الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوبها الأخضر رَفّت الشمس ثقوبه

محمد السعدنى

2015 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


فى الفكر والسياسة:
ثوبها الأخضر رَفّت الشمس ثقوبه



كلّما تقدّمت العلوم، كلّما فكّكت الإنسانيّة تصوّراتها السابقة عن الكون والناس والحياة، لتبني غيرها أخرى تتناسق أكثر مع معارفها الجديدة. لكنّه في كلّ مرحلة، هناك مجالٌ وحيد يقاوم تقدّم الأفكار ويراكم بالتالي تأخّراً كبيراً: إنّه علم الاقتصاد، حيث يخضع لرهانات السلطة وتوجهاتها، وحقبتنا الحالية ليست استثناءً في ذلك. بمثل هذا تحدث المفكر الفرنسى "رينيه باسيه" فى مقاله الرائع فى دورية "لوموند ديبلوماتيك" عن حركة العلوم والأفكار والاقتصاد، ولعله بوصفه هذا اقترب من الحقيقة أكثر مما بعد عنها غيره، فقد أصبح الاقتصاد السياسى واحداً من فروع هذا العلم، وهو مايفسر لماذا بات الاقتصاد فى عالمنا أداةً فاعلة بين يدى السياسة تحركه أنما شاءت وكيفما رأت. ولئن رأينا فى ذلك ظلم من السلطة ومن السياسة للإقتصاد، إلا أنها طبائع الأمور التى لها أحياناً جانبها المضئ إذا ماسخرت الدول إمكاناتها لخدمة الاقتصاد ووظفته لصالح الشعوب وتحقيق مجتمع الكفاية والعدل، لا للهيمنة والمناورة والضغوط والإملاء والاستغلال من جانب الدول الكبرى على حساب مثيلاتها النامية والضعيفة. خلاصة القول أنه مع اتساع نطاق ومباحث العلوم وتخصصاتها باتت تؤثر إحداها فى الاخرى، إن سلباً أو إيجاباً. وربما بدا ذلك جلياً فى مؤتمر مصر الاقتصادى المنعقد مؤخراً فى شرم الشيخ، إذ يمكننا القول بأن النجاح السياسى لهذا المؤتمر جاء مواكباً وداعماً وربما سابقاً لنجاحه فى جانبه الاستثمارى والاقتصادى. ولقد تابعنا ذلك من وقائع المؤتمر وفعالياته ونتائجه، ومن كثافة الحضور الدولى ورفيع التمثيل السياسى فى مشاركة الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء وممثلى الهيئات الدولية والشركات العالمية والمستثمرين والحكوميين والشخصيات المرموقة، حتى بدا المؤتمر كما احتفالية عربية إفريقية أوروبية آسيوية بعودة مصر واستعادة مكانتها، مصر تستيقظ من سبات وتنفض عنها غبار العطالة والتهميش والهرم، تعود كما شابة فتية معجبانية وبهية.
كان المؤتمر بهذا الزخم كما دورة انعقاد للجمعية العامة فى شرم الشيخ، يمهرها هذا الحضور الدولى الرفيع بخاتم الاعتماد علامة أصيلة على العراقة والقبول والتفوق، وجاءت كلمات المشاركين عرفاناً وتقديراً لدور مصر إقليمياً وعالمياً، وإقراراً بقدرتها على قيادة حركة نشطة وقادرة على التعاون الاقتصادى والسياسى ومشاركة العالم ومحاربة الإرهاب والتصدى لهمجية من يحاولون رد عقارب الساعة لعصور التخلف والانحدار. وكأنه استفتاء على عراقة وقدرة الدور الإقليمى والدولى لمصر، وشهادة إبراء ذمة أمام التاريخ من كل ماحاولت إلقاءه قوى الشر والكيد والمؤامرة من سخائم ونواقص وافتراء لتلطيخ ثوبها النقى وانكار ثورتها وشرعية نظامها كما ادعت آلة الإعلام المتواطئ مع التنظيم الدولى للإخوان وتوابعه فى قطر وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل.
لقد كان المشهد غنياً برسائله وإشاراته، وكما أبهر المصريون العالم بثورتى يناير ويونيو وخروجهم غير المسبوق فى التاريخ يرفضون الفاشية الدينية والتطرف باسم الديمقراطية والإرهاب باسم الدين الذى هو منهم ومن أفعالهم براء، خرج المصريون بحسن تنظيمهم وتخطيطهم وإعدادهم ونجاحهم فى هذا المؤتمر ليصححوا مفاهيماً استقرت طويلاً بين دفتى كتاب الإقتصاد، وراحوا يعلنوا لأول مرة"أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة" على خلاف ماهو معروف ومستقر ولايزال يدرس فى الجامعات ومراكز البحث والتحليل من أن العملة الرديئة هى التى تطرد العملة الجيدة، حسب قانون "السير توماس كريشام"، فقد كان حضور مصر ونجاحها طارداً لمن لم يدعوا لهذا المؤتمر، إذ طردت تركيا وقطر بما فعلوه ضد مصر ودعمهم للإرهاب، وكادت أميريكا تطرد ذاتها بحضورها الهزيل وسوء مقولات وزير خارجيتها وعدم لياقة ملاحظاته. وهكذا كان الدرس قاسياً، فالمثل العربى يقول: "من يخلط روحه مع النخالة ينقبه الدجاج" وهم غرقوا حتى آذانهم مع نخالة الأفعال والبشر، فهانوا حتى على أبسط المخلوقات وتمرغوا فى الوحل والفشل.
عودة لمقولات البروفسيور "رينيه باسيه" عن الاقتصاد إذ يخضع لرهانات السلطة وتوجهاتها، والذى بسببها راكم فى بلادنا والعالم تأخراً كبيراً، وبدا مع بارونات زواج الثروة والسلطة متوحشاً سنوات طويلة، كان فيها تابعاً هزيلاً لسياسات داخلية انتهازيةعملت على تهميش الناس وإفقارهم، وإملاءات أمريكية غربية كرست التخلف وقيم الاستهلاك والطفيلية المعادية للإنتاج والعاملة على تخليق وكلاء تجاريين "كومبرادور" تابعين للسياسات الأمريكية بأكثر مما تحتمل قيم العدالة الإجتماعية. عاشوا على أمل أن تتساقط عوائد النمو على الشرائح الدنيا التى لم يصلها من نمو قارب 8% إلا العوز والحاجة. هذا الاقتصاد الريعى التجارى الهامشى يتحول الآن بعد 30 يونيو من تبعية إقتصادية فككت القطاع العام وباعت أيقونات انتاجه الحقيقى وعطلت آلياته وسرحت عماله وأغلقت أبوابه، إلى شراكة مصرية مع كبرى الدول والشركات العالمية المتخصصة فى اقتصاديات المعرفة وتكنولوجيات العصر المتقدم، أو هكذا هو فى الطريق، ولعله "الاقتصاد" يراكم هذه المرة تقدماً يحافظ على مصالح الشعب ويلبى احتياجاته ويحقق عدالة اجتماعية لايمكن نجاح السيسى ونظامه دون تثبيت دعائمها وتمتع الشعب بعوائدها. ولعل البعض ممن أثاروا فى المؤتمر بغباء وضيق أفق رغبتهم فى بيع ماتبقى من القطاع العام وشركاته أن يراجعوا عبرة يناير ويتعلموا الدرس ويعرفوا أننا انتصرنا فى أكتوبر بفضل القطاع العام الذى لولاه لما وقفوا فى الصفوف الأولى بمؤخراتهم الغليظة يتشدقون بالهراء.
لقد جاءت بشارات النجاح المتوقع للتعاقدات والتعهدات التمويلية والاستثمارية فى هذا المؤتمر علامة على تسخير آليات السياسة للاقتصاد، وتأملوا مشهد "الفينالة" فى ختام المؤتمر ومستقبل مصر ودعائمه من الشبان والبنات يلتفون حول رئيسهم يحدوهم الأمل ويملأهم التطلع إلى قادم أفضل وأرحب مماهم فيه. لقد كانت صورة موحية ملهمة والرئيس يختتم المؤتمر والشبان يتقافزون حوله فرحاً، وعليه أن ينبه حكومته ورجاله ويعلمهم كيف يحافظون على إلتفاف الشباب حوله ومشروعه الوطنى للتحديث والنهضة والتقدم، وليدرسهم أن هذا الوطن نحن نملكه ونحن شركاء فيه، وعلينا جميعاً أن نستفيد من عوائده بعدل، وألا يقع على الفقراء والبسطاء وحدهم عبء التنمية والإصلاح الاقتصادى، وهكذا تكون مصر التى خلقت لتعيش بحرية وعدالة وكرامة.
بينما أتابع مصر ترنو فرحاً، تفكك تصوراتها السابقة وتعاود بالعزم والعمل ترميم الصورة، هتفت من أعماقى كلمات أبوالنجوم رحمه الله: آدى مصر، ياللى شككتم فى مصر، خارجة تعلن ع الملأ كلمتها مصر. مصر التى بلى ثوبها الأخضر جراء سنوات عجاف، فإذا بشرم الشيخ رفت الشمس ثقوبه.
___________________________________________ دكتور محمد السعدنى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج