الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص الإبداعي بين امرأتين

مختار سعد شحاته

2015 / 3 / 16
الادب والفن


نصٌ بين امرأتين " الجزء الأول"

* المقال سيجيء على حلقات، والحلقة الأولى تلك أول حلقات المقال، وبعض تلك الدراسة.
من إشكاليات الإبداع العربي:
يظل الواقع الأدبي العربي يعاني من إشكاليات مترابتة في حين ولصيقة في آخر، ليبقى من أهمها إشكالية المصطلح، وما لها من ظلال حول إشكالية الترجمة، ثم تأتي إشكالية أخرى عن أزمة النقد ومدارسه، والطرائق التي يسلكها كل ناقد، ومحاولات الانتصار لمدرسته عبر نصه النقدي بشكل واضح أو بشكل خفي.
الإشكالية الأولى، يمكن أن ندرج تحتها "الكتابة النسوية"، وهنا في المقال لسنا بصدد التعرض للمصطلح ومبرراته من عدمه، لأنه يبدو أن كل فريق بما ذهب إليه فرح غير متنازل، ومغفلا أن ذلك الاصطلاح في النهاية –ربما من وجهة نظري الشخصية- لا يعني المنوط بالعمل الأدبي والمنتج الإبداعي بشكل عريض، وهو المتلقي، ولعل في ظاهرة مصطلح آخر هو "البيست سيلر" ما يؤكد ذلك، فهناك كثير من الأعمال حققت مبيعات ضخمة لكن قيمتها النقدية تم الاختلاف عليها، بل تمّ الهجوم عليها بشكل ناسف طال من شخص المبدع نفسه. وأما حول الإشكالية الأولى فيبدو أنها لن تنتهي وأنها أساس في عملية الإبداع النقدي ذاته، ومشكل حيوي في إمتاعه واستمراره.
حين تكتب المرأة:
في هذا المقال؛ سأميل - مجازًا- إلى مصطلح "الكتابة النسوية" فقط لتأسُس المقال على كتابات لمبدعات مختلفات، والنظر حول طبيعة النص الإبداعي لهن، من بيئات مختلفات، وإن كان بينهن قاسم مشترك هو "المحلية"، أو "الجغرافية" التي حكمت وأثرت في تشكل وتشكيل النص الإبداعي، وفرضت ظلال إن جازت لها علاقة بإثنيات أو قيم حاكمة ومحوكمة في طبوغرافية هؤلاء المبدعات. ولعل تلك الأسس وغيرها ساهمت في تشكيل وعيهن الكتابي، إلا أن ذلك موصول بظلال مجتمعية في غالبها، وهو ما يشغلني أكثر في هذا المقال.
ليكن للمقال دائرة أوسع سنحدد جغرافية كل كاتبة، وليكن للمقال خصوصية أدق سنحدد سمات خاصة لكل كاتبة، والبداية التي يجب أن ننطلق منها أن المقال الذي سيناقش نصوص خمس كاتبات، من مناطق جغرافية كلها في مصر، خلا واحدة ليبية لكنها استقرت بمصر أخيرًا.
دعونا نسألهن لماذا يكتبن؟
الإجابة ستجيء نمطية عن فكرة التحرر، وفكرة الخروج من العالم الضيق إذ عانت الخمس من أزمة جغرافيتها ومجتمعها بشكل ما، وهو ما سنراه في النصوص التي سنمثل لها هنا. لكن في خلفية هؤلاء المبدعات سنجد خطًا عريضًا مشتركًا، يمتد إلى ثقافة مجتمعية طاغية في الجعرافيا التي تحكم تكونهم الأدبي أو تساهم في تشكيلهن الإبداعي. فالخمس كاتبات اتفقن على اصطلاح واحد "ذكورية المكان"، ومعاناتهن المختلفة بدرجات ترى في مجرد الكتابة أو الإفصاح عن اسمها وكتاباتها عارًا يجب أن يردعها الرجال لأجله. وهو ما أجده في لجوء اثنتين منهن إلى أسماء مستعارة، فواحدة عرفت كتاباتها بتوقيع "زهرة البنفسج"، والأخرى "نور الشرق".، بينما الثلاث الأخريات عرفن عن أنفسهن بأسماء حقيقية، ولم يخفين رغبتهن في إعلان ذلك، وهو أمر مشفوع بالمكان أيضًا.
زهرة البنفسج، ونور الشرق:
ادعت الكاتبتان الناشئتان بأنه أمر جلل إن كشف المستور عن اسمهن، رغم كل هذا الانفتاح والعولمة التي نخرت في عظام الأرض، وهو أمر في أصله مردود على حد مخاوفهما لهـمٍّ إثنيٍّ، وحسابات عن القبيلة والنسب، فالأولي "زهرة البنفسج" من قبيلة "العباسيين" بأسوان، والأخرى "نور الشرق" من قبيلة مشهورة بدرنة في ليبيا.
عانت الكاتبتان من أزمة الالتباس التي يقع فيها المتلقي، حين يُصر في مجمعهما على خلع كل تفاصيل الكتابة على شخص المبدعة الحقيقية، والتي لا يجوز لها بحال ان تعلن عن أبسط رغباتها وأكثرها شغفًا لكل أنثى تعيش هناك، إذ يُحرم عليهن مجرد التصريح بالمحبة، أو الحلم في لقاء هذا الحبيب، فتجد أغلب نصوصهن هناك –كما مع المبدعتان- يغازل ذلك الحبيب الغائب الحاضر في كتاباتهن فقط، ويسيطر حلم الحب، أو الحرية في العيش حياة حرة هو الهمُّ الأكبر.
هذا ما يشكل لديهن نوعًا من حياة موازية لتلك الأنثى التي تقررأن عالم الكتابة هو خلاصها الأكبر، فمثلا زهرة البنسفج –وهي كاتبة قصة- تقول:
- "الضياع يبدأ من عدم تقرير مصيرك"،
وهذه الجملة تقولها لنفسها قبل أن تقولها للأخريات ممن تكتب إليهن رسائلها، إذ ترى في حياتها الكتابية الموازية فسحة في حياة تحلم بها، وتجعل أهم مقوماتها تلك اللحظة التي تمتلك فيها قرارها، وتعلل لكل حياتها وتربطها بتلك الخيبات التي تضربها في حياة واقعها وتنعكس على عالم كتابتها السري، فتقول:
- "لم يكن البنفسج حزين الا على قدره وخيباته"
قررت زهرة البنفسج لنفسها تلك الحياة الموازية التي انتصرت فيها، وعالجت كل خيباتها على مهل في تلك الكتابات التي أشارت إليها بجملتها الأخيرة، لكن حين ننظر إلى الأخرى "نور الشرق"، سنرى نفس الحياة الموازية إلا أنها حياة أكثر صخبًا، تطلق لروحها عنان الأحلام، ولا تكتفي بذلك بل تتخطاه فتصرح برغباتها التي لن يسمح بها المجتمع تحت أي حال، تقول في قصيدة:
- "فلا تشعر برهبة
ودعنا
نعيش الحياه
فبين حشائشي تختبأ رغبة"
حتى أنها تقرر ان حياتها –تلك الكتابية السرية- لن تحملها خيبات واقعها المامول، فتقرر:
- "فلم يعد قلبي كما كان
جرحته، فأدميته، فكان الأمر
كالحجمان !
طغيانك أجبرني على
تجاهلك و نسيانك"..
هكذا قررت واحدة أن تتماسك، وتظل على حال الرضا في تلك الحياة، وتكتفي فقط بمجرد الدعم لنفسها، بينما الأخرى قررت ان تطلق العنان لنفسها إلى أقصى مدي وبما هو غير متاح في عالم واقعها، تقول "نور الشرق":
- "يطارحني النهر الغرام
و تراقصني النسمات و تدفعني
الريح الهائجة القوية
بكل رومانسية
فتتناثر فوقي الأزهار
و القمر يغار
فأواعده سرا"
بعيدًا عن القيمة الأدبية والتنظير الكتابي للمثالين، إلا أنهما بقراءتهما بشكل دقيق، ستجد تلك الحياة الموازية، وكيف تشكلها كل واحدة منهما، بل وتعلن عن كل أملها في تلك الحياة حتى ولو كانت غير مسموحة في مجمعهما الذكوري الذي سلبهما كل شيء، حتى الحق في الحب:
- "علميني الحب إني
في علوم الحب أمي
الثمي فاهي بشفاهك و اسقي
رمضاءي بمياهك و..
طوقيني بذراعك و...
احضني صدري و ضمي
علميني الحب إني
في علوم الحب أمي
علميني كيف أمحو
أثر عطر حين أصحو"
هكذا ستكون الحياة السرية الكتابية لهن في هذه المجتمعات المحافظة، شديدة الخصوصية والمرهونة بحسابات القبيلة والشرف والنسب، وكلها لا تسمح لهما بمجرد الكلام بحقيقة ما يعتمل في دواخلهما النسائية، او مجرد التصريح بأحلام ورغبات من أصل تكوينهما الإنساني المجرد، أحلام الحب، والقبلة، والحضن، والحبيب.
- الخوف من الكتابة وتعرية المجتمع:
لماذا إذن تلجأ الكاتبتان إلى تلك الاستراتيجية؟، ولماذا تعين عليهما كل هذا الإرهاق والسرية في تلك الحياة؟ لعل جرأتهن البين بين التي نجدها في كتاباتهما، تفسر لنا الحال، وهو حال –أظنه- يمكن تعميمه بدرجة ما على كثيرات ممن يكتبن في هذه الطبوغرافية، والتي يرى ساكنوها ان مجرد إفصاح المراة عن رغبتها، هو كل العار، والرغبة هنا تشمل كل الرغبات، وهو ما يخرج عن حدوده بعضهن في النادر ممن يسكن المدن الكبيرة المنعزلة، لكنه سمت للأخريات في الريف البعيد أو القبيلة المعزولة في صحراء وتخوم المدن الكبيرة تلك.
اللغة والمفردات الكتابية في تلك الحياة السرية:
تظن الكاتبتان بأن لغتهما جريئة لمجرد أن تضم مفردات مثل "القبلة"، "الحضن"، أو "الرغبة"، والحقيقة أنها مفردات طبيعية وبسيطة، إلا أنهما ارتكنتا إلى الخلفية الاجتماعية والقبلية التي رأت في التصريح ببعض تلك المفردات عار جلل، ويلزم معه تأدب المرأة تأدبًا مجتمعيا يليق بنسب وقدر جماعتها وعصبيتها، وهو في حقيقته لا يخرج عن كونه فطرتهما وبراءتهما التي تخشى من مجرد التصريح بالرغبة في تلك "القبلة" أو ذاك "الحضن". إلا أن اللافت أن كلتا الكاتبتين تعتبران أنفسهما جريئتان لمجرد القدرة على استخدام وتضمين تلك المفردات البريئة.
ولعل ذلك ما يجعل الكثير من تلك الكتابات تجيء مباشرة، وخطابية بشكل كبير في مجملها، وهو ما يلائم تلك الحياة السرية الكتابية الموازية التي تعيش فيها الكاتبة، وتخاطب فيها إثنيتها وذكورية مجمتعها، وعرفها وغالبًا ما تخرج فيه شعورها بالظلم ومظلوميتها التي دفعت بها إلى ذاك الهروب الكبير كما تظنان.
تظل تلك الرغبة في الخلاص من قيود المجتمع دافعة لهما ولغيرها أملا في الخروج من دائرة واقعها المنغلق، وحلمًا بتحقيق ذاك التحقق الذي تراه بعيد المنال عنها في هكذا مجتمعات.

وللحديث بقية في الحلقة التالية.


مختار سعد شحاته
Bo mima

مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو