الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة لفهم ومواجهة أخطار التفكك في دولنا المغاربية

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مقاربة لفهم ومواجهة أخطار التفكك في دولنا المغاربية

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]


قد غفل الكثير عن مقاربة وقراءة أساليب تطور النظام الرأسمالي العالمي وتكيفه وإعادة إنتاج ميكانيزمات إستمراره، وكي نقرأ ذلك علينا بالعودة إلى ما قاله كارل ماركس عن ميلاد الدول القومية والوطنية في أوروبا عندما أعتبرها نتاجا للطبقة البرجوازية التي عملت على توسيع السوق بتوحيد عدة أقاليم، فظهرت البرجوازية الوطنية، فوحدت الدول فظهرت الدول القومية، لكن رافق هذا التطور الرأسمالي عملية أخرى غفلها ماركس، وتتمثل كيف أن المركز الرأسمالي منذ تلك الفترة يتوسع ويتوحد في نفس الوقت الذي كانت تتفتت معه أطراف المركز الرأسمالي الضعيفة، وعلمنا التاريخ كيف توحدت ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، وتوطدت وحدة دول كفرنسا وبريطانيا في نفس الوقت التي تفتت فيه أمبرطوريات كبرى كانت فيها البرجوازية ضعيفة أو منعدمة، بل هي كانت مجرد أطراف تابعة للمركز الراسمالي ومنها الأمبرطورية العثمانية وروسيا القيصرية والأمبرطورية النمساوية-المجرية بفعل نشر فكرة القوميات، بل أدت إلى حروب داخلية في هذه الأمبرطوريات.
وتكررت نفس التجربة أيضا بالتوسع الرأسمالي في نهايات القرن العشرين وتفتت دول مثل الإتحاد السوفياتي ويوغسلافيا، في الوقت الذي ظهرت فيه مجموعات إقتصادية كبرى تسير إلى التوحد في المركز، ومنها الإتحاد لأوروبي، ويبدو أن ما يعيشه العالم العربي اليوم هو نتاج توسع رأسمالي آخر يعرفه عالم اليوم.
ولتوضيح ذلك يجب أن نشير إلى العولمة الرأسمالية التي عرفها العالم في أواخر القرن العشرين، مما أدى إلى فقدان بعض معالم السيادة لبعض الدول وتغير حتى مفهوم السيادة، فقد ظهرت برجوازية ذات طابع عالمي مرتبطة المصالح شبيهة بالبرجوازيات الوطنية التي كونت الدول القومية في أوروبا في القرون السابقة، ويبدو أن هذه البرجوازية العالمية ستعمل من أجل إقامة دولة أو أمبرطورية عالمية بشكل أكثر مطاطية ونعومة، وهو ما يتجلى في العديد من المظاهر الإقتصادية والسياسية والإعلامية وغيرها خاصة بفعل تداخل المصالح.
لكن الصراع العالمي هو حول من سيقود هذه الأمبرطورية أو سيكون مركزها، وهو ما عرف بالصراع حول زعامة العالم، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كي تنخرط بلدان الأطراف الضعيفة، وتصبح تابعة للمركز، يجب تفتيتها قسرا أو بفعل حتمية توسع رأسمالي، خاصة في المجال الثقافي، وستكون الثقافوية هي الآلة التي سيتم بها ذلك، ونقصد بالثقافوية تحول المكونات الثقافية للأمم إلى أيديولوجيات متعصبة مثل تحول الإسلام مثلا كمكون ثقافي إلى أيديولوجية متعصبة هو الإسلاموية، لأن كلما تطورت العولمة الرأسمالية وما رافقها من عولمة ثقافية خاصة في نمط الإستهلاك كي تتوسع أسواق السلع التي يعيش منها الرأسمالي في الغرب، كلما قابلها رد فعل قوي يتمثل في الإنغلاق والتعصب للهويات التحتية، هذا ما يعد أحد عوامل ظهور التعصب الديني مثلا في العقود الأخيرة، الذي أتخذ أشكالا معيشية تبدو كأنها رفضا لنمط معيشي وإستهلاكي وثقافي غربي، وهو ما يؤدي إلى تعصب هوياتي تحتي داخل الأمم ، لأن أي أمة كانت هي في الحقيقة لها هوية ثقافية مركبة، بمعنى أنها متعددة المكونات والمقومات، وهذا التعصب يؤدي إلى ردود فعل ثقافية داخلية، مما يؤدي إلى التفتيت الثقافي للدول المركبة الهوية أو المتعددة الطوائف والإثنيات، وهو ما من شأنه أن يدخلها في فوضى وحروب أهلية، مما يؤدي في الأخير إلى تدخل القوى الكبرى لإعادة الإستقرار والأمن حفاظا على مصالحها وتحت غطاءات شتى، فتصبح هذه الدول تحت السيطرة المباشرة وغير المباشرة لهذه القوى الكبرى برضا الشعوب التي تبحث عن السلم والآمان، وستكون منبهرة بالنماذج الغربية، خاصة الأمريكية منها، وبذلك يتم فتح الطريق التدريجي لإنخراطها في الدولة الرأسمالية العالمية التي هي في طريق التشكل، وسيتم ذلك كله عندنا بعد ضعف المخيال الديني عند العرب والمتعلق بالإعتقاد بأن النموذج الإسلامي هو الكفيل بتحقيق النهظة من خلال شعارات"الإسلام هو الحل" بعد ما يدخل التطرف الديني العرب والمسلمين في دمار ذاتي، وقد أشار فرانسيس فوكوياما الذي يقول بنهاية التاريخ طبعا من ناحية الأفكار بأن النموذج اللبيرالي الغربي أنتصر نهائيا بعد الحرب الباردة، ولم تبق أمامه إلا بعض المقاومات في العالم الإسلامي من خلال ما يسميها بالأصولية الإسلامية .
لكن السؤال المطروح، والذي لم نجد له تفسيرا هو هل ما يحدث في مايسمى بالعالم العربي من فوضى هو حتمية للتوسع الرأسمالي أم تم إسراع ذلك بفعل فاعل، خاصة أن هذا العالم يمثل مركزا هاما من أجل زعامة العالم بحكم موقعه الإستراتيجي وتحكمه في النفط الذي هو شريان الإقتصاد العالمي إضافة إلى سوقه الواسعة، وكي تسود الفوضى ويؤدي إلى الإنفجار لا بد من تشجيع الثقافات المغلقة التي تثير التعصب والتعصب المضاد، مثل أفكار الوهابية والسلفية والقومية العربية المتعصبة والإقصائية، ويبدو أنه هنا مربط الفرس بتشجيع التيارات الدينية على أخذ السلطة وركوب ما يسمى بالثورات أو الربيع العربي لحسابات إستراتيجية دقيقة جدا.
قلنا فيما سبق بأن التوسع الراسمالي سيؤدي إلى تفتيت الدول بإثارة الهويات التحتية للشعوب وتفجيرها عرقيا وطائفيا بفعل الضغط الثقافي الغربي الذي يدفع الشعوب إلى الإنغلاق والتعصب لحماية هويتها، لكن ستؤثر سلبا لأنها تبعدها عن الحداثة، وتدفعها إلى حروب هوية بداخل الدول لأنها في الحقيقة تتكون من هويات مركبة.
ومن أكبر الشعوب التي تعاني من هذه المشكلة هي شعوب منطقتنا ولتوضيح ذلك ننطلق من طرح الباحث سمير أمين في المجال الإقتصادي ونظريته "التبادل اللامتكافيء".
يقول سمير أمين بأن عجز العالمين العربي والإسلامي عن الإنتقال إلى النظام الرأسمالي في العصور الوسطى رغم بروز رأسمالية تجارية، يعود إلى نمط الإنتاج السائد عندهم الذي كان خراجيا مكتملا من الصعب جدا تحويله، على عكس الإقطاع في أوروبا الذي كان مرنا بسبب عدم إكتماله، وبالتالي تم تحوله بسهولة وإنتقاله إلى الرأسمالية ثم الثورة الصناعية، ومانتج عنها من تقدم أوروبي وغربي على عكس العرب والمسلمين.
وسنحاول نحن نقل هذه النظرية من المجال الإقتصادي إلى المجال الثقافي، حيث يبدو أن الثقافة العربية، خاصة المشرقية منها قد أكتملت، وأخذت نوعا من القداسة بسبب إرتباطها بالدين الإسلامي وبلغة يعتقد أنها مقدسة، وبالتالي أصبحت ترفض أي جديد يطرأ عليها وتنظر إلى الثقافات الأخرى بإستهجان وفي بعض الأحيان ثقافة كفر وإلحاد، وبتعبير آخر أصبحت ثقافة صلبة يصعب إنخراطها في العولمة الثقافية وتفاعلها مع المستجدات، فهنا ينشأ التعصب والإنغلاق أو ما نسميها المكونات الثقافية التي تتحول إلى أيديولوجيات وهويات مغلقة ومتعصبة مما يؤدي إلى ردود فعل متعصبة أخرى، فتولد ما يمكن تسميته بالفوضى على أساس الهويات كما طرحنا ذلك عندما أشرنا إلى التوسع الراسمالي وتفتيته لدول الأطراف.
ومن جهة أخرى يجب أن نضع في أذهاننا ان تهديد الأمن الإستراتيجي للدول المغاربية قد تغير الآن، ففي الماضي كان دائما الخطر يأتينا من الغرب منذ الرومان مرورا بالوندال والبزنطيين والإسبان والفرنسيين، أما الذي يأتينا من الشرق فعادة ما ننظر إليه نظرة إيجابية، خاصة بعد إعتناق أجدادنا الإسلام وأصبحوا ينظرون إلى المشرق بنوع من الإنبهار بحكم أنه مصدر الإسلام وأن الحجاز هي موقع الآراضي المقدسة.
