الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدل وحق تقرير المصير

عماد صلاح الدين

2015 / 3 / 11
حقوق الانسان


العدل وحق تقرير المصير
عماد صلاح الدين
برأيي أن العدالة الإنسانية، وفي سياق السعي إلى تحقيقها، تحتاج إلى حالة دائمة ومستمرة من التبادلية الواعية والمدركة، لجملة الحقوق والواجبات، في إطاريها الخاص والعام؛ في الأسرة الواحدة وتداخلها المفروغ منه مع مؤسسات الدولة، في مجتمع إنساني بحسب ما تفرض طبيعة وحاجة هذا التداخل والتبادل والتفاعل، ما بين الأسرة والمنظومة الحاكمة الرسمية، التي تقوم وتشرف وتدير مؤسسات القطاع العام المختلفة، ومما لا شك فيه أن هذه مسالة يتم تأطيرها وتنظيما من خلال الدساتير الوطنية، أو من خلال الأعراف والتقاليد العريقة والمستقرة، التي رست عليها تلك الدول ومجتمعاتها، حيث لا توجد دساتير مكتوبة. وهذه العلاقة التبادلية التداخلية المشار إليها أعلاه، وفي سياق تنظيمها الدستوري المكتوب منه والعرفي، موجودة على الأقل من الناحية النظرية في معظم دول ومجتمعات العالم .
وهي لهذا، إما موجودة نظريا فقط في مجتمعات الاستبداد والديكتاتوريات النظمية، او هي موجودة في الحالين النظري والعملي التطبيقي، في المجتمعات الديمقراطية المؤسسة على منظومة اجتماعية مدينية حقيقية، تعبر فيها السلطات عن مجموع الناس القاطنين فيها.
كما انه يتم الحديث دائما، في إطار العلاقات بين الدول عن منظومة العدالة، وتبادل المصالح في إطارها بمرجعية القوانين والمواثيق الدولية، ضمن هياكلها الرسمية في الأمم المتحدة لعام 1945.
عمليا ، وفي واقعنا المعاصر، فان مسالة العدالة الإنسانية في المجتمعات عموما، وخصوصا المجتمعات الديمقراطية، وفي المقدم منها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي(الدول الأوروبية الغربية)، صحيح أن هناك فيها قدر كبير من انتظام العلاقات التبادلية والتداخلية في الإطارين العام والخاص، لأجل تحقيق العدالة ضمن منظومة الحقوق والواجبات التبادلية أيضا، وبالتحديد على المستوى الداخلي لمجتمعاتهم، إلا أن هذه العدالة الإنسانية الداخلية هي نسبية جدا، ويجب أن تخدم في النهاية مصالح اللوبيات المالية والاقتصادية والعسكرية المجمعية والنخبوية بشكل عام، كما هو حاصل في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث منظومة الديمقراطية ومسار عملها يجب أن يكون متناغما ومنسجما مع أهداف ومصالح كارتيلات وتجمعات المال والاقتصاد والسلاح الضخمة فيها.
أما حين يتم الحديث عن المجتمعات الاستبدادية تحديدا في دول العالم الثالث، وفي المقدم منها الدول العربية الإسلامية، فهي دول وأنظمة ومجتمع تم فيها التعاقد على الدساتيرالوطنية الشكلية، التي لا تستند إلى رأي و تفاهم واتفاق المجموع عليها، من خلال الأدوات الديمقراطية في الانتخاب والاستفتاء وغيرها.
فهذه مجتمعات تنعدم أو شبه تنعدم فيها مسالة العدالة الإنسانية. ولقد تعمدت أعلاه أن اكتب المجتمعات الاستبدادية؛ لان حالة الاستبداد وشبه انتفاء العدالة الإنسانية وتطبيقاتها العملية، هي أيضا حالة منتشرة وموجودة بين أفراد وجماعات وأحزاب ومؤسسات الدولة عموما. إنها حالة مرضية خطيرة، تنهدم بسببها المجتمعات جميعها، وهي لا تفرق بين رأس الدولة وآخر فرد فيها .
وحالة الاستبدادية هذه؛ تكون في سياق العلاقة بين دول العالم في الحالة المعاصرة على مستويين:
الأول : حالة الاستبداد واللاعددالة بين الدول القوية والضعيفة
الثاني: حالة الاستبداد واللاعدالة بين الدول الضعيفة نفسها، مع تباين درجة الضعف من دولة إلى أخرى.
أي أننا في العدالة الدولية المعاصرة، حالة في الواقع من اللاعدالة، وظاهرة من الاستبداد المتفشي في إطار عموم العلاقات الدولية الخارجية، حتى في تلك الدول التي تمارس شكلا معينا من الديمقراطية، على المستوى الوطني الداخلي لدواعي البقاء والاستمرار.
إذا، من الاستعراض السابق لواقع الديمقراطية، وتحقيق العدالة، سواء على مستوى الشعوب، أو بين الدول المختلفة في سياق العلاقة البينية بينها، نجد أن هناك حالة خلل فادح وعظيم حتى في تلك الدول التي تعتبر رائدة، في مجالي التنظير والتطبيق العملي للديمقراطية، سعيا وراء تحقيق مفهوم العدالة الإنسانية وتطبيقاتها وتجلياتها، في غير مجال من مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبرأيي، أن هذا الخلل المشار إليه أعلاه، سببه يكمن في حقيقة المنظومات والمرجعيات الفكرية والثقافية والأخلاقية، المكونة للإنسان الحضاري، في الواقع المعاصر، البارز منها أثرها والباهت منها كذلك على صعيد قوة الحضور في المشهد الدولي والإنساني عامة.
وبالرجوع إلى الوراء قليلا؛ أي إلى ما وراء هذه المرجعيات من منظومة قيم طالقة ومؤسسة لها، نجد أن الحضارة الغربية بعمومها، بما فيها المنتصرة والمهزومة بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945، وكذلك شقيقتها الأمريكية المسيطرة أحاديا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الخصم المنافس عام 1989، (والأخير بالمناسبة من نفس النسق الفكري والحضاري، وان كان على جهة الدفة الأخرى الممثلة في حينه للمنظومة اليسارية والاشتراكية العالمية ديباجيا وشكليا) نجدها- من جديد- خرجت من نسف فكري واحد، يمثل ثقافة غربية جامعة، تقوم على الأحادية المادية، وان الأشياء هي مرجعية نفسها، بما فيها الإنسان نفسه. كل ذلك، بعد أن تم الانتقال وبالتدرج من الهيومانية الإنسانية إلى حالة المادية الواحدة. بعد أن تم إعلان وفاة الإله عبر الفلاسفة الغربيين والمفكرين المؤسسين أمثال هيغل وماركس ولينين ونيتشه وهوبز وغيرهم كثيرين..
وقد تعززت هذه المرجعية المادية الواحدية، المنكرة لوجود عالم أخروي أو الماورائيات (فكرة التجاوز)، بعد انطلاق الليبرالية الكولونيالية المتوحشة، وبدء تجلي ملامحها وأشكالها في أواخر ستينيات القرن الماضي، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وصلنا إلى عصر الحداثة وما بعد الحداثة المتوج بمنظومة العولمة الاستهلاكية، التي يعيش الإنسان عذاباتها المختلفة في ظلالها وسعر جحيمها، والتي أصبح فيها كل شيء والإنسان قابلا للتغيير والتبديل والترحيل والنقل إلى العالم الآخر (فكرة الترانسفير)، بين لحظة وأخرى، وبكل أريحية انعدام الضمير حتى على مستواه الطبيعي الفطري، أو دون أن يكون هناك ضابط أخلاقي وثوابت، سواء بمرجعية مثل الدين أو المشتركات الإنسانية التي قضى عليها هذا النسق الحضاري الغربي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المنظومات الفكرية والتطبيقية التنفيذية النازية والفاشية، لا تخرج عن النسق الحضاري الغربي نفسه، وان كانت ظروف هذه المنظومات قد أدت إلى التجلي الأبرز والأوسع من ناحية غياب المرجعية الحقيقية، وبالتالي تفاقم الإجرام الإنساني على أعلى مستوياته. لكن على أي حال، يجب ألا ننسى أن دول أوروبا المنتصرة (الدول الحلفاء)والولايات المتحدة الأمريكية، هم الآخرون كانت على أيديهم تجليات قصوى في ممارسة فكر الأحادية المادية الإلحادية، حينما تم إلقاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي على اليابان في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. وما تشهده القضية الفلسطينية من ظلم أخلاقي وقانوني وإنساني سياسي عام منذ أكثر من ستة عقود، وأولئك الضحايا بالآلاف، والمقدرات والثروات المنهوبة قديما وحديثا، وفي الحالة الحديثة في دول المشرق العربي والمغرب وفي أمريكا اللاتينية والجنوبية، أو في بعض مناطق شرق أسيا أو في إفريقيا، إنما كل ذلك كان تجليا وحالة ممارسيه فعلية للسياسات الغربية الاستعمارية، التي أرادت مراكمة مال رأسمالها الاستعماري على حساب حياة وثروات وإمكانيات شعوب وأمم تلك المناطق والبلدان المادية والبشرية، ونهاية على حساب ثقافات وحضارات الشعوب والأمم المذكورة، من خلال فرض نمط حياة اقتصادي واستهلاكي لا يراعي أي خصوصية أو إنسانية، ويعتبر ما هو موجود بما فيه الإنسان حالة من الجسمانية المادية وسوق للاستهلاك، بحسب قوانين العرض والطلب، لا اقل من ذلك ولا أكثر.
إن هذه المرجعية المادية الأحادية المحللة والمحرمة، بحسب المنفعة المادية واللذة فقط، تبين أنها لا تقيم أدنى اعتبار للمشتركات الإنسانية، ضمن منظومة النسق الواحد هذه، كما هو شان التفرد الأمريكي (الأحادية القطبية) حتى في تعاملها مع حلفائها الغربيين في أكثر من حالة وموقف، كما هي مسالة الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 وأفغانستان العام 2001 .
إن العالم اليوم، بحاجة إلى النضال لأجل محاولة الشروع بالارتكاز على منظومة قيمية أخلاقية مصدرها ما جاءت به كل المرجعيات الدينية السماوية، من قيم وأخلاق ثابتة، وضمن المساحة الواسعة والكبرى للمشترك الإنساني، في محاولة لرد الاعتبار المفاهيمي والعملي لمبدأ العدالة الإنسانية وتطبيقاتها وتجلياتها العملية، في شعوب الأرض الأخرى وأممها.
إن العدالة التي تنشد، هي أن تتاح للشعوب والمجتمعات الإنسانية، وبغض النظر عن شرائعها وأعراقها وعناصرها، وتوزيعاتها السكانية والجغرافية فرصة التهيئة والهيكلة البنائية الاجتماعية الصحية التربوية والثقافية المعرفية والعلمية، وفي الاقتصاد المنتج ضمن منظومة قانونية سيادية متفق عليها وكاملة، تتحقق من خلالها العدالة الإنسانية النسبية، بحيث تكون الفرصة - بشكل عام- مهيأة لتحقيق الاستقلال الذاتي، والقدرة على تقرير المصير الطبيعي والاجتماعي والاقتصادي، ومن ثم الشكل السياسي ضمن منظومة متكاملة، في إطار من الرسمية السياسية والسيادية المتعارف عليها؛ كدول واتحادات، وغيرها من الأشكال الدولاتية .
انه تقرير المصير لكل فرد، وبالتبادلية والتداخلية التفاعلية، مع المجموع المكون لأي مجتمع أو وطن أو امة، في إطارات ودوائر من الخصوصية الثقافية، التي تفرضا حالة التنوع والاختلاف الإنساني الأصيل والمجرب .
إن مسالة تقرير المصير، لا تعني في حال من الأحوال تميز أو تمييز، أو امتياز فرد على فرد، أو مجموعة على مجموعة أخرى، أو مجتمع على آخر، أو دولة على جارتها القريبة أو البعيدة، وكذلك الأمر بالنسبة للأعراق والجماعات الدينية والمذهبية في العالم كله.
بل إنها – دائما- إتاحة الفرصة للجميع، بعد إعطائهم المقومات المادية والثقافية، وما يلزم من مقدرات، وما ينبغي أيضا عليهم من مجهودات وتضحيات، لكي نصل في النهاية إلى نتيجة النسبة والتناسب، والى المعقولية في أوضاع الناس ومعاشهم بشكل عام، وبالخصوص فيما يتعلق بعالم كل إنسان بمفرده؛ ولد ومن حقه أن يكون حرا وقادرا على تقرير مصيره العادل.
وفي النهاية، وبعد ذلك، يبقى النظر في التقييم النظري والعملي قائما بخصوص من يتوكل ممن يتواكل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة اللاجئين في مصر: مطالب بدعم دولي يتناسب مع أعباء اللاجئ


.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع




.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم




.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من