الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإدارة الأمريكية وترويض الأسود

جان كورد

2005 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


سلكت الإدارة الأمريكية منذ انتهاء حرب الكويت عام 1991 سياسة "ترويض الأسود" مع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لسنوات طويلة، وهذه السياسة تعني استخدام الأقفاص والترهيب من جهة ومن جهة أخرى ممارسة الترغيب والترويض، إلى أن وصلت هذه الإدارة إلى قناعة تامة بأن كل هذه السياسة من حصار اقتصادي وعزلة سياسية وتهديد بعقوبات أشد وبالضرب المبرح للمنشآت العسكرية والصناعية لم تنفع وعليها خلع أسنان الحيوان المفترس والقضاء عليه مرة وللأبد. وهذا ما فعلته مع صدام حسين وشلته المجرمة التي حكمت العراق بالحديد والنار عقودا من الزمن وتركت وراءها آثارا لاتمحى من دماء الأبرياء تشهد عليها مئات المقابر الجماعية...
اليوم نرى وضعا شبيها في "سوريا الأسد!"... فمنذ لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بوحشية لامثيل لها والإدارة الأمريكية تعمل على "إحتواء النظام الأسدي" من خلال اتباع سياسة الترويض وتقليم الأظافر وتطويق حيز الخسارة التي تنجم عن تصرفات هذا النظام، مع منحه مجالا للتفكير والتراجع ، عساه يغير من سياسته القائمة لا على ازعاج الأمريكان فحسب، بل على الظهور بمظهر القادر على التحدي والطيران خارج السرب في منطقة باتت تدين بأكملها لسياسة "النيوكون" الأمريكي.
كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد يناور ويقامر في ديبلوماسيته مراهنا على وجود المعسكر الاشتراكي واستمرار الحرب الباردة ، لكنه كان في لحظات الجد قادرا على التراجع خطوات عديدة إلى الوراء والتعاون مع الأمريكان إن اقتضت مصلحة نظامه ذلك، فمساهمة جيشه في حرب الكويت مثال ساطع على ذلك التكتيك الذي كان يتبعه. ولم يظهر في يوم من الأيام كالرجل الذي يتحدى الأمريكان مثلما كان يفعل بعض زعماء العرب الآخرين (جمال عبد الناصر، معمر القذافي وصدام حسين)...وبذلك ضمن بقاءه على السلطة متفردا بالحكم لعقود من الزمن دون أن يزحزحه أحد، حتى أنه تمكن بذلك من تصفية أقرب المقربين إليه (شقيقه رفعت الأسد) وأشد المعارضين لنظامه من أطراف المعارضة أيضا (الإخوان المسلمون) الذين كانوا على الدوام ضد الاشتراكية والمعسكر الاشتراكي، إضافة إلى شرائه الشيوعيين والناصريين والقوميين العرب بمناصب ومراكز غير حساسة في النظام، وتدجينه أقطاب الحركة السياسية الكوردية بوعود معسولة وسياسة ثعلبية وثعبانية....
أما نجله الذي خلفه وراثيا على الحكم ، الدكتور بشار الأسد، فيبدو أنه لايتمكن من استيعاب التغييرات الكبيرة التي حدثت في ميزان القوى الدولية وفي الاستراتيجية الأمريكية التي انتقلت إلى مرحلة الهجوم الواسع على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والاعلامية والعسكرية في مختلف أنحاء العالم بهدف ملء المواقع التي أخلاها المعسكر الاشتراكي بأسرع وقت ممكن قبل أن تجتاحها الصين الشيوعية التي تعتبر أكبر منافس للولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية حاليا. ويبدو أن الرئيس الأسد يراهن فقط على تعثر المشروع الأمريكي في العراق.. وهذه نقطة ضعف في السياسة السورية التي تظن بأن أمريكا عاجزة عن تسديد ضربة للنظام حاليا بموازاة ما تقوم به في العراق، وتأمل في أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه النظام الأسدي بعد الانتخابات الرئاسية القادمة في أمريكا.. أي أن لديها المجال للمناورة لسنتين أو ثلاثة... وهذا عين الخطأ.
ويلعب النظام الأسدي لعبة خطيرة بإظهار نفسه كمحارب في الصف الأمريكي ضد المنظمات الإسلامية المتطرفة، وذلك من خلال إنشاء منظمات وهمية ومحاربتها وهميا أو إظهار عصابات إجرامية على أنها تنظيمات سياسية دينية إرهابية وقتل أفرادها بالجملة حتى لايترك أثرا يفضح لعبتها وأكذوبتها... ولكن هذه الحيلة لاتنطلي على أحد، إذ يتساءل المرء كيف يحارب النظام السوري هذه المنظمات الإرهابية ويفسح لها في عين الوقت العبور من أراضيها إلى العراق لقتل الجنود الأمريكان ومواطني العراق المدنيين بالآلاف كل شهر؟
الإدارة الأمريكية تتهم النظام البعثي السوري بإيواء المنظمات الفلسطينية المتطرفة التي يفجر أفرادها أنفسهم في المطاعم والمصايف الاسرائيلية والمصرية والأردنية، ويشكل جسرا للمساعدات الإيرانية لحزب اللبناني الذي يقصف المستوطنات الاسرائيلية ويظهر كدولة شبه مستقلة داخل الدولة اللبنانية، كما يعتبر الأمريكان النظام السوري مسؤولا عن عدة اغتيالات ومحاولات اغتيال حدثت في لبنان أثناء تواجد القوات السورية هناك، إذ أنها تتحمل مسؤولية الأمن وحماية حياة السياسيين اللبنانيين المعارضين للتواجد السوري على الأرض اللبنانية، كما تتهم سوريا بإفساح المجال لعبور الإرهابيين أراضيها صوب العراق وتدريبهم وتنظيمهم داخل سوريا، إضافة إلى إيواء زعماء البعث العراقي المطاردين والمطلوبين ...ويبدي الأمريكان قلقهم للوضع المتردي على كل الأصعدة في سوريا وبخاصة خروقات النظام لحقوق الإنسان وانعدام الديموقراطية، حيث أن هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيء وحملات الإعلام المعادية والمستمرة لأمريكا والأمريكيين تساعد مباشرة في ازدياد حدة الكراهية ونشوء المنظمات المتطرفة والإرهابيين والانتحاريين الذين يعتبرون أمريكا مسؤولة عن كل شيء في العالم، وعليهم محاربتها وقتل مواطنيها وهدم بيوتهم على رؤوسهم... فالنظام السوري يعتبر في هذا المجال خارجا عن الصف العام ولايفعل شيئا يذكر في سبيل تخفيف وطأة العداء لأمريكا بل يساهم في تأجيج تلك الحملة، وكأنه قلعة أمامية لايران التي يحمل نظامها شعار "مرد بر أمريكا – الموت لأمريكا"، سواء أكان هذا الموت بالسلاح النووي أو الجرثومي أو الكيميائي أو بالعمليات الانتحارية أو بالكوارث الطبيعية فهذا لايهم، المهم هو محاربة الأمريكان والدعاء عليهم بمزيد من الفيضانات والزلازل والانهيارات....
والأسئلة الذي تطرح نفسها هنا هي كالتالي:
" - ماذا لو وصل الأمر بالأمريكان إلى نقطة يعتقدون عندها بأن لا خير يرجى من النظام السوري وعليهم خلع أسنانه والتخلص منه على غرار النظام الصدامي البعثي في العراقي؟ فهل السوريون قادرون على إلحاق الهزيمة العسكرية بأمريكا كما كان صدام يهدد ويتوعد ثم اختفى في جحر ضب؟"
"- ألن تتحول سوريا أيضا إلى مجزرة كبيرة إن دخلت منظمات إسلامية متطرفة كالقاعدة مثلا على الخط وعملت على تحويل سوريا إلى أرض معركة ضد أمريكا؟"
" – ماذا لو اعتبرت اسرائيل أمن سوريا من أمنها لأنها دولة مجاورة ولن تسمح بأن تنمو وتتكاثر المنظمات الإرهابية على مقربة من حدودها؟"
هذه الأسئلة وغيرها يجب أن لاتغيب عن بال السياسيين السوريين المترددين في موضوع انهاء الحكم الدكتاتوري البعثي والذين لايزالون يعتبرون سوريا "شبه الراكعة" قلعة للصمود العربي أمام العدوان والاحتلال ...
هذا النظام يسير ببلادنا إلى كارثة محققة نحن في غنى عنها .. فهل علينا الانتظار حتى يتحول الوضع السوري إلى الوضع الذي سبق اسقاط النظام العراقي ثم نقول: " إما أن نكون مع أمريكا أو نكون مع الإرهاب البعثي المتحالف مع القاعدة وغيرها!" لماذا لانعمل جميعا من أجل انقاذ سوريا من حمام دم كبير بأن نزيل هذا النظام البعثي الفاشل والمتناقض في كل ما يفعله ونقيم علاقات دولية متوازنة بحيث ننجي بلادنا من كارثة كبيرة؟... هل لايزال هناك أمل في أن يصلح البعث نفسه ويحقق الديموقراطية والوحدة العربية ويبني سوريا الاشتراكية ويزيل المظالم وينتصر على الامبريالية والصهيونية والرجعية ويأتي بالحرية للشعب السوري؟."
لابد لكل حركة سياسية وحزب سياسي ومنظمة حقوقية وشخصية وطنية أن يجيب بجدية عن هذه الأسئلة قبل أن يجيب عنها النظام الهالك لامحالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تقر قانونا يسمح لسجنائها بالقتال في صفوف قواتها الم


.. دول الاتحاد الأوروبي تتفق على استخدام أرباح أصول روسيا المجم




.. باريس سان جيرمان.. 3 أسباب أدت للفشل الأوروبي منها كيليان مب


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقاشات في إسرائيل بشأن بدائل إدارة مع




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: المهمة لم تكتمل في الشمال والصيف ربم