الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على القطاع الخدمي

سعيد حسن السعيد

2015 / 3 / 18
الحركة العمالية والنقابية


لماذا في البداية نتولى هذه القضية بالاهتمام الشديد و خصوصا في تلك الفترة؟ بلا شك نظرا لاهمية القضية في الوقت الحالي, حيث ان فئة العاملين في قطاع الخدمات لم تكن بهذا الاتساع الشديد في وقت ماركس ولا قبله , ولم تكن تشكل بأي حال اساس المجتمع ولا قاعدته العريضة وغير هذا الكلام الذي يمر على مسامعنا بشكل يومي تقريبا, وبالتالي اصبحت قضية الخدمات قضية هامة, وتركيز المجهود التحليلي عليها لفهمها واستيعابها جيدا هو امر ضروري جدا.

والأصل في الخدمات انها بطبيعة الحال لخدمة الإنتاج السلعي, وانها طبقة هامشية لا تمثل الا جزء صغير من الطبقة الوسطى وجزء أصغر من الطبقات المشكّلة للمجتمع الحديث ككل, وتعتبر البرجوازية الصغيرة هي المشكل الرئيسي للطبقة الوسطى, وعندما تكلم ماركس عن ان الطبقة الوسطى هي اكثر الطبقات رجعية, فلم يكن يعني بذلك الا البرجوازية الصغيرة, بنمط انتاجها الرجعي.

وأحد اسباب ظهور فئة الخدمات, هو بسبب النظام الإجتماعي وفكرة تقسيم العمل, حيث انه العامل غالبا لا يكون عنده الوقت والفراغ للعلم والعمل وادارة شئون حياته اليومية في نفس الوقت, وحيث ان احتكار العلم هو مكون رئيسي في قطاع الخدمات, حيث انهم غالبا ما "يعملون" في قطاع ما من العمل الذهني, فقد اتيحت لهم الفرصة بسبب وجود والدين ينفقان بشكل كامل على الشاب حتى مرحلة التخرج مما يتيح له وقت الفراغ الكافي الذي يسمح له بالدراسة لعلم ما, وعدم التوجه الى العمل اليدوي في المصانع او اي مكان آخر.

اذن, اصبح العاملين في القطاع الخدمي بفعل النظام الاجتماعي فئة منفصلة داخل الطبقة العاملة, لها امتيازات اعلى من الطبقة العاملة الصناعية, اصبحوا مستفيدين من النظام الاجتماعي القائم, وأصبح لهم وضع طبقي مستقل عن العمال الصناعيين, حتى مع كونهم عمال مأجورين لاصحاب رؤوس الأموال, الا انهم مع ذلك غالبا ما يكون هناك فرق كبير في الأجور بين العمّال الصناعيين وبين العاملين في القطاع الخدمي, مما يسمح لهم بتراكم النقد وتحويله لرأس مال, حيث يبدأ هو مشروعه الخاص, ويتحول من مقدم خدمات الى برجوازي صغير, الا انه ما زال في اطار الطبقة الوسطى الرجعية, على عكس الحال عند الطبقة العاملة, فان طبيعة عملهم ودرجة استغلالهم وأجورهم التي يتقاضونها لا تسمح لهم بأي حال من الأحوال بتراكم النقض حتي يتحول عند نقطة ما الى رأس مال, لانه اذا اتيح للجميع امتلاك رأس مال, فما الذي سيجعله يلجأ الى العمل المأجور؟ لذلك, يجب ان تظل الجماهير في حالة من الحاجة والعوز الدائم لكي تقبل بالعمل المأجور.

وطبعا لابد لنا من التفرقة بين الخدمات, حيث انه هناك الخدمات التي تخدم العامل بشكل حقيقي, امثال الأطباء والمدرسين والصيادلة والباحثين, فهم مجرد فئة قليلة ولّاها المجتمع العامل مهمة التعلم لعدم قدرته على التفرغ بشكل كامل, ويتنازل المجتمع العامل عن جزء من حقه لهم حتى يتسنى لهم وجود الوقت الفارغ الذي يتيح لهم التعلم, فالعامل الصناعي او المجتمع العامل هو في النهاية من يصرف ويقدم الدعم لهؤلاء لكي يكونوا مفيدين له, لكن ما بال بقية الخدمات من امثال لاعبو الكرة والمخرجين والممثلين والمغنيين وغيرهم الكثير من الانتهازيين والمتسلقين والراغبين في الاستلقاء على سرير الراحة, ويأخذون مقابل مادي اعلى بكثير من العامل الصناعي, ناهيك عن تصدرهم المشهد الثقافي واعتبارهم النخبة الوطنية, ولا ننسى ايضا المكانة الإجتماعية التي يصلون اليها, ما بال كل هذا؟ ولماذا يتحمل العامل عبئ نفقاتهم ومظاهرهم المتكلفة, وما العائد عليه من كل هذا, الا ابتسامة من نكتة يلقيها ممثل, أو فرحة قصيرة الأمد من هدف يسجله لاعب كرة, يتبعها ساعات وربما ايام من الأسى في محاولة لتدبير ثمن علاج ابنه, أو تعليمه, او دفع ايجار منزل أو اقساط .. فالنظام الاجتماعي جعل الأسى شيئا طبيعيا في حياة العامل اليومية, مما جعل هناك فئة تستغل ألمه وتبيع له السعادة اللحظية مقابل المال.

وما مردود اتساع فئة العاملين في القطاع الخدمي على المجتمع ككل؟ .. مع اتساعها ترتفع الأسعار ويزداد الفقر للطبقات العاملة وذلك كالآتي: ان العامل الصناعي (البروليتاري) كان في السابق يطعم نفسه ويطعم البرجوازي الكبير الذي يستغله نظرا لامتلاكه ادوات الإنتاج, ولكن بعد ظهور وتوسع فئة العاملين في القطاع الخدمي اصبح لزاما على الطبقة العاملة ان تطعم نفسها والبرجوازية الكبيرة ومعها فئة العاملين في القطاع الخدمي .. وما دامت البرجوازية الكبيرة هي المتحكمة في فائض القيمة وطريقة توزيعه .. فهو بالتأكيد لن يتنازل عن نصيبه هو من فائض القيمة لكي يعطي أجور الخدمات, فما عليه الا ان يقلل من اجوز العاملين المنتجين من اجل دفع مصاريف الخدمات من فائض القيمة, وهذا هو الاحتمال الأول , واما الاحتمال الثاني هو ان يتنازل البرجوازي الكبير عن جزء من فائض القيمة لكي يدفع اجور الخدمات, وهذا وراد لكنه مستبعد, والاحتمال الثالث والأخير, هو ان يتم رفع اسعار السلع لكي يتمكن البرجوازي الكبير من دفع ثمن الخدمات, مع ان قيمة العمل المضاف اليها من العامل الصناعي ثابت ولم يتغير, وهذا يؤدي بلا شك الى تضخم العملة, حيث ان قيمة السلع المنتجة ثابتة لم تتغير الا ان ثمنها ارتفع, فيرافق ذلك نقص في كمية النقد المتداول, مما يضطر الحكومات لضخ اموال بدون قيمة انتاجية حقيقة تدعمها, والذي يؤدي الى التضخم في النهاية.

وهكذا رأينا كيف ان اتساع فئة مقدمي الخدمات ليس دليلا اطلاقا على استقرار المجتمع ونموه, وانما دليل على لصوصيته والغنى السريع واحتكار المعرفة وكأنه لم تكن هناك معرفة قبل وجود الخدمات!

ولن تنتهي هذه المشكلة الا بتغيير النظام الاجتماعي بحيث تقلل عدد ساعات العمل في اليوم الواحد بحيث تترك المجال والفرصة والفراغ للعامل الصناعي انه يتعلم العلوم التي يحتاجها من أجل تسيير عملية الإنتاج, فلماذا لا يكون عاملا ومهندسا في نفس الوقت؟, طبيبا وعاملا منتجا.

ولن يتم تقليل ساعات العمل الا بالتخلص من كل الفئات والطبقات الطفيلية على العامل الصناعي, فالفئات الطفيلية مثل فئة مقدمي الخدمات, والطبقات الطفيلية هم البرجوازية الكبيرة, ووجود هذا العبئ على كاهل العامل الصناعي يجعل من تمديد ساعات العمل امرا ضروريا لكي يتمكن من تحمل نفقاته الشخصية ونفقات مقدم الخدمات, ونفقات البرجوازية الكبيرة التي تستغله, فهو في النهاية من يطعم نفسه وبقية المجتمع غير العامل, والمشكلة تتجلى في ان البرجوازية الكبيرة عددها محدودو جدا, على عكس العاملين ف القطاع الخدمي, حيث يصل عددهم الى مئات الآلاف وربما الملايين, وعلى العامل ان يتحمل عبئ تكاليف حياتهم على كاهله المُثقل اصلا, فمع كل فرد يزيد في القطاع الخدمي, فإنه في الحقيقة يزيد البؤس والأسى على الطبقة المنتجة الوحيدة في المجتمع وهي الطبقة العاملة ( والبرجوازية الصغيرة, ولكننا نتكلم هنا على العمّال المأجورين ).

اما اذا اصبح افراد المجتمع كلهم عمّال منتجين, بدون وجود اي متطفلين على اكتاف من يعمل, ويتم توزيع العمل الضروري للمجتمع على جميع أفراده, فسيتم تقليل عدد ساعات العمل الضرورية لكل فرد في المجتمع مما يتيح له التفرغ بشكل نسبي والتوجه الى اهتماماته من الطب والأدب وغيره, والقضاء على الحاجة الى افراد متخصصون فقط في العمل الذهني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شركة بوينغ تكتشف مخالفات وتلاعب بين الموظفين العاملين في طرا


.. شركة بوينغ تكتشف مخالفات وتلاعب بين الموظفين العاملين في طرا




.. طلاب يعتصمون بجامعة كومبلوتنسي الإسبانية تضامناً مع الفلسطين


.. عشرات الطلاب يعتصمون داخل مقر جامعة أكسفورد البريطانية تضامن




.. احتجاجاً على استمرار الحرب على غزة.. طلاب مؤيدون لفلسطين يعت