتماشى مع سلطات مجلس النواب -غير المنطقية- التي أقرها الدستور.

على أية الحال، سواء أصاب الرهان وكانت الشواهد عليه صحيحة أم كان الأمر برمته تأويلات طائشة. فالمطلوب بشكل ملح، وعبر آليات شفافة ونزيهة، حل عاجل لتلك الأزمة، بالشكل الذي يجنّب الوطن ثلاث سنوات من التوهان الكامل، تبدأ بانتخاب مجلس النواب، وشروعه في ممارسة مهامه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم