الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة التاسعة-

محمد البكوري

2015 / 3 / 14
الادب والفن


كان يوما من الايام الديسمبرية الباردة الجو، الساخنة الاجواء والمفعمة عموما بالنشوة ، الغبطة ، البهجة ، السرور، الفرحة و الحبور،ذاك الذي وطات فيه اقدامنا جسر ابي رقراق... كانت "الفلايك" ترسو على واجهة ميناء صغير ، سيتحول مع مرور الوقت الى مارينا ترفيهية ..."بشحال ركبة اشريف ؟" "شريفي و شريفك رسول الله ...اولدي جوج دراهم ...الي و رطور ... لا غلى على مسكين" ...كنت اود ركوب القارب، لكن تحذيرات الاستاذ المؤطر و تنبيهات امي قبله، و قفت سدا منيعا امام رغبتي العارمة في الاقدام على هذه الخطوة ... كنت احتاج الى المزيد من الاختمار الجريء لاتخاذ القرار المناسب ... كنت ساضرب عرض الحائط كل التنبيهات و التحذيرات ...و ساكسر عبر ذلك جدارات الخوف و الرهبة ... "التجربة معرفة و متعة" ...علي بالمجازفة... لن اخسر شيئا و يكفيني شرف المحاولة ...و حتى و لو شاءت الاقدار ،و كان "مكتاب" علي الموت في احضان هذا النهر الذي يفرق بين العدوتين ،على الاقل ساجمع بينهما في "شهادة و فاتي" التي سيكتب فيها بخط عريض :"توفي هاذ الجبلي في ديسمبر بالعدوتين وكفى !" ولاعتبر شهيدا من شهداء هذا الزمن ... هذا الوطن ... اليس من مات غرقا يحسب شهيدا عند الله ؟ لكن تذكرت "لا ترموا انفسكم الى التهلكة "... "حضي راسك او لدي " عندك يغرك شيطان و تمشي تعوم " ... كثيرا ما تسالت في قرارة نفسي: "هل السباحة رجس من عمل الشيطان ؟ علينا اجتنابه حتى لا نتعرض للتهلكة و نفلح في حياتنا و نحمي ارواحنا من الزوال و الاندثار ... "العومان" كان عندي انا وو لد "عمي علي "تحديا من التحديات الكبرى، التي علينا ربح رهاناتها ،ان اردنا ان نصبح "رجالا"... اقول ذلك ،و انا اتذكر بحسرة و اشتياق ...بلوعة و سهاد ، اليوم الاول الذي ساكتشف فيه سحر هذا العالم الغريب المسمى "العومان في الواد"... فغالبا ما كنا نسبح ايام الحر الشديد في "عين الله "، التي تبعد عن منزلنا ببضع خطوات... تلك الايام، التي كان فيها الماء الوافر والخضرة الخلابة و الوجه الحسن ... والتي اصبحت صفحة من كتاب الماضي طويناها بالم شديد ... لكن بعد ان بدا ينموبعض الزغب في عانتنا واصبحنا نمتلك "الفحولة" المتماهية مع "الرجولة "... قررنا الذهاب الى الواد ،الهاجس الذي ما فتئ يرعب امهاتنا ،يؤرق بالهن ويجعلهن "مشطونات "اتجاهنا ..."عندك اولدي تمشي لواد ،راه و لد رحمة المتيوية عاد غرق السيمانا ليدازت و مات مسكين ..." " عندك تمشي تعوم في السد، راه شهر لداز ماتو جوج دلوليدات ديال واحد المراة من العشايش ودابا مسكينة راها تصطات الله يكون من حالها... " "في ما شوفتو شي واد ، راه مسكون بعايشة قنديشة و ماما غولة ... هما لي كيجرو لي ماكيسمعش الهدرة ديماه للقاع ديال الواد ..."تقول الامهات ذلك ،رغبة منهن في تخويفنا... تحذيرنا و جعلنا نعتبر... لكن هيهات "فراسنا قاسح... بحال شي حجرة ... وخا تعيا اوليدة ما طبل فيه... راه الخميرة ديال الكلاخ المبين لي فيه... ماشي المخ... راه "بوخنو" لي فيه ...ماشي العقل " يزداد اصرارنا العنيد للذهاب و"لي بغا يوقع يوقع" ...نستيقظ باكرا في احدى ايام الاحاد ...يومها كان الكبار، قد قرروا القيام برحلة الى واد"الميكي"... حيث يوجد على مقربته جنان "جدي احمد" في مكان يسمى "عين عمر"... الجنان الذي يحرسه شخص اسمه "عبيد الله"... كان مكسوا ...مزهوا في ايام الخير و الخمير ، باشجار الكرموس المعسل والسفرجيل البلدي و التوت البري والعنب البلدي ...كما توجد في شتى ارجاءه "جبوحا دنحال " ...لكن بمجرد موت جدي ، اضحى الجنان خاليا ... قاحلا...متسما ب" الشيح و الريح "... "ذبانة فيه ماكدورش"... بعد ان كان الفضاء الفسيح للفراشات ...كان الجنان بمثابة جنة الله في ارضه ...فردوس ترتاح فيه النفوس ... حيث خرير المياه العذبة ورائحة "الفلايو" العطرة ومذاق التين الحلو ...جنان فيه "القمار و سليلي " ومكتظ بالزهور المتنوعة الاشكال و المتعددة الالوان ... مات جدي ،فمات الجنان بدوره حسرة على ايامه الجميلة ... تحول الى حقل مليء بالاشواك ... نضب البئر الذي يوجد في مكان منزوي من ربوعه الممتدة ... "جدي احمد" -الله يرحمو فهاذ النهار- كان يمتلك بالاضافة الى جنان "عين عمر" جنان اخر في "مرجع بوذا" ، الكائن كذلك في جوانب الطريق المؤدي الى الواد وفي سفح ذاك الحي ،الذي ترنو اشراقاته في الاعالي وهو حي "حجدريان" ... كما كان لجدي ايضا حديقة غناء متربعة في عرش "القلايع" ،حيث منزله المحاذي "لرحى دلمكي" والذي بناه له احد ابناءه "الفاكونسيين" ...حديقة فيها ما لذ وطاب وما تشتهيه الانفس من ثماراشجار المشمش ،البرقوق، التوت ،الرمان ،البرتقال ،التفاح و الكرموس ...كانت كل الاشجار مباح لي الصعود اليها الا شجرة واحدة هي شجرة "الكرموس" ... "لاتقرب هذه الشجرة اسي محمد !" تقول لي جدتي "فضيلة "رحمها الله ، فاذا دنوت منها سترى مالا يعجب الناظرين. وفي احد الايام و بعد ان غواني الشيطان الرجيم و اخذ يوسوس وبقوة في نفسي الامارة بالسوء بضرورة "باش نطلع الى الشجرة المنبوذة " من طرف جدتي ... وحينما و صلت الى اعلى الشجرة ،استرقت النظرالى شرفة المنزل الموجود بالقرب من الشجرة الابليسية ...و لاسمع التاوهات لامراة و رجل تفاجات برؤية اجسادهما العارية ... حيث رايتهما مشدوها، كما ولدتهما امهاتهما ...قال لي الرجل : "نزل الله يمسخك"... "ماكونتش من العاكزين" و قلت له: "نزل حتى انت الله يمسخك " ...علمت فيما بعد ان المنزل هو ماخور من مواخير بيع اللذة بالتقسيط ... لم اكترث لكلامه بالنزول ... وانما وقفت "بوش بي" امام جسد المراة الفاتن ، العاري ...لاول مرة ساكتشف جغرافية الجسد ،لدرجة معها "جبتها فراسي" ...اذ بمجرد النظرة الاولى و النظرة الثانية ،احسست بدوران غثياني ، وليصطدم جسدي مباشرة بعد هذا الاحساس بالارض ، بعد ان هوى من اعلى الشجرة الملعونة ول"يتفرشخ" راسي وتنهمر الدماء كصنبورماء ...حينها تاكدت بالملموس صدق قول جدتي "لا تقرب هذه الشجرة" ... مات جدي ...فمات جنانه... افتقد كل شيء لبهاءه ...لجماله ...لروحه ...مات الجنان حسرة عليه ...اه على ايام الزمن الجميل ! زمن صفاء "واد الميكي" ! وصفاء قلوب من يسبحون في "واد الميكي "! كنا كنعوموا ونحن متاكدين انه بمجرد عودتنا الغير الميمونة الى منزلنا ،"فطرحة ديال العصا" تنتظرنا... لكن لايهم... فالاهم عندنا كان لحظة استجمام نقضيها بين جنبات الواد... والذي للاسف الشديد سرعان ماجف معينه بمجرد تشييد "سد بوهودة" و "سد ساهلة " ،ولنحول وجهتنا للسباحة اتجاه هاته السدود وواد "قنطرة داسكار " ... المهم تراجعت مقتنعا عن قرار امتطاء القارب ... تراجعت عن القيام بذلك ،و عوضه جلست على كرسي بلاستيكي لصاحبة كاروسة سندويتشات، مكتوب عليها "الرخا وبالصحة و الراحة" ... ومادامت امعائي خاوية ...طلبت كاس شاي و "ربع دلخبز فيه بيضة مسلوقة وشوية دلكاشير و فورماج "...زيد كلس اش بغا الخاطر؟" تخاطبني صاحبة الكاروسة، وهي تبخ علينا دخان سيجارتها الرخيصة " ..."شي فطور الالة " ...اخذت ارشف كاس الشاي بلذة و اكل "ربع الخبز" بنهم... وانا اتحسر على الفطور في الدار ديالنا... في هاته اللحظة اخذت احن الى "حرشة" امي... الى "مسمين" امي ...الى "خرينكو" امي... الى كل شيء ابدعته انامل امي المباركة... اتذكر ذلك و انا اغني على الحان العروسي :" ركبت على ابي رقراق ...و تشوش خاطري ...وشحال بكيت... ما بياش بلادي... بي غير الواليدة لي خليت " اه !ثم اه! ثم اه !يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد