الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو بناء مثقف جديد-2-

خالد الصلعي

2015 / 3 / 14
الادب والفن



أكبر فخ وقع فيه المثقفون العرب أنهم صدقوا أوهام المصطلحات الضخمة ، وانخدعوا ببريقها اللامع ، كالمجتمع المدني والديمقراطية والحرية والمساواة والدستور والقانون ، بينما واقع حال الدول العربية انها تعيش عصور الانحطاط القروسطوي على جميع الصعد .فمن يحاكم المثقفين السذج او المتواطئين ؟.جيلنا والجيل الذي بعدنا يعيش حالة انفصام فظيع بين مقولات لا أجرأة لها في أرض الواقع . هل كان المثقف العربي ، والمغربي بخاصة ، مشاركا فيما بلغه واقعنا اليومي ، وعلاقاتنا من جفاف وقحط ؟ . للاجابة على هذه الأسئلة علينا أن نتحلى بشجاعة المثقف المسؤول عن دوره والواعي بوظيفته . قد تتراجع أدوار المثقف بفعل نمو أدوار لفاعلين آخرين ، وقد يعمل بعضهم على ادراج هؤلاء الفاعلين في اطار المثقف الضيق . كما أن تعدد مفهوم المثقف نفسه قد يسعف في هذه المهمة . لكن كيف ندرج مثلا أصحاب القنوات التلفزية أو مؤسسات الاعلام باختلاف أنماطها وأنواعها ضمن اطار المثقفين وهم لا يملكون الا رأسمالا محايدا وأحيانا منحازا الى قوى اجتماعية مؤثرة ، كرجال الأعمال ، والساسة ، بل وبعض المثقفين ؟ . نحن اذن أمام تكوينات واقعية جديدة . وهنا يتشعب ويتوسع دور المثقف الناقد . انه لم يعد ذلك المثقف المندرج ضمن علاقات محددة وبسيطة ، كما كان شأن ابن خلدون أو محمد عابد الجابري ، أو بعض مثقفينا الذين بقوا معلقين في شرنقة المثقف المثالي واليوطوبي ، المنكفئ على الكتب والمجلات والصحف . هذا هو مجتمع اليوم . مجتمع يزداد تعقيدا وتشابكا . ومحاولة القبض على دور المثقف فيه من أجل عقل ارتجاجات المجتمع وتفاعلاته ومختلف منتوجاته عليه أن يهبط للواقع ويتفاعل مع اليومي ، وينخرط في مجمل علاقاته .
لكي ننتج مجتمعا جديدا اذن لا بد من احداث صدمة عنيفة ، صدمة ناتجة عن اصطدامنا بتحولات واقعنا ، صدمة تربك يقينيات ما علق بذهننا من أوهام ، وتجرف مخلفات وبقايا الثقافة الايمانية المجانية ، وتضع الجميع أمام علامة الاستفهام ، حتى لا يمروا الى قناعاتنا وكأننا شوارع مستباحة لكل مهرجي الحكي الدوغمائي ، والمقول القطعي والرأي العشوائي .
جميعنا يعترف أننا أمة عاطفية رومانسية حالمة . ومن شأن الرومانسي أن ينجرف واء عاطفته دونما الوعي بتحذيرات العقل . وقد حان وآن الوقت للقطع مع هذه العادة السلبية التي تركزها فينا ثقافة الخنوع والتصديق والطاعة . علينا أن نتعلم ان نحيا من جديد ، ونفترض أن الكون لم يولد الا قبل أيام قليلة ، وكل التاريخ الماضي الطويل لم يكن غير ليلة أو ليلتان .
من جهتي كفرد واعي ، صدمت كثيرا ، ليس في مثقفينا فقط ، بل في ساستنا ، وفي حاكمنا ، وفي منظومة عدالتنا ، وفي ثقافتنا ، وفي شعبنا . وتوقفت طويلا رغم انشغالاتي المتعددة مع أسئلة أربكت وجودي . هل أستطيع البدء من جديد ؟ . سؤال مربك ومحرج . لكنني فعلا ، قررت البداية من جديد ، متجاوزا عائق السن ، وعائق العطالة ، وعائق المجتمع ، وعائق أجهزة الدولة القمعية ، وعائق الأسرة ، وعائق النصائح المهلكة . نعم وقفت على كل هذه العوائق وأخرى ، وطويتها في صرة تشبه صرة جدتي ، لكنني لم أضعها في خصري كما كانت تصنع المرحومة ، بل رميتها في بئر النسيان والاهمال ، وأقبلت على الحياة بطريقتي التي تلائم وضعي وحالي ومستواي .
نحن أمام واقع كابدنا مخاضاته منذ عقود ، واقع أبى الا أن يزيد من عفنه وظلمته وتخلفه ، وكأن دور مثقفينا ، وخاصة بعد ثورات الشعوب العربية البهية ، عاد الى نفس اشتغالاته التبريرية والتوفيقية ، وعلينا ان نصدقهم ونكذب معيشنا وواقعنا وتجربتنا التي خضناها بأعصابنا نحن وبانتكاساتنا نحن ، وبآلامنا نحن ، لنصدق مثقفا عاجيا يتقاضى أكثر من أجر دون ان يكلف نفسه عناء تأدية وظيفته .
أنا الآن سأعمل على الانفتاح على الواقع ، على المدون والمثبت ، على الوثائق ، لا على الخطابات والشعارات والايديولوجيا المقيتة . اذن فلسفة الواقع أصدق من أي ادعاء أو كوجيتو تحريفي ، "أنا أكتب اذن أنا أناضل "، أكبر خدعة يمكن ان تسقط فيها أجيالنا الصاعدة .
ان السؤال الآن هو ، ما هو الواقع ؟ كيف نعيش هذا الواقع ؟ ما هو واقع نموذجنا المقروء وشيخنا المسموع ، وحاكمنا المتبوع ؟ ، انه سؤال المحايثة ، سؤال الواقع بلغة مباشرة .
فالانتقال نحو مجتمع جديد ، لا يبدأ من النظر او المقابلة مع العالم الآخر والمجتمعات الأخرى ،بل يبدأ من الذات ، سواء كانت جماعية أو فردية . كما أن الانتقال الى مجتمع جديد يفرض علينا ضبط وفهم حركية مجتمعنا الراهن ، والوقوف على تحولاته التي أكرهتنا على الاعتراف بها .لم تنتج كل القراءات السابقة التي عملت منذ أكثر من قرنين على المفاضلة والمقابلة بيننا وبين المجتمعات الأخرى ، الا على التشويش على رؤية ذاتنا ، وفصلتنا عن وعينا واستلبت عقولنا .قرنان وأزيد ونحن نقارن بيننا وبين الآخر ، ولم نقم بمقارنة نفسنا مع ذواتنا ، كيف كنت أمس ، وماذا أصبحت اليوم ؟ هل حدث تغير ما ، نوعي او كيفي أو كمي ؟ هل ثمة تجاوز ما على مستوى الذات ؟ أليس المجتمع هو مكونات فردية ؟ . فماذا حدث في هذا المجتمع ؟ من تطور فيه وارتقى ؟ وما معنى التطور والارتقاء ؟ .انها الأسئلة العابرة للفرد والجماعة . من أين كانت تكرح منظومة ثقافتنا مرجعيتها ؟ وما هي المؤسسات التي احتكرت انتاج الثقافة في مجتمعنا منذ الاستقلال على الأقل ؟ . ومع تحولات أو ثورات التكنولوجية الرقمية ، هل حافظت مركزية الثقافة على نبعها الأول ؟ . كل ما يمكن الاقرار به هنا ، والآن ، أن الثقافة في المغرب ، وخاصة منذ ما يزيد عن نصف قرن احتكرتها الأحزاب ، والى عهد قريب ، نفضت تلك الأحزاب يدها من الثقافة لحسابات سياسوية ضيقة . لكن عدم وعي المثقف الحزبي بتقلبات الحياة ، وبتحولات الرهانات ، جعله أسير منظوره الحزبي الضيق .
و بؤس مثقف الأحزاب انه حين تنفذ صلاحيات السلطة من حزبه ، ينتقل من دور المادح الى دور الهجاء . فبوصلته بوصلة مواقع حزبه . فهو عندما يتحول موقع حزبه من المعارضة الى الحكم ، أو مايشبه الحكم لللدقة العلمية يتحول الى ماسورة تغسل ذرن النظام وأوساخه .فهو أينما توجه حزبه اتجه تفكيره وخطابه . نفس دور شاعر القبيلة القديم ، اذا انتصرت قبيلته نظم فيها قصيدة مطولة يعدد فيها مفاخر الانتصار ومناقب الشجاعة ، واذا انتكست رثاها بمعلقة نادبة ومولولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل