الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية السوشال ميديا

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2015 / 3 / 17
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


بإمكانك صديقي القارئ أن تقوم الآن بأخذ صورتي الشخصية المرفقة بهذا المقال مثلا، وتستخدمها لعمل حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، وتضع اسمي الثلاثي، وتضيف عددا كبيرا من الأشخاص، ثم تبدأ بنشر كلام من أي نوع على لساني. وحتى تؤخر معرفتي بالأمر، يكفي أن تبحث عن حسابي على ذلك الموقع وتحظرني عليه.

وإلى أن يصلني خبر ذلك الحساب المزيف، وأقوم بالتبليغ عن انتحال شخصيتي عبر سلسلة إجراءات تستغرق وقتاً وقد تنتهي بامتناع ذلك الموقع عن إزالة الحساب الملفق كوني لم أقدم أدلة كافية بالنسبة لها على أنه ملفق، تكون قد نجحت في تلطيخ سمعتي، خاصة لو كنت حذقا بما فيه الكفاية خلال تلك المدة لترسل كل منشورات الحساب الملفق الى مواقع اخبارية صفراء زوارها بالملايين (شاهد فضيحة الفنانة فلانة، كافية لجذب الزبائن)، فينشر ذلك الموقع "أردني يدعو إلى هدم البتراء مثلا" ويبدأ على النحو "دعا شخص أردني يدعى محمد عبد القادر الفار عبر حسابه على أحد مواقع التواصل إلى هدم البتراء".

ومثل ذلك الخبر هو من النوعية التي تضرب بسرعة ولا تستبعد أن يصبح trending، فهو مثير ومسلّ، مهما كان صاحب تلك الدعوة مغمورا، ومهما كانت دعوته ساذجة ولا يفترض الوقوف عندها، فالخبر مثير ويجب نشره والسخرية من صاحب تلك الدعوة، والتفنن في ذلك إن أمكن، ولا حاجة للتأكد من أي شيء، وهل هناك أي شيء مؤكد في عالم سمسم هذا المسمى إنترنت، وهل هناك حقوق تُحفظ أساساً؟

فإلى أن يصلني خبر بالموضوع، وأهدد الموقع الأصفر، ويتدلل الموقع بدعوى أنه حر وصاحب مبدأ ولا يخضع للتهديد، ثم يزيل الخبر، أو يتمادى صلفاً فألجأ للقضاء، تكون أيضاً قد نجحتَ في تشويه سمعتي، وبرافو. هل لاحظتَ كم هو سهل أن تضرّني أو أضرّك في هذه السنوات الخداعات. لقد أعطيتك وصفة سهلة في بضع دقائق.

هل سأعود مجددا لطرح جدلية العلاقة بين الحرية والعدالة؟ أو بين الحرية والأمن؟ ... إنّ طبيعة التقدم هي إطلاق العنان، لإتاحة الظهور لكل الاحتمالات الممكنة، وكل الأمراض الممكنة، وكل الخطابات الممكنة. وكل هذا لا بد أن يخلق صراعات وصراعات، يقلّص فيها المتغلب حريات المغلوب، فيغلي المغلوب، إلى أن ينفجر بعد حين، وينطلق العنان، وتعود الدائرة.

وتخيل يا رعاك الله أن تبلغ بي المحافظة والرجعية أن أطالب بأن يكون للجهات الأمنية دور في تسجيل كل شخص على أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحيث تكون الامور واضحة، فلا يُفتتح أي حساب ولا أي صفحة ولا أي موقع، إلا وصاحبه مسجل بشكل رسمي ومن خلال هوية مدنية، ويتحمل بالتالي المسؤولية كاملة عن كل ما يقوله، أو أن أطالب باعتبار أن تتبع أي محاولة لانتحال أي شخصية في هذا الفضاء الإلكتروني هو أمر ملح وجاد.

تخيل ردة فعل موقع قد يخسر الكثير من مرتاديه من مبتغي التسلية غير البريئة والأسماء المستعارة ومغامرات الإنترنت غير المتاحة لهم في واقعهم الجاف. وتخيل كم ستقل الإعلانات. بل تخيل أن يخسر تجارته الأهم: بيع معلومات الناس لأجهزة الاستخبارات الكبرى (سنودن مثلا كشف أن هذه المواقع تقوم بذلك، ولكن مدمني التواصل أصروا على مواصلة كشف أنفسهم، والله لا يقطع لحدا عادة) ليصبح التسجيل في هذه المواقع عملية بيروقراطية تحصل عليها الحكومات بالضرورة.

لا بد أن تبقى هذه الأطر رخوة، حتى يتاح استدراج كل الممكنات. فأنت لا تحتاج إلى ضرب ولا تهديد لحمل مدمن خمر أو مخدرات على الإفصاح عن كلّ بلاويه، لأن من يفقد السيطرة على نزعاته ورغباته يكشف خباياه بمنتهى السهولة، ويأتي إليك بقدميه، ويسقط نفسه بنفسه، والسر مكتوم فقط عند خيار الناس.

حين كان الإنسان يرسل الرسائل عبر البريد في ما مضى، كان يمكن أن يكتب خطابا فظا، ثم يمزقه، ويكتب غيره، وقد يتراجع وهو في الطريق إلى صندوق البريد....هناك عدة فرص قبل صدور النسخة النهائية .... اليوم مع الرسائل الفورية والمنشورات، والتريندنغ والهاشتاقات، وتوالي الإعجابات، وتدفق المشاركات من المتابعين والمتابعات، تم إفلات اللجام.... ولم يعد من السهل احتباس أي فكرة، أو أي غريزة ... بل إن ما كان يتم بضغطة قبل سنوات قليلة، أصبح اليوم يتم بلمسة ... عن طريق تقنية الtouch

وفي الحروب، في القتال،،،، كان القتل يحتاج إلى قطع مسافات طويلة تحتاج أياما وأشهرا... وكانت عملية القتل نفسها تحتاج إلى حمل سيف ثقيل أو رمح طويل.... كانت فرص التراجع، أو حتى إصابة الآخر نصف إصابة واردة ..

اليوم حتى هذا أصبح يتم بكبسة زر.... دون الاضطرار للتعامل المباشر مع الدماء .... كبسة زر من مكان مغلق فوق السحب... كافية بإسالة دماء وقطع رؤوس قد يشمئز المرء من قطعها بيديه وإسالتها بنفسه يدويا... وقد يتراجع ... أصبح الإنسان مباشرا أكثر مع غاياته... فإذا كانت الغاية القتل، فإن إجراءات القتل التي قد تجعل المرء يتراجع رفقا أو اشمئزازا، قد تم اختصارها...

إن مسارالتقدم بشكل عام يستدرج كل هواجسنا وغرائزنا للخروج... يستدرج العقل الباطن ليخرج إلى حيز الفعل المباشر، بدلا من إنتاج تراكمات الكبت والتأجيل ....

إننا في الطريق لنصبح مباشرين مباشرين جدا ... وحين نشعر أننا كشفنا أنفسنا تماما، وخسرنا خصوصيتنا، وأجرمنا في حق أنفسنا حين تركنا صورنا وأسماءنا في متناول من لا يراعون في الناس إلّا ولا ذمة، وعندما نكفّ عن المكابرة، ونعترف أنه لا خير في كثير من نجوانا (خاصة على مواقع التواصل)، عندها فقط قد تنتهي السوشال الميديا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فشل المفاوضات بين طلاب معهد العلوم السياسية في باريس وإدارة


.. غزة ..صالة أفراح تتحول لمركز إيواء لمرضى السرطان وفشل الكلى




.. بيل غيتس للعربية إنجليزي: السعودية وأميركا ومايكروسوفت أكبر


.. الأقمار الصناعية تكشف ثكنات عسكرية للحوثيين تحت الأرض




.. مقابلة خاصة مع مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس