الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات أمام الثورة السورية في ذكراها الرابعة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



عاماً رابعاً ينقضي على انتفاضة السوريين ضد الاستبداد وسلطة التسلط والقمع، في انطلاقة تاريخية جسدتها الثورة السورية، تحت هدف رئيس وعنوان جامع هو الحرية والكرامة، في بلد رزح تحت طغمة أمنية - عسكرية حاكمة باسم باسم البعث منذ آذار مارس 1963، صادرت الحريات الأساسية للمجتمع السوري، ووضعت حداً لمخاضات الدولة المدنية، التي كانت تتشكل حتى قيام الوحدة السورية – المصرية، التي كانت سبّاقة – بدورها - في وأد الحياة السياسية السورية، وصولاً الى استراتيجية ممنهجة لعسكرة المجتمع والدولة بتنظيمات شعبية غير حكومية، غير مستقلة، تدين بالولاء للمؤسسات الأمنية - البعثية، التي تفردت بحكم سورية لما يزيد عن أربعين عاماً، ولاتزال حتى اليوم. عبر ماعرف بقانون الطوارئ، وملاحقة المثقفين والسياسيين، خاصة ذوي الانتماءات اليسارية المدنية، باستخدام كل وسائل التصفية، والتغييب القسري، بمختلف أشكالها.
ماحدث في سوريا، لم يكن مفاجئاً، الربيع العربي، ساهم في كسر جدار الخوف والقمع، فظهر الغليان الشعبي الى السطح. ارهاصات التمرد على الطغاة، كانت تتواتر، وتتراكم، بفعل حركة التغيير والمطالبات بالحريات والحقوق، التي لم تنقطع، ولم يستطع النظام إخماد جذوتها، المتجذرة في عمق المجتمع السوري، والتي واجهها بعنف ممنهج متصاعد، خاصة مع انقلاب 1970، الذي اتسم بتصفية الخصوم السياسيين من مختلف التيارات، وطُبِعَ بممارسة أشدّ أساليب القمع والإضطهاد، الى درجة الابتكار. وصلت ذروتها طوال عقد الثمانينيات من القرن الماضي: سنوات المعتقلات والمذابح، والخراب.
واجه نظام الأسد الثورة ببطش دموي، وفظائع متواصلة، موصوفة كجرائم حرب، وفق القانون الدولي الإنساني، وأجبر السوريين على حمل السلاح، للدفاع عن أنفسهم وحماية أعراضهم و ممتلكاتهم والدفاع أيضاً عن حقهم المشروع بالمطالبة بالحريات والحقوق، في زوال الإستبداد وتحقيق التغيير. كانت سياسات النظام، أكثر مما يمكن تصوره، مع ادراك مبلغ الاحتراف في القتل والتدمير. لكن المجتمع الدولي الذي يمتلك القدرة، عبر أدواتٍ سياسية بالدرجة الأولى، لم يكن ينظر الى ما يحدث سوى أنه تمردٌ لقطاعات وطنية سورية – مسلحة إسلامية تالياً – ضد السلطة الحالكمة في دمشق، ترتب على هذه القناعة، إيهام السوريين بتقديم الدعم للثورة وقوى حراكها الوطني، لكن التغاضي عن جرائم الأسد كانت هي الحقيقة التي استطاع الطاغية الإفادة منها الى اقصى درجة، وصلت اليوم الى المجاهرة بإمكانية أعادة تأهيل النظام، للانخراط في تسوية سياسية، لا يرى الغرب بديلاً عنها، طالما انه لا يريد لأي طرف، أن يحقق تقدماً يفرض الذهاب إلى التفاوض.
عززت السنوات الأربع من عمر المواجهة بين قوى الثورة ونظام الأسد، جملة معطيات أساسية، تتأصل كسماتٍ وظواهر للصراعات، وتتعمق كحقائق في مسار الحالة السورية بمختلف مسمياتها " ثورة،انتفاضة،أزمة، تمرد.. ":
أولاً – انقسام وتشرذم قوى وتيارات المعارضة السورية، التي لم تستطع مؤسسات المعارضة، التي انشئت، وفقاً لرؤى تخدم مصالح مؤقتة لأطراف داعمة، لم تستطع التخفيف من حدّتها، أوأن تفضي إلى حوار بنّاء فيما بينها. أدت التناحرات والانقسامات، وعمليات الإقصاء والتهميش، والفساد المالي والإداري، وتسلط تيارات على أخرى، واستئثارها بالقرار، في مختلف مؤسسات المعارضة، الى فشلها، وانعكاس ذلك سلبياً على الثورة السورية، تتحمل مسؤولياته القوى المكونة للائتلاف، والمجلس الوطني، بالطبع.
ثانياً – التأثير المباشر للقوى الاقليمية في الثورة السورية، وتصاعد حدّة المواجهة في دائرة التجاذبات الدولية، بما يشكل تدخلاً بيّناً وواضحاً في صناعة الأحداث على الأرض، وفي مجرياتها، ما افقدها استقلالية القرار الوطني، خاصة في الدول المضيفة للمعارضة السورية، وهو في محصلة أربعة أعوام تأثير سلبي، أفقد الثورة الكثير من خصائصها، في لعبة المصالح والتوازنات الإقليمية.
ثالثاً – ظهور التنظيمات الارهابية، التي استولت على مناطق الثورة، وحاربت قواها ومنعت العمل المدني، ولاحقت نشطاءه، أسوة بما يرتكبه نظام الأسد. الأمر الذي أدى – إضافة لشلل المعارضة – الى انحسار الدعم الدولي لقوى الثورة، مع استمرار دعم نظام الأسد، بصورة لا محدودة من قبل إيران وروسيا، ودول اخرى غير منظورة. وأضحت محاربة الإرهاب، أولوية على إنهاء أسباب نشوئه وانتشاره في المنطقة. وفي الوقع، إسقاط نظام الأسد، لم تكن سوى دعوة ..وحلماً سورياً ..فقط !
رابعاً – التدخل الخارجي في سوريا من أوسع أبوابه، ويتمثل اليوم باحتلال إيراني عسكري مباشر، في مناطق مختلفة من سورية، وسيطرة طهران على المؤسسات الأمنية والعسكرية، عبر الإشراف على إدارتها ووضع مخططات عملها وتنفيذها.
خامساً – خسر السوريون استقرارهم، وأمنهم، وقضى مايزيد على مئتي ألف شهيد، وأكثر من ربع مليون معتقل، و11 مليون نازح ومهجر ولاجئ، 4 مليون منهم في دول الجوار السوري: تركيا – لبنان والأردن، في ظل ظروف قاسية وصعبة، إضافة الى الدمار الهائل الذي خلفته جرائم الأسد التي استخدمت فيها الأسلحة الكيمياوية والتقليدية بمختلف صنوف البشاعة.
بعد كل تلك المرارت والعذابات والاخفاقات، تبدو المسألة السورية، في عنق الزجاجة مع فشل المبعوثين الدوليين، وانسداد أفق العمل السياسي والديبلوماسي، وفشل مؤسسات المعارضة عن استثمار الموارد التي أتيحت لها، والإمكانيات التي وضعت بين يديها، وأعني بذلك فرص العمل الحقيقي والجاد، عبر استراتيجة عمل وطني غائبة، تسببت الانقسامات في عدم التوصل الى تفاهمات حول خطة طريق، تمكن المعارضة السورية، أن تكون لاعباً أساسياً، في قضيتها الوطنية.
فشل الائتلاف الوطني، كما مؤسساته العسكرية والتنفيذية: الأركان والحكومة المؤقتة، يؤكد الحاجة اليوم الى تجاوزه، وإطلاق مؤسسة وطنية تضم جميع الأطراف السياسية وقوى الحراك المدني والثوري في سورية، دون تهميش او استبعاد او إقصاء، وأن تكون معايير الشفافية والمراقبة والمحاسبة، جزءاً من المبادئ السياسية العامة المعبرة عن قيم واهداف الثورة السوية، بما في ذلك التفاوض والتسوية. والتي يجب أن ترتكز الى العمل الجماعي، واستقلالية القرار – ما أمكن – ووضع خطة طريق، تقود الى اقامة الدولة المدنية الحرة والجديدة. مباحثات القاهرة، والحراك الإقليمي اليوم، قد يقود الى ولادة جديدة، تضخ الحياة في جسد المعارضة المعتلّ..ثمّة أمل.
________________________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-