الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرقات النبيلة

سعد محمد موسى

2015 / 3 / 12
الادب والفن


السرقات النبيلة
سعد محمد موسى
في احدى زياراتي للمتحف الوطني في ولاية فكتوريا تفاجأت بوجود رأس جدنا الاقدم كوديا الملك السومري العادل..فتوقفت باجلال أمام هيبته وامام أسفاره وغربته وحسرته على مصاب العراق اليوم ايضاً .. وكأنه أسد جريح واسير يتنقل قفصه وسط حدائق الحيوانات في هذا العالم ، وتتاجر به المتاحف كعروض للايجار مثل مهرج سيرك يتجمع حوله الفضوليين والزائريين.
مر الجميع دون أن يعرف احدا من هو كوديا وبقيت التقط صور فوتغرافية للرأس من وراء زجاج المتحف نظرت في ملامحه وكأنه يعرفني .. فبكيت فيه ضياع العراق وبكى فيّ حفيده الزائر.
وأثارني شيء آخر وأنا كنت أتأمل برأس كوديا فرأيت ان ماكان يتوارثه العراقيين من اسلافهم في أزيائهم كان يحمل صفة التشابه.
مثل لفة الغترة واليشماغ العراقي (الچراوية ) .. حول الرأس .. فهي مما لاشك فيه كانت امتداد وتوارث من كوديا الذي كان يلفها حول رأسه.
ثم غادرت المتحف بخطى متثاقلة تلتحفها الاحزان نحو ضفاف نهر (يارا) القريب من المتحف، فشاهدت الوز العراقي وهو يعوم في النهر حينما هاجر قبلي الى تلك الجزيرة النائية .. تاركاً خلفه مملكة الاهوار الغافية بين قصب البردي وحيرة المشاحيف.
فشعرت بانيّ لست اللاجيء الوحيد النازح قسراً من بلاد وادي الرافدين هنا فكان في مواساتي كوديا والآوز العراقي أيضاً.

وشعرت بالاسى والخيبة في هذا الزمن المجحف الذي تقترف فيه ابادة وتدمير لحضارة وادي الرافدين لاسيما للارث الاشوري في نينوى اليوم وسط صمت العالم وتشفي الكثير من الحاقدين على العراق وعلى حضارته.
انها فجيعة بلاد الرافدين والتي تنبأت بها ورسمت تلك النبؤة التشاؤمية
مابين عام 1991-1995 حين كنت مطارداً ومبعداً في منفى وسط رمال الربع الخالي، رسمت حينها في مخيم اللاجئيين الكثير من اللوحات ولكن كان من بينها لوحات مواضيعها كانت حول تدمير حضارة مابين النهرين لاسيما ان هنالك كان هاجس يراودني وخوف من مجيء يوم اسود تداهم فيه اقوام همجية تدفعها عقيدتها الارهابية والدموية المستمدة من الموروث الديني وهي تزحف نحو بلاد الرافدين وتحطم ارثه الـتأريخي ومنحوتاته وتطمس هويته العراقية وتراثه الشعبي أيضاً؟؟؟
وللاسف هذا ماحصل اليوم وباتت مخاوف الامس واقع مأساوي وحقيقة مرة.
حتى بدأت أؤمن بالسرقات النبيلة التي قام بها الغرب حين أخذ معه قسماً من آثارنا سواء اثناء احتلاله للعراق ، او بعد تنقيبه واكتشافه للكنوز الاثرية تحت الارض.
لقد كانت لنا بوابة عشتار المقدسة والتي تزين اسوار بابل العظيمة حين كانت تعد من عجائب الدنيا السبع.
وأيضاً كانت لنا مسلة ، وكنا اول من دون شرائع القانون وتنظيم الحياة الاجتماعية عليها .
ربما تلك السرقات التي قام بها الفرنسيون وقبلهم الانكليز والالمان.. هي سرقات نبيلة يستحقون عليها الشكر والامتنان في هذا الزمن الاحمق لاسيما انهم أنقذوا جزء عظيماً من أرث حضارات وادي الرافدين من غضبنا وصراعاتنا التي لاتنتهي ، فآثر الغرب ان يعرض تأريخنا في أعظم متاحف العالم، مثل المتحف البريطاني في لندن ومتحف اللوفر في باريس ومتحف البرغامون في برلين. لتصبح إرثا للإنسانية وقبلة يؤمها القاصي والداني من اصقاع الدنيا وفي غيرها من المتاحف الكثيرة. فلولا الغرب الذي نقب واكتشف ثم حمل تلك الاثار الانسانية العظيمة والخالدة الى متاحفه .. فلربما خسر العالم تلك التحف العظيمة في بلاد مابين الدمارين او ربما هربها او باعها أو حطمها الاوغاد.. مثلما يحصل اليوم في مدينة الموصل من تدمير كامل للحضارة الاشورية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-