لكن الغرب أدرك اليوم جيدا أن شعوبنا تنظر إليه بحذر وشك، وبأنهم أعداء، ولهذا غيروا الإستراتيجية، فأصبحوا يستخدمون ما يمكن أن نسميه حصان طروادة، فيضربوننا بإخواننا في المشرق العربي بواسطة أفكار وأيديولوجيات مدمرة كالأفكار القومية العربية المتعصبة والعنصرية كالبعثية ومفاهيم دينية بالية، أي بتعبير آخر اصبحوا يستخدمون حتى الكثير من الأيديولوجيات الدينية وذلك منذ أن قال بريجنسكي كلمته الشهيرة "أن من يختطف الإسلام يسيطر على الشرق الأوسط".
ومادام أن الخطر الداهم بدولنا المغاربية اليوم يأتينا من المشرق العربي سواء بمحاولات غربية إستخدام الأيديولوجيات المشرقية لضرب وحدتنا أو بواسطة ثقافة مشرقية مغلقة وصلبة لا يمكن لها الإنخراط المرن والذكي في العولمة كما فعلت بلدان غير عربية كتركيا وماليزيا مثلا.
ولهذا يجب علينا القيام بالقطيعة الذكية والمرنة مع الثقافات الآتية من المشرق العربي، وذلك بالعودة إلى ثقافتنا المغاربية بكل مكوناتها خاصة في أبعادها الأمازيغية والدينية كالتصوف، لأن ذلك يبعدنا عن الإنغلاق، وعن التأثير المشرقي الخطير جدا على شبابنا، لأن الحروب اليوم تقام في الأذهان وفي العقول، كما أننا نحتاج إلى ثقافة مرنة ولينة، أي ليست صلبة ومنغلقة، مما يسمح لنا بالإنخراط الذكي في العولمة مثل العديد من الدول الإسلامية الغير عربية.
ويجب أن يتم ذلك كله في المدرسة ووسائل الإعلام وفي كل النشاطات والمنابر الثقافية في المجتمع الجزائري، وذلك من خلال عدم تكرار الخطأ الفادح الذي أرتكب في العقود الأولى للإستقلال عندما أكثرنا الحديث عن الغزو الثقافي الغربي في نفس الوقت الذي شرعنا فيه فيه الأبواب لغزو ثقافي مشرقي بدل العودة إلى ثقافتنا الجزائرية بكل مكوناتها، ويبدو أنه كان أحد الأسباب لبروز الإرهاب بقوة في تسعينيات القرن الماضي، ولازال يهددنا اليوم بفعل الإنتشار القوي لأفكار الوهابية السلفية، حتى ولو أعتبرت نفسها علمية، لكنها في الحقيقة ما هي إلا مجرد خلايا نائمة للإرهاب ستبرز بقوة بمجرد ما تضعف الدولة .
ولمواجهتها لابد من إعادة النظر بشكل عميق في سياساتنا الثقافية والتعليمية والإعلامية بالتركيز على الهوية الثقافية المغاربية وتاريخها العريق وإعتبار المشرق مثل الغرب أعداءا محتملين لدولنا المغاربية، خاصة وأن الغرب أصبح الآن يضربنا بالمشرق، لكن هذا ليس معناه عدم التفتح على الآخرين، لكن يجب أن يتم من موقع قوة، أي بعد ما نتجذر في هويتنا وثقافتنا المغاربية، ولما عدم تحويلها أيضا إلى مصدر إلهام وتأثير على شعوب العالم الإسلامي كما تفعل تركيا اليوم، وهو ما يحتاج إلى فعل ثقافي وإعلامي إستراتيجي كبير جدا ومدروس بدقة علمية متناهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على المحاولة
Jugurtha bedjaoui ( 2015 / 3 / 16 - 22:15 )
شكرا على المحاولة وقد اصبت في كثير من النقاط المدرجة في المقال ولكن ارى قد خانتك الشجاعة قليلا لتذكر السبب الموجع في صميم المجتمع الجزاءري خاصة عندما تنكر لثقافته وموروته و عاداته وسار على على خطى الجهل والتخلف المشرقي والخليجي مند الاستقلال الى يومنا المشؤوم كان بودي ان تقولها وبصوت عالي نحن امازيغ ولنا موروثنا وثقافتنا وعلينا صيانتها وخاصة عندما يكون الكاتب هو رابح لونيسي المثقف الشجاع الدي يستطيع ان يكتب وبكل جرأة وقد تعودنا منك الا الصح ياخو ٠-;-٠-;-٠-;-٠-;-٠-;- تحياتي

اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش