الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا ً للسياسة

مُضر آل أحميّد

2015 / 3 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


تأثرت بشدة عند قراءتي الأولى لكتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للمفكر عبدالرحمن الكواكبي. وكانت كل قراءة جديدة للكتاب تُرسخ فيّ القناعة بأن آفة الشعوب هو استبداد الحكّام، وأنّ الاستبداد السياسي، كما يرى الكواكبي، هو أصل باقي انواع الاستبداد، وهو المظلة التي يُمارَس تحتها الاستبداد الفكري، والديني، والاقتصادي. فشرعتُ منذ ذلك الحين بالتركيز على الجانب السياسي من حياتي وحياة الآخرين، فلم أكن لأترك محفلا او جلسة الا وأثرت فيها المواضيع السياسية وأسباب تسلط الحكومات رابطا اياها بكارثة الاستبداد السياسي. ولمّا كانت السياسة من العلوم التي تتناول شتى مفردات حياة الناس وعلاقتهم بالأنظمة السياسية من جهة، وعلاقاتهم ببعضهم البعض من جهة اخرى؛ كانت نقاشات السياسة تتفرع الى مواضيع الدين، والاقتصاد، والاجتماع وغيرها. وقد كان الهمّ ذلك الحين لفت نظر الناس الى حقوقهم المغيبة، وأصواتهم الصامتة، واراداتهم المسلوبة، وقواهم الخائرة. فبالإضافة الى سذاجة الشعوب، كان جهلهم بأصول السياسة وعدم ادراكهم، أو قلته، لقدراتهم الكامنة في قلب موازين القوى، وتسلم مقاليد السلطة يجعلهم يخافون السلاطين ويَرهبونهم، ويرقصون فرحا أمام "كرم" المسؤول إن أعطاهم بعض حقوقهم.
بقيتُ على ذلك المنوال حتى ثورات الربيع العربي وما أفرزته في ليبيا، وسوريا، واليمن؛ ولا ننسى ما يحدث في العراق. فبعد ان غابت، أو خفت، قبضة السلطات السياسية المستبدة عن شعوبها، رأينا قابلية تلك الشعوب الجبارة –ولا اعني ذلك بشكل ايجابي- في قلب الدنيا. حين زالت قبضة السلطة اخرجت تلك الشعوب سيوفها وفؤوسها وأخذت تقطّع أفرادها وتحرّقهم. لبثتُ اسابيع طويلة ً اعيد حساباتي، كيف يمكن أن نثقّف سياسيا من فقد ثقافة الإنسانية؟!
ليس أني تفاجأت بمدى قدرة الجنس البشري على اجتراح الشرور، وحتى بالنسبة لشخص يحمل فلسفة هوبز في طبيعة البشر، فإن ما عرضته علينا وسائل الإعلام من أفعال تتبرأ منها حتى الطبيعة الحيوانية كانت أكبر من قدرتنا على التخيّل، الى درجة جعلتني اتخلى عن فكرة التنوير السياسي. يحتاج إنضاج الفكر السياسي عند الناس الى عبورهم بعض مراحل التطور الفكري، أن يرتقوا عن مستوى الجنس البيولوجي (البشر) الى مستوى الكائن الواعي (الانسان).
في خضّم تلك الأحداث قدم فكر الإمام محمد عبده نفسه بديلا عن سابقه (فكر الكواكبي). ان عبقرية الإمام محمد عبده تجلّت في إدراكه لعدم جدوى محاولات الإصلاح السياسي دون بناء انسان يتقبل الآخرين، فشرع في مسيرة الإصلاح الديني، والذي أراه أنه كان محاولة بناء فكري ممنهج لم يلقى سبيلا له الا تحت مظلة الدين، ومحاولة الانقلاب على الفكر الهمجي الأنبوبي الواحد. وكذلك حاول تلميذه، رضا، صاحب مجلة المنار. وأظننا اليوم في وقت نحتاج الى مثل تلك الثورة، ثورة لصناعة الإنسان. فمن الخَبلِ أن نحاول تثقيف الإنسان سياسيا، او اقتصاديا في الوقت الذي ليس لدينا إنسان لنبدأ تثقيفه.
إنّ للسياسة، باعتبارها علم جامع لغيره من العلوم والاهتمامات، لغة خاصة لا نستطيع الكلام الا بها، هي لغة الحوار وقبول الآخر. ومن دون تلك اللغة لا يمكننا الحديث في السياسة، إلا مع من يوافقنا الرأي بالطبع، ولكننا لن نستطيع بأي حال من الأحوال مصارعة قرد يحمل فأسا لنأخذ فأسه ونعطيه قلما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة مؤثرة تتهافت عليها شركات صناعة السيارات العالمية | عالم


.. عريس جزائري يثير الجدل على مواقع التواصل بعد إهداء زوجته -نج




.. أفوا هيرش لشبكتنا: -مستاءة- مما قاله نتنياهو عن احتجاجات الج


.. مصدر لسكاي نيوز عربية: قبول اتفاق غزة -بات وشيكا-




.. قصف إسرائيلي استهدف ساحة بلدة ميس الجبل وبلدة عيترون جنوبي ل