الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغرب من ألخيال ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 3 / 12
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


أغرب من ألخيال ..
قررتْ فتاة مراهقة (هيك فجأة ودون سابق إنذار ) أن تعمل في الدعارة .. وبما أنها فتاة مهذبة وخلوقة فقد قامت بإعلام والدتها عن خطتها .. الأم المُثقفة والمُختصة بالتربية والاستشارة ألنفسية ، لم تغضب أو تثُر على ابنتها ، بل اشترطت عليها أن تؤدي بعض الأعمال قبل إنضمامها للعمل مع بنات الليل .
وكان ان طلبت الأمُ من بنتها أن تأتي إلى باب قصر الملك صبيحة الغد ، وتتظاهر بأنها تقع مغميا عليها .. وتستمر القصة لتُخبرنا بأن الملك اندفع نحوها محاولا إنقاذها ، لكنها تُعيد الكرة في اليوم التالي (بناء على طلب الأم ) ، فيندفع نحوها واحد من الحاشية وفي المرة الثالثة يتجاهلها الجميع ، أما في المرة التالية فيهجم عليها عامة الناس ، يقرّعونها بل ويضربونها لأنها تتظاهر بالإغماء .
وبعد أن تعرضت فتاتنا للضرب والتقريع ، تندفع باكية إلى حضن أُمها المستشارة التربوية والنفسية ، والتي إحتضنتها وكفكفت دموعها ، وبعد أن قبّلت جبينها ، خاطبتها قائلة : هذا ما ينتظرك يا إبنتي في المهنة التي أخترتها لنفسك .. في البداية يأتيك الكبراء والأغنياء ، ثم يتخلون عنك ، لمن يليهم .....إلى أن يأنف منك حتى الفقراء والبسطاء من الناس ، فلا يرغبون "بمعاشرتك " ..
أجهشت الصغيرة بالبُكاء وانكبت على يدي والدتها تقبلها ، وتعتذر للأم عن تفكيرها في إمتهان مهنة الدعارة ، وشكرت أمها على نصائحها الثمينة !!
هذا مُلخّص لمقالة نشرتها واحدة من كُبريات الصحف الإلكترونية العربية ، وكانت مُصنّفة من المقالات الأكثر قراءة ، وقد علّق عليها كثير من القُراء الذين أشادوا بالأُم ووعيها .. وأتوقع أن تنتشر القصة على مواقع التواصل ، فتكثر التكبيرات ..
يا للرومانسية .. ويا للرسالة التربوية التي تحملها هذه القصة للقراء ..!!
لكن ما العمل مع أمثالي من القُراء الذين يسخرون من هذه السذاجة والتسطيح ؟؟
فأول ما بدر لذهني مشهد الفتيات والصبايا العراقيات والسوريات ( وغيرهن الكثير ) المُهجّرات قسرا من أوطانهن وبيوتهن ، واللاتي لا يملكن هُنّ ، ولا أهاليهن شروى نقير .. ولا يجدون ما يضعونه على مائدة طعامهم . ولا بيت يأويهم أو سقف يحتمون تحته من الحر والقرّ .. وقد يقعْنَ ضحايا لإعتداءات جنسية أو تضطرّهن الظروف للقبول بالزواج من عجوز ثري ..!!
وقد تضطر ظروف القهر والمذلّة التي يفرضُها ذوو القربى على بعضهن ، إلى بيع جسدها مُقابل بضعة دنانير أو ليرات ، لسدّ رمق أفراد أُسرة كبيرة ، يُعانون من الجوع ويرتجفون من البرد ..
هذا هو حال كل فتاة وصبي يعمل في المهنة الأقدم تاريخيا .. فبيع الجسد ومنذ فجر البشرية ، يكون إضطرارا وليس رغبة ..!! إلا في حالات إرتبطت بطقوس دينية ، ليس هذا مجال الخوض فيها .
فهذا التساذج الذي نسج حوله مؤلف القصة ، قصته عن الفتاة التي تُقرر العمل في الدعارة ، هو نتاج لوثة ثقافية عروبية إسلاموية !!
ولعله أراد أن "يُحارب " انفتاحا في العلاقات بين الجنسين ، فوصف العلاقة العاطفية بين صبي وفتاة خارج رباط الزوجية بالدعارة .. لأنه من المعقول ويستطيع أن يفهمه حتى الذي يُعاني من إعاقة عقلية ،أن تُخبر البنتُ أُمها عن علاقة عاطفية تربطها بزميل في العمل أو صديق على مقاعد الدراسة .
لكن أن تأتي صبية لتُخبر أمها بأنه تريد أن تعمل في الدعارة (حسب كلمات القصة ) ، فهذا لم ، لا ولم يحدث في أي مكان ، ولا في أية ثقافة إنسانية ..
وللتنويه فقد إستعملتُ مُضطرا تسميات غير مقبولة عليّ فكريا ، ككلمة الدعارة ، فهي لا تُصور حالة من يعمل في سوق بيع الخدمات الجنسية (ذكورا وإناثاً ) ، بل تنطبقُ على من يشتري الخدمات الجنسية ، فهو الداعر الحقيقي ..!!
ويتقطع قلبي حزنا وأُحس ضيقا في النفس ، لرؤية من يضطرهُن ظلم ذوي القربى لبيع أجسادهن ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المرأة
ماجدة منصور ( 2015 / 3 / 13 - 08:50 )
إن أول ضحايا الحروب.أستاذي..هي المرأة أولا0
إن الدعارة هي تعبير صارخ عن اضطراب المجتمع و هاقد وصلنا الى زمن داعر أصبحت تهان به المرأة و تدفع ثمنا باهظا ،لم تختاره، لعهر مجتمعها و بشاعة قادته0
احترامي


2 - أهلا بهالطلة
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 3 / 13 - 13:47 )
العزيزة ماجدة المحترمة
تحياتي الحارة
تاريخيا ، بيع الخدمات الجنسية ، هي المهنة الأقدم ... فالرجال حولوا النساء الى -تاجرات جنس -
لكن ما يحدث حاليا من هروب الملايين من النساء والأطفال من منازلهم واوطانهم ، -يخلق- أعدادا كبيرة محتملة من -بائعات الجسد - .وكل ذلك بفضل عُهر المجتمع
وعهر الثقافة السائدة
تقبلي خالص مودتي واحترامي


3 - الزميل محمد علي من الفيسبوك
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 3 / 13 - 13:48 )
تحياتي وشكرا جزيلا


4 - الزميل انيس عموري من الفيسبوك
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 3 / 13 - 13:50 )
تحياتي الحارة
وتُسعدني تعليقاتك الذكية عندي وعند غيري من الزملاء .
فتعليقاتك تُبرز ثقافتك الواسعة
مودتي الخالصة

اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