الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصام

حسين التميمي

2005 / 9 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


قبل عدة اشهر شاهدت لافتة كتب عليها (الشهيد فلان ابن فلان قتل اثر اعتداء آثم) ولأنني كنت اعرف الشهيد وهو ضابط في الشرطة، ذهبت الى مجلس العزاء، وهناك التقيت والد الشهيد وواسيته مواساة حارة، بعد ان علمت بقصة اختطاف هذا الضابط على ايدي مجموعة من الإرهابيين وقيامهم بقطع رأسه من دون شفقة او رحمة، وكان الرجل يبكي ويشتم القتلة، لكن الغريب في الامر انني حين التقت عيناي بعيني والد الشهيد شعرت بانقباض شديد وبقلق .. غالباً ما ينتابني حين انظر الى وجه رجل لا يتصف بالطيبة ! وفي طريق عودتي الى البيت حاولت ان اتذكر ان كنت قد رأيت هذا الرجل من قبل، واين، لكن الذاكرة لم تسعفني. بعدها، وبما يقرب الشهرين، رأيت لافتة اخرى كتب عليها اسم آخر لكنه يعود لذات الاب الذي رأيته في مجلس العزاء وقد حملت ايضاً عبارة (الشهيد البطل) فعجبت من الامر وقلت في نفسي ربما هذا الشهيد قد تطوع في جهاز الشرطة او الحرس الوطني بعد مقتل أخيه ليثأر من القتلة، لذا ذهبت الى مجلس العزاء وانا في غاية التأثر والندم على ما انتابني من شك في شخص والد الشهيدين، وقد شاهدت الوالد يبكي ويشتم القتلة بذات الطريقة التي شاهدته فيها في مجلس العزاء المنصرم، لكن الغريب في الامر إنني سمعت وانا جالس في مجلس العزاء حديثاً كان يدور بين رجلين يجلسان بجواري، ومنهما فهمت بان (الشهيد) لم يكن رجل شرطة او حرساً وطنياً، انما كان ارهابياً يعمل ضمن مجموعة تقوم بقتل رجال الشرطة والحرس الوطني، وقد قتل على يد رجال الشرطة في أثناء قيامه بعملية ارهابية، فشعرت هذه المرة بإحباط شديد. وخرجت من مجلس العزاء من دون قراءة سورة الفاتحة ومن دون مواساة والد الإرهابي، لكن (وهذا قد يبدو مفتعلاً بالنسبة للقارئ) شعرت بصفاء داخلي وانا ابتعد عن مجلس العزاء، واتقدت ذاكرتي فعدت شيئاً فشيئاً الى الوراء مستذكراً القلق والنفور اللذين شعرت بهما- يوم ذهبت كي اعزي بوفاة ضابط الشرطة- تجاه والده، وكيف اني كنت احاول ان أتذكر فيما اذا كنت قد التقيت هذا الوالد من قبل فاذا بالمشهد ينقدح امامي، فقلت في نفسي: نعم انه هو!! ولكي لا يكون القارئ بعيداً عن المشهد سأفصل له الامر، فبعد سقوط النظام بأشهر قليلة بدأت الاعمال الارهابية وكان هناك انقسامات في الشارع العراقي فمنهم من يؤيد ومنهم من يرفض ومنهم من يكتفي بالصمت، لكن الغالبية العظمى كانت تستنكر قتل الأبرياء بحجة الجهاد ومقاومة المحتل، ويومها اذكر اني قد تورطت في نقاش عقيم مع رجل متشدد كان يدعو للجهاد بكل السبل والوسائل فقلت له: قد اتفق معك في ضرورة مقاومة المحتل لكن ما رأيك فيمن يفجرون العبوات الناسفة والسيارات المفخخة فيقتلون من الشعب العراقي اضعافاً مضاعفة قياساً الى ما يقتل من جنود الاحتلال؟. فقال: لا بد من وجود خسائر في المعركة وهؤلاء (الذين تقول أنهم ابرياء) هم من ضمن الخسائر ، فقلت له وهل ترضى مثلاً ان يكون ابنك من ضمن هؤلاء الضحايا؟ فقال: لا يهم حتى لو كنت انا. الى هنا انتهى حديث الرجل لكن حديثي لم ينته، لانني اود ان اخبر القارئ بان الرجل الذي كنت أتحدث اليه هو ذات الرجل- والد الشرطي ووالد الارهابي. ومثل هذه القصة هناك الكثير من القصص وكلها تؤيد وجود ازدواجية في الموقف والرأي و...الوعي!! وهؤلاء جميعاً هم نتاج ثقافة صدامية مشوهة، علمتنا ان نعلن غير ما نضمر، وان نصفق في العلن للقائد الضرورة ونشتمه سراً في غرف نومنا، لذا نحن بحاجة الى زمن طويل كي يفهم (ذلك الوالد) ان ابنه الثاني قد قتل ابنه الاول (ضابط الشرطة) وان القاتل الحقيقي هو الوالد قبل الابن الثاني، ولو شئنا ان نتعمق اكثر لقلنا ان الثقافة المشوهة التي تلقاها (الوالد) طوال ثلاثة عقود صدامية مريضة هي المحرض الحقيقي على الجريمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #بايدن يدافع عن #إسرائيل.. ما يحدث في #غزة ليس إبادة جماعية


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقي




.. هل هناك أي نوع من أنواع الامتحان أمام الجمهورية الإيرانية بع


.. البيت الأبيض.. اتفاق ثنائي -شبه نهائي- بين أميركا والسعودية




.. شوارع تبريز تغص بمشيعي الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه