الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشريك المغيب في جرائم داعش..

فاضل عزيز

2015 / 3 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


قطعا لم تكن ظاهرة داعش والإرهاب المتدثر برداء إسلامي مزور - كما تصر عديد الأطراف- نتاجا محتكرا لثقافة إرهابية عملت أطراف متعددة على غرسها في وعي من ينضوون تحت هذه التنظيمات بمختلف مسمياتها، بل هناك أطراف أخرى مسكوت عنها يمكن أن تصنف على أنها شريك مؤثر في إنتاج هذه الظاهرة..
ومعروف أن هذه الظاهرة التي تنشر اليوم الرعب عبر العالم، وترتكب جماعاتها جرائم لم تعد تمارس حتى في أشرس الحروب في تاريخنا المعاصر، ألا وهي ظاهرة الذبح وحرق الأحياء وقتل المدنيين العزل على خلفية مظهرهم أو عقيدتهم المخالفة، هذه الظاهرة قد زرعت أولى براعمها الشيطانية في أفغانستان ثمانينات القرن الماضي على يد خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (C I A ) الذين أسسوا تنظيم القاعدة الإرهابي مبدع هذه الظاهرة ومستخدمها في حربه ضد القوات السوفييتية وجنود الحكومة الأفغانية الموالية لموسكو في تلك الفترة . ومنذ تلك الفترة ترعرع هذا النبت الشيطاني ليتحول إلى ظاهرة عابرة للحدود وتوسعت ممارساته لتشمل المنطقة العربية من العراق شرقا إلى الجزائر غربا.

واستفادت هذه التنظيمات الإرهابية أيما استفادة من التطور المحقق في مجال ثورة المعلومات في نشر أفكارها الهدامة واصطياد عناصر جديدة من شريحة الشباب المهمشين والعاطلين وعديمي الثقافة الذين يمكن غسل أدمغتهم وشحنها بأفكار الإرهاب والتطرف بسهولة، وتوجيههم إلى بؤر التوتر حيثما وجد مسلمون للتخفي وراءهم وارتكاب جرائم باسمهم واتخاذ الإسلام كستار يذبحون تحت رايته ويفجرون ويغتصبون الأبرياء.. و استفادت هذه الجماعات من سياسة التغاضي التي تمارسها حكومات الغرب إزاء هذه التنظيمات الإرهابية ورعايتها غير المباشرة لها في ضخ دعاية وبرامج محكمة الإعداد يتولى إعدادها خبراء مختصون في علم النفس توجه لاستقطاب المزيد من الأتباع وإعدادهم لخوض حروب الإرهاب حيثما تستوجب مصالح أمريكا وحلفائها إشعالها.

لكن الطرف المسكوت عنه في تطور هذه الظاهرة، والذي أسهم في تفاقمها وتوسعها واستقطابها لآلاف الشباب من مختلف القارات، هو وسائل الإعلام ومؤسسات التوعية بمختلف مشاربها، هذه الوسائل والمؤسسات التي تكتفي بدور الموزع والناشر لنشاطات وجرائم هذه الجماعات وشجبها، و لا تتطرق لجذورها وأسباب انتشارها وطرق مواجهتها، وهي بذلك تسهم من حيث لا تدري وربما بعلم وتقصد في استمرار توسع انتشارها واستقطاب آلاف الشباب إلى مصائدها والدفع بهم إلى عالم الجريمة .

تتسابق وسائل الإعلام بكل أشكالها وتوجهاتها ومشاربها الرسمية والخاصة في نشر أخبار جرائم الإرهاب ، وتستدعي الخبراء لتحليل مخاطره وصب اللعنات على من يقف وراءه و يموله ، آلاف المحطات الفضائية والصحف الالكترونية والورقية والإذاعات المسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بآلاف البرامج والمقابلات والمقالات والأخبار والمتابعات الحية والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تتناول هذه الظاهرة وتشبعها سلخا وتحليلا سطحيا لها دون تناول جذورها، وتعلو الشتائم واللعنات لهذه الظاهرة المقيتة من على منابر دور العبادة والمؤسسات الثقافية والساحات العامة؛ في مقابل ذلك نرصد كل يوم توسعا غير طبيعي لدائرة الحرائق التي تشعلها هذه الجماعات في المنطقة العربية وأفريقيا والتي يصل لهيبها في أوقات محدودة ومبرمجة بكل تأكيد إلى أوروبا، كما ترد كل يوم أخبار عن انضمام عشرات بل مئات الشباب لهذه الجماعات من مختلف بلدان العالم، وحتى من أوروبا وأمريكا.. ألا تدل هذه المشاهد المتقاطعة على قصور خطير في أدوات وأداء هذه المؤسسات في معالجتها لهذه الظاهرة المقيتة، واكتفائها بتناول تمظهراتها ودون التطرق لمسبباتها أو طرح معالجات عميقة ومؤثرة لها.

وسائل الإعلام المختلفة اليوم بكتابها ومعدي برامجها وراسمي سياستها، وكذلك المنابر الدينية والسياسية والثقافية والتعليمية تعد شريكا ومساهما فاعلا في تفاقم هذه الظاهرة وتوسع دائرتها، بتقصيرها في تحصين عقول الشباب أمام حملات التجنيد والتضليل التي يديرها خبراء وعلماء نفس تمولهم دوائر مخابرات دولية . إن اقتصار هذه المؤسسات على تناول قشور الظاهرة وعدم تناول أسبابها بشكل عميق وطرح معالجات محكمة لها وتحصين عقول الشباب أمام دعاياتها، والعمل على فتح آفاق ملهمة تستقطبهم وتبعدهم عن مزالق العنف والسير وراء الدعاية المضللة لمؤسسات الإرهاب الإعلامية التي تتخذ من منابر دور العبادة وشبكة المعلومات الدولية مواقع لاصطيادهم وجرهم إلى هذا المستنقع المظلم، هذا القصور يشكل داعما غير مباشر للإرهاب، يحقق في ظله كل يوم انتصارات جديدة ويستقطب آلاف الضحايا الجدد الذين تصحرت عقولهم وسدت أمامهم سبل العيش الكريم، وأظلمت الدنيا في وجوههم ، فيما يشاهدون بأم أعينهم خيرات بلدانهم تنهب وتبدد في كل أصقاع الأرض .

إن هذا الصمت الذي تمارسه هذه المؤسسات وتجاهلها لجذور الظاهرة وعدم تناولها بشكل معمق والتهاون في تحصين عقول الشباب أمام الضخ الإعلامي الخطير والمركز والمدروس بعناية الذي تقدمه جماعات الإرهاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات الدولية، يشكل ظهيرا داعما للإرهاب وجماعاته؛ إذ حريا بهذه المؤسسات الإعلامية والتعليمية و المنابر الخطابية والثقافية المختلفة التي تصنف نفسها كجزء من جبهة مقاومة الإرهاب ، حريا أن تعمل على توجيه خطاب توعوي مركز وعلمي ومدروس بعناية إلى شريحة الشباب تحميهم من الانجرار وراء الدعاية السوداء لهذه الجماعات الظلامية، وتشد انتباههم إلى الجانب المضيء للحياة وسبل سليمة لشق طريقهم وتحقيق ظروف حياة أفضل لهم وبناء مستقبلهم والبعد عن الفكر العدمي المظلم الذي تروج له هذه الجماعات المعادية للإنسانية. هذا هو الدور الحقيقي المغيب في معركتنا ضد الإرهاب والذي يشكل غيابه دعما غير مباشر للإرهاب يمكنه من التمدد جغرافيا واصطياد المزيد من الضحايا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة