الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمي خلف الحدود

دنيا الأمل إسماعيل

2005 / 9 / 20
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في لحظة، كالحلم، كان أخي الأصغر، المقيم في مدينة العريش المصرية، في بيتي، بعد حوالي عشر سنوات من الفرقة والغربة لكلينا. هكذا فجأة، ضم جسدي جسد أخي الصغير في عناق طويل تخلله بكاء خجول مني، أفلتت منه بعض الدمعات. هكذا في أقل من ساعتين كان حاملاً جسده الضخم، هارباً من عمله الليلي، ليقطع الشوق إلى غزةَ أخته الكبرى، دون تصاريح أو وثائق أو أختام، اختزل سنوات الحرمان في مغامرة محاطة برغبة دولة، في التعاطف معنا، وربما في مسح سيئة، أفلتت منها على غير هدى.
كانت الساعة الواحدة والنصف من فجر الثلاثاء، لم أكن أعلم يقيناً بصحة الخبر الذي نقله لي أحد الأصدقاء، حين رفع سماعة الهاتف، قائلاً: ماذا تتنظرين، سافري إلى أهلك، وظل يذكر لي أسماء من ذهبوا إلى هناك ومنهم أخوته شخصياً، وأنه سيسافر غداً إلى العريش. توثبت روحي، فثمة أمل في لقاء الأهل ورؤية أمي قبل أن توافيه المنية، وهي المريضة، الكفيفة، المقعدة،. تناقشت وزوجي في الأمر، لم يقتنع، خاصة وأن معلومة رسمية لم تنشر عبر أية وسيلة إعلامية، بل تناقل الناس المعلومة حتى عمت وسادت، وتحول الغزّيون إلى مهاجرين، إلى خارج السجن الكبير الذي عاشوا وتربوا وتأزموا فيه.
بعد ساعات من لقاء أخي، الذي جاءني بملابس العمل، دون أن يمر على زوجته وأطفاله، فقط أبلغهم هاتفياً أنه ذاهب إلى غزة، لرؤية دنيا، وقد فعل. لم أكن أصدق، لكنه هو بالفعل أخي الصغير الذي حملته صغيراً بين يدّي، وشاركت أمي تربيته، وأخفته مراراً من الغولة، التي تأكل الأطفال الذين لا يسمعون كلام أختهم الكبيرة.، إنه أخي بدر الدين الذي كبر في غيابي، وتزوج في غيابي، وأنجب طفلين في غيابي، وتلقى وفاة أبي بين يديه في غيابي أيضاً، والله أخي، الذي لم أره منذ عشر سنوات،هو وبقية أخوتي، وأمي التي فقدت بصرها وحركة قدميها ونصف وزنها ، وجل أسنانها، وهي تتبع أخبار ابنتها في وطنها المحاصر، الموبوء بطائرات العدو، وصواريخه، والتي كانت في أغلب أيام القصف تتصل، وقبل أن تسألني عن صحتي، تسألني إن كان القصف قريباً من منزلي أم لا ، هل بناتي وزوجي بخير أم لا.
إنها أمي، وهذه فرصتي لأراها وأضم عينيها الكليلتين، وجسدها الذي فقد بغربة الأبناء بهاءه، إنها أمي زوجة الشهيد الأول، وأرملة الزوج الثاني، وأماً لثمانية أبناء، سرق ثلاثة منهم إلى حضن جدتهم لأبيهم، بسبب الزواج الثاني الإجباري، لفتاة لم تكمل بعد عامها الواحد والعشرين، وخمسة منهم هم أشقائي، الذين تحملوا في غربتهم بلا مال أو أسرة أو مساندة من أحد، حياة الغرباء في وطن الأشقاء.
قررت الذهاب، حزمت ما تواجد لدّي ما ينفع ليكون هدية للأخوة وزوجاتهم وأبنائهم بعض طول غياب. ووضعت ما تبقى في مطبخي، من جبنة الغنم التي طلبتها أمي، في برطمان بلاستيكي داخل حقيبتي، صليت الفجر، وشربت القهوة التي أعدها زوجي، وخرجت أنا وأخي نحو عائلتي وطفولتي وعمراً من الذكريات المؤلمة والسعيدة. المسافة بين غزة والعريش، لم تكن بعيدة، سوى ما استشعرته من اغتراب عن أمي تحديداً، الحديث عن تجربة عبور الحدود ملآى بالتفاصيل المرة، ربما تحتاج إلى غير هذا المقال.
حين انتهيت إلى مدينة طفولتي، وحيدة من دون أخي، الذي احتجزه رجال الأمن المركزي المصري على المعبر، ورفضوا دخولي في البداية، قبل أن يهجم البشر، دون حول منهم ولا قوة.اتصلت على زوجي، ليتصل بأختي لتصف لي العنوان، تم كل ذلك وركبت السيارة ، وحين













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |