الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل بإستيطيقا غامظة

رضا لاغة

2015 / 3 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


الموت عندهم كلعبة الشطرنج . طراز مبارك بالمقدس ، تنفيذه مربك ، يجعلك تصوّب سهام حائرة . تتفرّس في الضّحية و صاعقة القتل الجهنمية تسحق محيّاها. تراها مبلّلة بنبل مسحور . صورتهم مباغتة يتملّص منها أسلوب مراوغ لا يحفّز الرهينة على العويل.
ساحة معركتهم محرجة ، حديدية ، فولاذية ثلاثية التصويب : عاطفة ، قوة و اختباء. ظلال تدميرية يقذف منها هوس توثيقي لمهانة القتل الطّليق في أتون البربرية و التوحش.
لذلك كان لزاما علينا أن نحلل الشخصية المضمرة لصانع الصورة ، و نفهم نص الرسالة بمقدمة تبحث في أوعيتها و تشوّهاتها.
إلهام التصوير محمّل بجرعة مبتكرة في الغلظة و الفظاظة . سيّاف غامض يبارز ضحية تحدّق بصرامة لشرفها المغدور و لخبل لحظتها المحمومة و لنحس شعاع الشمس الذي قضم بغيمة عابرة. الصورة كحفلة عشاء ممقوت محشورة بانفعالات صادحة لضحية مطوّقة في أرض ميتة. صدمة الشواء تمّت ببصمة تلاعبية: ثياب أرجوانية كتلك التي رأيناها في غواتنامو ، كحقل ألغام. نفق يتسرّب من الصورة يختطف كل ما هو مؤذ ، رهينة موثّقة بهندسة انتقائية يعجّ من كعبها جحيم ، أعراضه انقطاعية ؛ تدخل في مناخ الوسواس و التوطئة و النفخ المتهامس لتحطيم المنام المتقاطر لمن فتحت ثغورهم بالنعاس.
شاخصة هي نظرات الرهينة في أضواء أرض ميتة. رغبوية ،عصابية تنسكب من القاتل تدفع الناظر للتطفّل و تخيّل ما وراء الوشاح ليغدو المنظور ليس الرهينة و إنما مشهدية الجلاد و زمنه الذي يعبق منه شذوذ إحراق الآخر أو نحره.
تتسرّب فصول المأساة بتشويق دراماتيكي جهنّمي و بحساب دقيق. وجوه رمادية مسطّحة بإمعان كأعمدة سحاب. خطواتها غاشمة و مصيدة يتهددها الانطفاء.
تنقشع المأساة بغرق الضحية في بركة من الدم أو اللهيب فتذاع سادية السيّاف و تطرفه في القتل؛ لأن حصن الصورة طائش و يحضنه عماء؛ و مزمار القتل المشتهى ، موسوم برسالة في قاعها استجمام السياف في مدفئة جنون القتل. فالويل لمن يتنزه في حصنهم و يكون له السياف ساقيا.
ذاك هو الاستطلاع الحذر ، لحقيقة القتل المؤسس ، المبثوث في الصورة لاكتساب نيشان البلاء المبين. وهذا أخطر وجبة لمشاهد، يرى الإرهاب كمخيّم صيفي يتعاط فيه نصيب من اللعب الجنوني.
وفق هذه المقاربة سنركز على الدوافع النفسية بتسلسلاتها التعبيرية الهرمية. وأول قاعدة ننطلق منها أن من يحيك الصورة إخراجا و تنفيذا ينتسب إلى نموذجنا الواقعي. فهو خلاصة عاكسة لأزمة عصر. و تخبرنا الظروف التي يتم فيها تأطير و إدماج " الهدف" إنها تحدث لأفراد انجراحيين ( يسهل التأثير فيهم ) أو موهوبين يعوزهم الاختلاط ، أو من لهم طموحات منحسرة أهدرت في مجتمع مغترب و ذرائعي ( الغربي) أو مريض و محابي ( العربي) أو من ذوي السوابق العدلية...
و تتم عملية التجنيد وفق آلية تحويل الذكرى الساترة ( إخفاق ، خيبة ، غربة ، انكسار ، شذوذ ، وحدة ...) إلى حافز يغيّر الواقع المنبوذ. و تخضع عملية قولبة الهدف إلى مصاحبة متقطّعة و غير منتظمة مراحلها كالتالي:
ـــ تحديد الهدف و تجميع ما يمكن من معارف حول أطوار حياته: أصله ، إن كان في المهجر ، الأمكنة التي يرتادها، مستواه العلمي، محيطه العائلي ...
ـــ كسب المكانة و غرس توازن قطبي يستبطن كياسة في الاقتراح و لياقة في جبر خاطر الذات.
ـــ التشكك بالافتراضات المتيقظة لخلق اندماجية موجّهة نحو الماضي حيث النقاء و الأصل و الإخلاص...
ـــ تكديس الوسواس القهري المنظم و المعزز للعزلة كلحظة تطهير و نقاء.
ـــ لعبة التدبير المهيمن و تعبئة الأدلة: النصح بقراءة كيت و كيت من الكتب المنتقاة .
ـــ لعبة قطع إمداد التواصل كتكتيك مقصود يحدث ما أسميّه بالمنعرج النفسي الذي يجعل الهدف في حالة تشبه الضياع التام.
ــ الانغماس في معرفة مصداقية الأدلة: تعويض الفراغ بالإقبال النهم على القراءة و تصفح المواقع الإلكترونية الجهادية.
ـــ الأعراض السيكولوجية الانعكاسية: إهمال حلاقة الذقن، تغيير تدرّجي في اللباس، مواظبة على الجلوس في المسجد خارج أوقات الصلاة...
ـــ التّعهّد من جديد بمندوبين جدد ( 2 أو ثلاثة).
ـــ الانشباك العائلي المزيّف ( حصر الأخوة داخل الجماعة)
ـــ إبرام الاتفاق و المبايعة.( كل ذلك يستغرق شهرا كحد أدنى).
يعد مرحلة غسل المخ يحين موعد السفر و يصنّف الهدف وفق مسلكية صارمة:
ــــ التكيّف الجيّد
ــ المهارة الإجرائية ( محارب، مهندس ، طبيب ، قاعدي ، قيادي ...)
ــ الولاء المطلق
ـــ النزوع و التحمس للمهمة
ــ التخطيط و الإرشاد
نأتي الآن إلى تفكيك زوايا الصورة الصادمة أثناء قتل الرهينة . و هي تقرأ من ثلاثة زوايا:
زاوية العاطفة
تدعو وفق مرجعية غير مكشوفة إلى تبني الهيجان الكوني لدى الناظر ، صخب إعلامي عالمي يجسّد في أحد مظاهره نمو الاتجاه في إستراتيجية الجهة التي تقتل. و هي تقوم على المجادلة كإجراء تبريري يستخدم جمهور مفرز و مكيّف مع الجريمة و الشذوذ؛ مما يخلق حالة استقطاب خطيرة.
ــ اختراع المصيبة و بلبلة رنّة الخوف اللئيم الذي يعزل الانفعال بضرب من الشلل الكلينيكي المهدد و الضار بكل معالم الحياة. فينتج الهجرة الجماعية لكل من هو متاخم لهذا الكيان أو مبايعته و فق تأمين المصلحة ( التهريب، التطهير الجغرافي المذهبي...)
زاوية القوة
تساعد على منهجية التوطّد و تحوّل الجهة المنفذة إلى مولّد للسلطة و صانعة للأحداث بإعارة لباس عسكري و بخلفية سلفية حازمة خارج تسلسلات الجغرافيا السياسية الدولية.
إن الصورة تتشكّل بإفساح المكان لجغرافيا جديدة بجذرية تنظيم مرتّب في الخلفية المؤسسة للصورة و التي تقوم على فوارق بين الضحية المسحوقة و الإرادة المالكة للقوة. و أمتنها صورة غير مشاهدة ، ارتكاسية و تنسج بضرب من الإيحاء قوامها الاستعداد للتسوية.
زاوية الاختباء
تقوم على مناورة حجب الجلاّد بمقتضيات عمومية المظهر التي تعكس وضعيتين:
ــ أنا الجلاّد
ـــ أنت ، كمشاهد لك الخيرة لأن تكون أنا. لأن إخفاء الوجه يمثّل بؤرة استهواء تفرض في صميم الناظر وضعا تفضيليا يكون فيه فاعلا و ليس مفعولا بتزويق أسمّيه " تراجيديا القدر".
لو أردنا أن نختزل الخصائص الإجمالية للصورة في بضع كلمات لقلنا إن طرازها:
ــ مفخخ
ــ مرتّب
ــ ملاحق
ــ موقّع بأمارة
ــ منتصر
ــ مصفّح بتضليل حتمية المصير
ــ نشيط يبحث عن تسوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف