الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغة الجزائري

رضا محافظي

2005 / 9 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أعاد الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى السطح ، في خلال التجمعات التي يرأسها في إطار حملة المصالحة الوطنية التي يقودها هذه الأيام ، معضلة ابتعاد الجزائريين عن الاستعمال الصحيح للغة العربية و استعمالهم المفرط للمفردات الفرنسية خلال الحديث بالعامية الجزائرية بدل المفردات العربية .

لم يبتعد الرئيس عن الحقيقة قيد أنملة و قد لمس بإصبعه هنا الجرح ذاته الذي كان يؤلم على مدى عشرات السنين ضمائر الصادقين في هذه البلاد من علماء و مفكرين و ساسة و غيرهم .

لقد كانت الجزائر في وقت مضى الرحم التي وضعت للوجود رموزا من العلماء في اللغة العربية و مختلف باقي العلوم و كانت مؤلفات هؤلاء منهلا ينهل منه القاصي و الداني من العرب و العجم . و ليس التدليل على ذلك بالصعب أو العسير و يكفي فقط الرجوع إلى رفوف المكتبات الرسمية و غير الرسمية في الجزائر و في خارج الجزائر لرؤية الأعداد الهائلة من نفائس الكتب و المصنفات التي ألفها كتاب جزائريون في الماضي البعيد و القريب على حد سواء .

غير أن الجزائر ابتليت في بداية القرن التاسع عشر باحتلال عسكري فرنسي كرس مجهودات كبيرة و إمكانيات ضخمة من أجل محو الشخصية الجزائرية من الجزائريين و من أجل طمس معالم تلك الشخصية و قطع كل ما يربط الجزائريين بماضيهم و تقاليدهم بما في ذلك لغتهم العربية . و ليس افشاء للسر القول أن السلطات الفرنسية قامت أول ما وطأت قدماها الأرض الجزائرية بجرد كامل للزوايا (الكتاتيب) عبر كامل التراب الوطني من أجل معرفة ما يجب اتخاذه من تدابير بشأنها كونها كانت آنذاك المراكز التي يستقي منها الجزائريون بمختلف فئاتهم الاجتماعية مختلف العلوم المتعلقة بالعربية و الدين . و قد تم ذلك فعلا و تم تحويل تلك الزوايا من مراكز إشعاع علمي إلى مراكز تخدير لعقول الجزائريين و قتل لعزائمهم و مصادر لزرع كل أنواع التضليل و التجهيل . و في إطار ذلك تم قطع علاقة الجزائري بلغته العربية على مدى عشرات السنين و تم مصاحبة ذلك بإجراءات قمع و تجويع رهيبة جعلت محافظة الجزائري على حياته أهم من أي شيء آخر .

لكن للكون نواميس و من بينها أن الظلم يتكئ دوما على عصا لا تحمل صاحبها أبد الدهر . فكان أن نهض من بين من أبناء الجزائر من كرس حياته لارجاع ما فقده الجزائريون من عناصر الهوية و لمجابهة مشاريع المستعمر و من بينهم العلامة عبد الحميد ابن باديس و زميله الشيخ البشير الابراهيمي . مجهودات هؤلاء كانت ذات خير أكيد و نتائج محمودة و من بينها إعداد الجيل الذي أصر على إخراج المحتل من الأرض المغتصبة كأول خطوة لاعادة الأمة إلى نهجها الأصيل .غير أنه لم يكن في إمكان الشيخ عبد الحميد ابن باديس و لا في إمكان زملائه من جمعية العلماء المسلمين التي أسسها محو آثار ما كان قد كرسه الاستعمار عل مدى قرن من الزمن . لكن عملهم شكل النواة التي كان من المفروض أن تدور حولها مجهودات من ورث الجزائر بعد فك أغلال الاحتلال الفرنسي . و بطبيعة الحال فان البناء ليس بالشيء اليسير و لا بالمهمة السهلة ، و كما قال أحدهم : الوصول إلى القمة يحتاج إلى جهد ، لكن البقاء في القمة يحتاج إلى جهد مضاعف .

خرج المحتل الفرنسي من الجزائر و كان أمام الجزائريين تحديات كبيرة من بينها تكريس اللغة العربية في الواقع الجزائري بمختلف جوانبه . المهمة لم تكن سهلة و جاءت في خضم انخراط الجزائر في مشاريع سياسية مختلفة و في ظل عملية إعادة اعمار صعبة ربما جعلت من الاهتمام بتكريس اللغة العربية يفتر في فترات مختلفة . صحيح أن الجزائر استقدمت المئات من المتعاونين من المدرسين العرب من سوريا و مصر و غيرهما غير أن دور هؤلاء لم يكن يتعدى تقديم الدروس الأولية في اللغة العربية و في باقي المواد التي كان يتم تدريسها باللغة العربية و لم يكن لهم دور أعمق من ذلك يمس العمل على تعريب العمل في الإدارة بمختلف فروعها و على وضع سياسات علمية حكيمة ترمي إلى الهدف المنشود . و صحيح أيضا أن السلطات الجزائرية قامت في فترات مختلفة بمجهودات عملية من أجل فرض التعريب غير أن ذلك غالبا ما كان يصطدم برد الفعل السلبي لدعاة فرنسة الجزائر من جهة و بالنقص الكبير في الإطارات التي من المفروض أن تضطلع بذلك الدور . و في خضم ذلك بقي الفرد الجزائري يتخبط في لغة خليط من العامية العربية و من المفردات غير العربية ، الفرنسية على وجه الخصوص ، إضافة إلى مفردات من لغات أخرى . و بطبيعة الحال فان خطورة الأمر تكمن في أنه يتعدى استعمال مجموعة من مفردات فرنسية وغير فرنسية إلى قولبة الفكر الجزائري بقالب غربي ينظر إلى الحياة نظرة مختلفة كون اللغة وعاء فكري لأهلها .

و الآن و قد مر على الاستقلال (يوليو 1962 م) أكثر من ثلاث و أربعين سنة ، هل ما يزال في يد الجزائريين متسع من الوقت من أجل التصالح مع الذات و الانطلاق بعد ذلك في مسيرة التحديث ؟ أم أن الأمر لا يزال يحتاج إلى وقت أكبر في وقت لم يعد نقل المعلومة من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها بضع الأجزاء من الثانية ؟
إلى متى سيبقى الفرد الجزائري يسأل نفسه : من أكون ؟ و إلى متى سيظل اللسان الجزائري فسيفساء من المفردات التي تعجز أن تكون لغة ترقى لأن تكون أداة فاعلة للتواصل الاجتماعي و الثقافي ؟
هل يقع عبء المهمة على عاتق السلطات العمومية المكلفة بوضع السياسات الضرورية في هذا الإطار ؟ أم أنه يقع على الفرد الجزائري الذي يحتاج ضميره إلى الاستيقاظ بأسرع ما يمكن ؟ أم أن العبء يقع على عاتق الطرفين معا ؟
الشيء الأكيد أن التحديات العالمية الحالية من الكبر و الأهمية بما لا يدع مجالا للتهاون مع موضوع يمس الهوية خاصة في نظام اختصر العالم في جهاز إعلام آلي بسيط يجعل من الاحتكاك بالغير و التفاعل معه مجرد نقرات بسيطة على الأزرار من دون رقيب و لا حسيب .

رضا محافظي - الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة