الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشهد للحب وآخر للعنصرية

دينا سليم حنحن

2015 / 3 / 15
الادب والفن


مشهد للحب وآخر للحقد والعنصرية
دينا سليم
بالحب والفرح فتحت لها ذراعاي، بنغمة صوتي الحنون هدّأت من روعها وطبطت على ظهرها لكي تشعر ببعض الأمان، وقلت لها:
- بمحبة سوف أسمعك إن أردت، كيف لي أن أساعدك يا فتاتي.
واستمرت في البكاء، تجهش وترتجف، فأيقنت أن الألم دخل قلب هذه الصبية الجميلة دون سابق انذار، فكررت مطلبي دون تردد فقالت:
- أنا مريضة به!
وطرأ على بالي حالا أن تكون مريضة بمرض لا شفاء منه لأنها نحيفة جدا، هزيلة لدرجة أني بدأت أحسب بمخيلتي نوع المرض الذي تشتكي منه، ومن خلال جزعي وخوفي عليها قلت لها بصوت منكسر:
- مريضة... سلامتك، أنا آسفة جدا إن حصل وضايقتك بسؤالي فجميعنا سنمرض في يوم ما!
مسحت دمعها بكف يدها المضمومة وكأنها تستعد لشوط ملاكمة، واليد الأخرى متشجنة تماما، قالت:
- لا لست مريضة، بل مصدومة، لقد رأيت خطيبي مع امرأة أخرى الآن، يداعبها ويقبلها، يا لها من صدفة، يا الله أكاد لا أصدق نفسي!
تنفست الصعداء وفرح قلبي وأحسست بشيء من الانتصار لأني اطمئننت عليها وأغبطني أنها تتمتع بصحة جيدة رغم نحافتها المقلقة... بأناملي مسحتُ دمعها ثم أجبتها:
- فتاة رائعة الجمال مثلك، وصبية بعمر الورد تبكي على رجل غير جدير بها، إنه مرض العشق إذن، اغسلي وجهك وتزيني واذهبي للبحث عن رجل آخر، الحياة لا تنتهي هنا، لا تضيّعي الوقت، هيّا!
قبلتني الفتاة المجهولة والتي لم أعرف اسمها، ثم ابتسمت قليلا، طهرت وجهها من سواد كحل عينيها، ابتسمت ابتسامة أخرى أمام المرآة، وضحكت قائلة:
- يا للصدفة العجيبة التي جمعتني بكِ وفي أحقر مكان في العالم.
أجبتها:
- وهل تظنين أن المراحيض أحقر الأماكن، بل إنها أكثر الأماكن نظافة، تمنحنا الشعور بالخصوصية والسرية، وعندما نلقي بأوساخنا داخل الأنابيب التي تتستر على نفاياتنا الداخلية نتخلص من عيوبنا فنشعر بالراحة والسعادة الروحية، فنخرج من هذا الباب الذي كان مغلقا علينا لتلتقي عيوننا مباشرة مع أنفسنا والمرآة... المراحيض أصدق الأماكن في حياة البشر!
لو تعلم هذه الفتاة الغريبة بصدق كلامي، وتمنيت لو شاركتنا جلستنا فيما بعد ولم تغادرني للبحث عن حبيب جديد، أنا وبعض الحالات المستعصية التي تحتّم الظروف علي أن ألتقي بها أحيانا، هذه اللقاءات التي أصبحت أوسخ من حجرات المراحيض، بمعية إحداهن تحديدا أتذكر الماضي، أعني اللقاءات السابقة في فلسطين الداخل، عندما كنا نختمها بعد يوم طويل من النقاشات والمشاحنات غير المجدية مع بعض الأخوة الاسرائيليين بمعركة ضارية دون أن نصل إلى جوهر السؤال (هل ما حدث في فلسطين يسمى نكبة أم ماذا)، كنا نترك أماكننا ونفترق على أمل اللقاء مجددا للبحث في جوهر القضية دون شتائم على الأقل، والآن، وهنا، أصبحنا نلتقي عربا مع عرب لجأوا من بعض الدول العربية لكي نتنازع مع بعضنا البعض ونعزز السؤال المخيف ألا وهو، (بماذا دينك اللقيط أفضل من ديني الحنيف).
لن أفعل وأسجد للرب خمس مرات في اليوم، ولن أصوم عن اللحم خمسين يوما، وأعذب نفسي وأهينها وأحشر جسدي في هذا الطقس الحار، وأكبت أحاسيسي الحقيقية وأذوب خوفا من ذنوب شخصية لم أقترفها، وأمضي أيامي الطويلة مرعوبة من عقاب الآخرة وأحلم كوابيسا بالحبل الذي سيعقد حول رقبتي، ولن أمضي عمري بازدواجية مقيتة وأكون وجها حقودا خلسة ومكلل بابتسامة مزيفة ظاهريا، وادعي التقوى والإيمان!
عذرا، أنا هي التي ستبقى دوما العاشقة فالمحبة ديني ودينونتي، سأحتفظ بابتساماتي ذاتها غير المفتعلة، وقلبي المحب للجميع والذي يحترم اليمام الذي يضع برازه على سقف بيتي كل يوم، أنا تلك التي لا تخشى خفافيش الليل التي تمرح لها بأمان في حديقتي لأني روّضتها على المحبة، نعم أغضب قليلا وأخبركم بغضبي الصريح لأني إنسان أحترم كينونتي كانسان والمكان الذي أعيش فيه سعيدة، أنا (أسترالية) جدا، وأعشق (فلسطينيتي) كثيرا، بل أكثر بكثير ممن اعتادوا على حمل قميص يوسف مشوهين اسمها وقدسية أرضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف