الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين في زمن الانكفاء

عماد صلاح الدين

2015 / 3 / 18
القضية الفلسطينية



مما لا شك فيه أن المجتمعات الإنسانية حين تتسم بسمات الضعف والجهل والمرض يغيب عنها حضور الفكر والتخطيط والتنظيم والتنفيذ السليم، وبالتالي يكون الواقع حاضرا بمخرجات التخلف والتراجع وبل والانكفاء في ميادين الحياة المختلفة.
ومما لا شك فيه أيضا أن حضور الفكر والتخطيط والتنفيذ الصحيح والسليم يكون له مقدمات أساسية على صعيد القيم والأخلاق والثقافة الإنسانية القيمية الواعية كي يتحقق الجانب العملي المثمر لها .
والمجتمعات العربية والإسلامية وفلسطين جزء أصيل منها لقرون عديدة وحتى اليوم تعاني من مسألة تشوه فكرة التعامل مع المنظومات القيمية والفكرية الاجتهادية ضمن مرجعية الإسلام الحاكم لربوع المنطقة منذ فجر المشروع البكر للإسلام في منطقة الجزيرة العربية وما حاذاها وما حوليها من مناطق وأقطار، إذ أن تطبيق الإسلام وتنفيذه واقعا يعيشه الناس تأثر مجال هذا التطبيق والتنفيذ ولدواعي تاريخية بفكرة القبيلة والعصبية والمناطقية التي مقتها الإسلام وحذر منها في القران والسنة النبوية على لسان نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ونجد آثار هذه التطبيقات تراثا وواقعا نعانيه سواء وراء الانسياق الحاد والمبتدع في أحيان كثيرة وراء شكليات أو طقوس لا تعتبر شعائرية بالمعنى الشرعي للكلمة، وليس لها أولوية في الفكر الإسلامي وفي ضرورتها لبناء المجتمع وتطويره وإنمائه، أو في حالة التقديس لحوادث وقصص تاريخية لا نعرف مدى صحتها وثبوتها.
أو التغني بأمجاد تاريخية كمسلمات دون تدقيق أو تمحيص ومراجعة كافية، وما يترتب على كل ذلك من مسالة جعل الشخص البطل والسوبرمان هو المرجعية (اللهم يسر لنا بطلا ربانيا كصلاح الدين الأيوبي)، وما يرتبط طبعا بذلك من أفكار حلولية وإرجاء تحصيل الفوز والانتصار وتحقيق التحرير وتقرير المصير لجمع الناس التي تعاني الاحتلال وعذابات الظلم والاستبداد والتخلف والتراجع في غير ميدان من ميادين الحياة بانتظار عودة أصحاب الرايات السود وعودة المهدي والمسيح المنتظر .
إن فلسطين كأرض وإنسان، يقعان تحت الاحتلال الصهيوني، كانت ضحية هذا الجانب الخطير من الضعف العام الذي تعاني منه عموم المنطقة العربية والإسلامية، وما كانت فلسطين لتقع تحت الاحتلال والتطهير العرقي لولا انه كان لدينا القابلية للاحتلال ومهيأين لنكون مادة لفعل الظلم من الشعوب والمجتمعات بل والجماعات الإنسانية الأخرى.
بحسب التقديم أعلاه وكما أشار إلى ذلك المفكر الجزائري المرحوم مالك بن نبي في جملة مؤلفاته ومراجعاته الفكرية ضمن مشروعه النهضوي للحضارة العربية الإسلامية في أواسط القرن الماضي.
وفي موضوع القضية الفلسطينية ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 وما قبل وما بعده ، مرورا بقيام السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1993-1994، يرى المراقب أن وضع المرجعية كان يأخذ مكان القداسة والرمزية والمفرطة معا وهي مرجعية إما عائلية أو شكلية دينية أو حزبية أو شخصية. وما كانت المرجعيات القيمية والثقافية والأخلاقية وحتى الإنسانية إلا شكليات وشعارات وديباجات، لإضفاء القداسة والمرجعية على الرموز الشخصية والعائلية والحزبية، أي أن المضامين والأولويات تستخدم شكلا لتبرير ما و شكلي واني وفان بكل تأكيد، وبهذا انقلبت المعايير وانعكس المقال ومقامه في الوقت نفسه.
ولهذا يرى الباحث التاريخي والسياسي أن فترة الصراع مع الجماعات اليهودية ما قبل عام 1948 وتحت مظلة الحركة الصهيونية كانت تتولاه العائلات بالاسم ولغايات الوجاهة وبما يناقض المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، عائلات الحسيني والنشاشيبي وغيرهما. وكان المقاوم الأول في التقديم والأولوية هي لاعتبارات الصراع بين العائلات نفسها وليس الصراع مع الانتداب البريطاني واحتلاله لأرض فلسطين وعمله التمهيدي لأجل طرد الفلسطينيين وحلول الصهاينة الإسرائيليين مكانهم . ولذلك كانت هذه العائلات وكبراؤها البارزون بحسب الوثائق والمرجعيات التاريخية الموثوقة والتي أصبحت معروفة ومسلما بها من الناحية العلمية على استعداد للتحالف مع البريطانيين المحتلين في مواجهة الآخر الفلسطيني حتى لو كان هذا الآخر يناضل ضد الاحتلال الانجليزي ما دام أن هذا النضال في وجهته هذه يؤثر على مصالح تلك العائلات واستقرار واستمرار وجاهتها التقليدية.
والحال كذلك بعد عام 1948 وتحديدا إبان فترة الحكم الهاشمي الأردني لما تبقى من الأراضي الفلسطينية بعد احتلال الجزء الأكبر منها عام 1948 في الضفة الغربية والقدس في الجزء الشرقي منها..
حيث أن إعلان حكومة عموم فلسطين بغزة واجهه في ذلك الوقت مؤتمر أريحا عام 1951والذي جعل الولاية والإلحاق للضفة الغربية والقدس ما تبقى منها للملكة الأردنية الهاشمية، مع العلم أن حكومة عموم فلسطين ولو شكلا له من الأهمية السياسية والقانونية وعلى صعيد الهوية الوطنية الفلسطينية كثير من الاعتبار؛ لأنه يحفظ وحدة الفلسطينيين في الداخل واللاجئين الفلسطينيين في الخارج. ولكن الصراع العائلي في البلدان العربية ومنها فلسطين في ذلك الوقت له شكل آخر من الصراعات العربية العربية الرسمية وتبعيتها وتعاملها مع المحتل في سبيل تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصالح الوطنية والعربية.
ثم يتجدد الصراع والمناكفة بخصوص ما تبقى من الأراضي المحتلة عام 1967 الفلسطينية والتي أصبحت محتلة بالتاريخ أعلاه في مسالة الولاية القانونية والإدارية بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين النظام الملكي الأردني إلى أن تم فك الارتباط بين الضفتين في العام 1988 باعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمفارقة الغرائبية في هذا المضمار وتحديدا عام 2013 والذي جرى يومه اتفاق بين السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية بشأن تأكيد الولاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، وقد تم نشر نص الاتفاق أو البروتوكول في الصحف الفلسطينية المحلية الصادرة في الضفة الغربية.
ونظر كذلك إلى مسالة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ عام 1993 وحتى اليوم ، وما آلت إليه هذه المفاوضات من تقسيم للشعب الفلسطيني وتوسيع للاستيطان الإسرائيلي وتمدده على الجزء المهم والمعتبر من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وما جرى من تحويل الضفة الغربية اثر ذلك إلى معازل، وكذلك الأمر في تشريع مسالة تحول قطاع غزة إلى اكبر سجن عالمي في الحالة الزمنية التي نعيش فيها. ومع ذلك نجد أن الناس تجدد البيعة والثقة وتكيل المديح والثناء لهذا القائد الفلسطيني أو لهذا الفصيل الفلسطيني. والخطورة في هذا الموضوع ،وتحديدا بعد إغراق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بالقروض وبالترف الاستهلاكي غير المستند لأي قاعدة إنتاجية حقيقية ولو في إطار ما يسمى بالاقتصاد الذاتي أو المقاوم بحكم أن الضفة الغربية كباقي الأجزاء الأخرى من فلسطين واقعة تحت الاحتلال.
وما آل إليه الوضع من تكريس الانقسام رغم كل محاولات المصالحة ولم الشمل الفلسطيني الحزبي والسياسي والاجتماعي، رغم ذلك يجد المواطن أو المراقب من يخرج من السياسيين الرسميين والقادة الفصائليين المحسوبين والمشايعين سواء في سبعينيات القرن الماضي تحديدا فيما يخص برنامج النقاط العشر المعروف، أو تاليا مع إعلان الدولة والاستعداد للمفاوضات مع إسرائيل ودخولها عمليا في أعوام 1988 1991 1993 على التوالي، كان يخرج ليقدم للفلسطيني والمتابع ديباجات ومحاولات التحوير والتبرير والتفسير والتطمين وقادم الخطوات التي سوف يتخذونها في المسار السياسي أو في ذلك الموقف والتكتيك فيه. وكلنا يذكر كيف كان كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات لا ينفك عن طلعاته الإعلامية وعن تقديماته السياسية في الحديث عن المفاوضات ومرجعياتها 242 و338 وعن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وجملة التوضيحات والتفسيرات حول تقدم المفاوضات وتراجعها.
اليوم ، ولان الزمن ومسار التاريخ للمجتمعات التي تحكمها مرجعيات الشخص أو الحزب المقدس والأب الرمز وغيرها من شكليات الحضور المزيف في غياب منظومات العمل السياسي والاجتماعي التحرري الحقيقي، نراه يتراجع في المضامين والمعطيات الايجابية إلى الخلف، ليس هذا وحسب، بل إن درجة التعاطي التبريري من تلك القيادات ولو خجلا أو حياء من الشعب تتراجع ؛ لأنهم أصبحوا أكثر يقينا وتأكدوا أن الشعب صار غائبا عن المشهد الوطني أو حتى عنه قد مات بعد كل مشاريع وخطوات الفشل الوطني غير المنتهية، وحيث الحال ليس فيه من يحاسب أو يراقب على اقل تقدير.
صحيح أن المجتمعات الإنسانية حينما تصل حدا من الضعف والجهل والمرض واحتمالية التعرض للاحتلال والتطهير العرقي، تصاب في إرادتها الواعية والمنتظمة؛ من ناحية اعتياد الفعل والمبادرة إليه وفيه، إلا أنها في كل الأحوال لا تنقاد نهائيا للاستسلام ورفع المنديل الأبيض، وتبقى ضرورات الفعل ومحاولة تاطيرها تنظيميا وسياسيا من خلال الهبات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية وحالات المقاومات العسكرية المسلحة بابا للأمل للانعتاق من الظلم والاستبداد والاحتلال واسترداد الحقوق الوطنية المسلوبة.
إلا انه لا يعقل أبدا أن ردات الفعل ومحاولات تاطيرها لخدمة قضية مواجهة الاحتلال ومشروعة التطهيري التصفوي للإنسان الفلسطيني، تصبح هي الأخرى ممنوعة وعلنا؛ حين يتم الإعلان والتأكيد انه لا يمكن أن نسمح بان تكون هناك انتفاضة فلسطينية ثالثة لا مسلحة ولا حتى شعبية سلمية .
وفوق هذا كله ممنوع أن تكون هناك هبة جماهيرية حقيقية لتوحيد حركة النضال حتى السلمي منه ضد الاحتلال الإسرائيلي حين يرتكب جرائمه الابادية في قطاع غزة ولمدة شهرين تقريبا مثلا.
حتى مع تقديم التبريرات والتفسيرات العديدة حول مشاريع وخطوات الفشل سلفا، كان المفروض أن تكون هناك غيرة وطنية من كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، وفي كافة أماكن تواجده تعلن احتجاجها ورفضها الصريح لهذه المشاريع؛ لأنها مشاريع واضح أنها فاشلة بشهادة كل العارفين والمراقبين العاديين وبشكل مسبق. وهذا دائما ما يصدقه الواقع المجرب في الحالة الفلسطينية، فإلى متى كل هذه التخريب والخراب؟؟.
فأين يا ترى غيرتنا الوطنية ونحن نتلقى مشاريع الفشل السياسي والمصائري يوما بعد يوم، وفي كل المواسم والمناسبات الوطنية المبتدعة، ودون حتى التقديم لها بأي ديباجة أو تفسير أو تبرير أو حتى إخراج وتحرير من قبل قيادات المقدس الوطني! .
فهل يا ترى فقدنا غيرتنا الوطنية نهائيا بعد أن أصبحنا أكثر تجزيئا وتقسيما، هذه المرة ليس على صعيد الكل الفلسطيني الجامع بل على صعيد ضفة غربية وقطاع غزة يعيشان سويا تحت أقسى احتلال وفي ظروف عزلية وسجنية لا مثيل لها حتى في دولة الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات