الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصتان

عبدالله مهتدي

2015 / 3 / 13
الادب والفن




- 1 حكاية بغل

يحكى والعهدة على الراوي،أنه في قديم الزمان،أحب بغل أدهم طاووسة،كان كلما مر بها إلا وأمطرها بكلام الغرام،وكان يحس في قرارة نفسه أنه الأجدر بهذا الحب الذي نبتت بدرته في قلبه،وأشعلت في أحشائه نار العشق،فكل مؤهلات البغولة كانت بادية عليه،علو كعبه في الركض،قدرة معدته على طحن أطنان الشعير طازجا،ضخامة ذلك الشيء المدلى من تحته،صوت حنحناته الجهوري،معرفته بأحوال الكلام لدرجة قدرته على إسقاط الزرزور من فوق السور،وأناقته في اختيار الركلات لخصومه،وفي انتقاء عبارات الغزل للعشيقات.
كان بغل"نا" كلما التقى الطاووسة معشوقته تصده قائلة :
- حشم ألبغل
إلا وتمرغ على الأرض ضحكا، تاركا الحظيرة ومن فيها غارقين وسط غبار كثيف.
حسمت الطاووسة أمرها ذات يوم،بعد أن أسر لها البغل برغبته في الزواج :
- ألا ترى معي أيها البغل الحقير،أن فصيلة الطاووس لاتصاهر جنس البغال ؟
لم ينبس البغل ببنت شفة،ولم يتمرغ على الأرض كما اعتاد،ظل صامتا يقلب الأفكار في دهنه لأيام،
بعدها عزم أن يركب رأسه الصلب كالصخر،وأن لايكل في تنفيذ حلمه الذي سكنه من أعلاه لأخمص قدميه،سيغير تسريحة شعره القديمة إذن، سيصبغ لون عينيه ،وان تطلب الأمر سيضع عدسات لاصقة،سيثبت بعض الكحل على حاجبيه ليبدوا جميلين،سيتعلم الأكل دون ثرثرة، سيحاول تقليد مشية طاووس محترم،سيدخل إحدى نوادي فنون الحرب ليبدو جسده أكثر رشاقة، سيتعلم فنون الغناء،لربما يحتاجها ليطرب أحفاده في ليالي الشتاء الطويلة،وسيجهد نفسه في حفظ كل ما خلفته مملكة البغال، من تراث في شعر الغزل و الهيام.
لم يستسغ سكان الحظيرة أن يصبح بغلهم الأدهم المارد كما أراد، فساقوه إلى الحبس، ليقرر كبار البغال وساستهم بدأ المحاكمة.
افتتح حكيمهم مقال المرافعة،فقال :
- مشية البغال من حضارتنا العريقة،ومن تراث أجدادنا،يا عديم الفهم يا بغل،أما عشق ما دون البغال،فذاك في أعرافنا المقدسة ظلال .
تعالت حنحنات جموع البغال وسط ساحة المحكمة،ضرب القاضي بكعبه اللامع على الطاولة،ثم قال:
- حكمنا على بغل"نا" المتهم بالشذوذ والزندقة،بالاخصاء،بالأعمال الشاقة، وبحمل البردعة ليل نهار،حتى أوقات الراحة المرخصة.
مات البغل حزنا على انعدام شروط المحاكمة العادلة ،كتب صغير البغال على شاهدة القبر:
" ومن العشق ما يحيي، ومن العشق ما قتل، هذه حكاية بغل..”




2 -الطبل والعصيان

كانت الليلة ربيعية حين قرر الطبل أن يعلن العصيان، تبث في مكانه ضجرا، قطب حاجبيه، أجفل عينيه، بدت على وجهه علامات الضيق، وكأن كل الأحزان أطبقت فجأة على رأسه.التفت إليه الناي وقال :
- أراك تائها يا رفيقي، وجهك منقوع بالحزن، وشاردة عيونك !
صمت الطبل هنيهة ثم قال :
- انظر هناك،ألى ترى معي كم تبدو على القيثارة آثار النعمة ورغد العيش؟أنظر عيونها كم هي يانعة؟ وخدودها كم هي مشرقة ؟ و الأيادي الناعمة التي تداعبها، فكأنما نكاية فينا تفعل ذلك بحنو ودلال وعشق! أما الكمان ،فينتقل من حضن دافئ إلى حضن أدفأ منه ! أنا فقط من يسلخوني سلخا كي يرقصوا على إيقاع صوتي، يصنعون أفراحهم من النقر على رأسي ووجهي وقفاي.قل لي أيها الناي، كيف يمكن لابتساماتي أن تبرح شفتي، وقد يبس الفرح في حلقي، وجف ماء ريقي، وصار جلد وجهي من كثرة الضرب كالصخر المتجهم ؟ صنعوني عنوة بلا أرجل كي لا أستطيع الفرار كلما اشتدت على قفاي ضرباتهم ،وبلا أيدي كي لا أقدر على رد الصاع صاعين،حتى الأنين حبسوه في أحشائي كي لا تختل رقصاتهم.لكن لا عليك !قررت هذه الليلة أن أعلن العصيان.
سأل الناي مندهشا :
- العصيان ؟ !كيف يا رفيقي ستعلن العصيان،وأنت مجرد طبل حقير -عفوا- صغير،إذا لم تقرعك العصي و الأيدي بلعت لسانك للأبد ؟
رد الطبل بلهجة الواثق من أن الخطة التي ظل يحبك خيوطها ،هي مخرجه الوحيد من اليتم الذي بات يحياه منذ سنوات:
- الليلة، سأنتقم لكل الطبول، نعم، سأعلن العصيان، سأحث أنفاسي على أن تكتم الصوت الذي يخرج من أحشائي كلما أمعنوا في الضرب، ليس لي ما أخسر سوى مزيدا من الضرب على قفاي، ذلك لم يعد يهمني في شيء،...ثم من يستطيع أن يحس بآلام طبل وهي تعوي داخله، كلما ارتفع إيقاع رقصاتهم ؟
وقف العازفون في أماكنهم كمحاربين يتهيئون للمعارك القادمة،كان على صوت القيثارة أن يفتتح حفل الليلة،ليتبعه صوت الكمان الذي سترافقه ترنيمات ناي تعلو شيئا فشيئا،لتتقاطع أخيرا مع نقر خفيف على قفا الطبل،بدأت اليدان تضربان على رأسه،لكنه ظل كمن أصابه الخرس ،وعقد لسانه الصمت.
التفتت الآلات تنظر باستغراب إلى بعضها البعض، احمرت اليدان، واصلتا الضرب..ثم تعرقتا...فازرقتا، سال منهما دم ولا صوت،استعانت اليدان بقضيبي حديد،وبدأت تعاود القرع على قفا الطبل،علها تسمع صوتا،لكن الطبل كان مصرا على الصمت،يبست خدوده،وعلت وجهه ألوان داكنة،دمعت عيون القيثارة،صمت العود،غمزت علامات الصمت لبعضها البعض،فنطت البرهة مكان الزفرة،تعانقت الزفرة مع اللحظة،وشوشت "دو" لرفيقتها"فا"،فتبادلا مواقعهما فوق المدرج،كذلك فعلت "صول" مع "سي"،أما "لا"،فقد قهقهت شامتة وهي تحيي الطبل على العصيان،ثم تمددت على طول المدرج تحرض النوتات على الصمت.
آلات النفخ الخشبية قررت أن تخرج من أحشائها أصوات الآلات الوترية،ولما واصلت اليدان الضرب بقضيبي الحديد على قفا الطبل و رأسه،قررت حينها أسطر المدرج أن تأخذ مكان الفسوحات، أما ذات السنين ،فقد كشرت عن أنيابها ليختل كون الإيقاع،ويرنو الصمت.
كانت اليدان ما زالتا بقضيبي الحديد تقرعان رأس الطبل،تحولت الخدوش الداكنة على جلده لثقوب سوداء،خرجت أنفاسه من بين ضلوعه،حلقت عاليا وهي تلوح بيديها،ترسم ضحكات ماكرة على شفتيها الباسمتين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي