الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رعاية النشأ تبدأ من المهد

عائشة خليل

2015 / 3 / 19
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


تشير الدراسات النفسية إلى أن أحرج المراحل في نمو الطفل هي مرحلة الطفولة المبكرة، وأن الطفل الذي ينمو في بيئة صحية يتمتع فيها برعاية الأبوين وحنانهما ينجح في حياته الدراسية والعملية. وأن البيئة المنزلية التي تطفو فيها الخلافات الزوجية على السطح تؤثر سلبًا على الحياة المستقبلية للأطفال. فالقليل من الخلافات الزوجية قد يحفز لدى الطفل القدرة على مواجهة الحياة، ولكن كثرة الشجار أو الجو الكئيب في المنزل يؤدي إلى تأثيرات بعيدة المدى (وغير قابلة للمراجعة) في حياة الأطفال.

ولذا تعمل المؤسسات الخيرية على مساندة الأسر من أجل تكوين بيئة صحية للأطفال. ومنها من تعمل بشكل خاص في رعاية الأسر الأكثر تهميشًا وفقرًا في المجتمع مثل «مؤسسة الشراكة بين الممرضة والأسرة» . وتعمل هذه المؤسسة من المنطلق القائل بأن الوقاية خير من العلاج. فتتدخل لرعاية الأمهات وهن بعد في مراحل الحمل الأولى لتوفير بيئة صحية للجنين. فتنبه الممرضات الأمهات إلى أن العنف الأسري له عواقب وخيمة على الصحة النفسية للأم وجنينها، وتعمل الممرضات مع الأمهات لوضع خطة أمان للأم في حالة تصاعد العنف الأسري، وتعلمهن بأماكن المأوى المخصصة للناجيات من العنف المنزلي. كما تعمل الممرضات على تأكيد وعي السيدة الحامل بإمكانياتها الذاتية وقدراتها على خط مستقبل مضيء لطفلها، لأن الصحة النفسية للجنين تتأثر بالصحة النفسية للأم، ومن الضروري الالتفات إلى رفع الروح المعنوية للأم. فبمساندة الممرضة تستطيع الأم الحامل تخطي بعض العقبات النفسية التي تتعرض لها أثناء الحمل وبعد الولادة مباشرة وهو ما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة.

وترشد الممرضات الأمهات إلى الطرق المثلى للتعامل مع الأطفال الرضع، فالطفل يحتاج إلى الكثير من الحنان (الأحضان والقبلات) الذي يشعره بالأمان. كما يحتاج إلى بعض الحزم حين يصاب بنوبات صراخ وبكاء يحاول من خلالها الوصول إلى ما يبتغي. ويحتاج الطفل (ووالديه) بعض الروتين الذي يضبط إيقاع استيقاظ الطفل ونومه، مما يمنح الوالدين فسحة من الوقت للراحة. بالإضافة إلى ذلك يحتاج الطفل إلى أن يقرأ له والديه القصص وهو لم يتعلم الكلام بعد، لأن ذلك ينمي لديه المفردات التى تختزن في ذاكرته.

وتعمل مؤسسة الشراكة بين الممرضة والأسرة منذ نحو 37 عام في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية مع أكثر الأسر احتياجًا للرعاية والمساندة. وتأتي أموال المؤسسة في الأساس من شراكة مع الحكومة الوطنية ، والحكومات المحلية التي رأت التأثير الإيجابي لأعمال المؤسسة في خفض الكلفة التي يدفعها المجتمع إذا لم يخرج نشء سليم من الناحية الجسدية والنفسية، فالتدخل السريع لحل المشاكل الاجتماعية يقلل من أخطار استفحالها. كما تأتي التبرعات من الأفراد والشركات الخاصة (الكبيرة منها والصغيرة) التي تساهم مساهمات مادية وعينية في مساندة المؤسسة. لذا تزدهر أعمال المؤسسة وتنجح في إرساء أسس صحيحة قوية للأسر، وتُغير حياة الأطفال الذين تتماس معهم إلى الأفضل.

تدرب المؤسسة الممرضات الراغبات في الانضمام إلى أعمالها، وتعيد تأهيلهن من أجل المهمة الخاصة الموكلة إليهن. وبالإضافة إلى التدريبات المهنية، تمتد تدريبات الممرضات لتشمل مهارات التواصل الشخصي ومهارات حل المشاكل التي تساعدهن على بناء علاقات قوية مع الأمهات والآباء الذين يتعاملون معهم. وتشمل خطة عمل الممرضات زيارات تصل إلى 64 زيارة منزلية، وتتبع الممرضات خطة تُرسم بدقة ، ولكنهن يستشرن المشرفات عليهن في بعض التعديلات التي قد تتطلبها الحالة التي يتعاملن معها. فبما أنها برنامج شراكة بين الممرضة والأسرة، فإن الممرضة لا تملي على الأسرة (المرأة) ما تراه هي مناسبًا، وإنما تطرح أفكارا قد لا تلقى استجابة في بعض الأحيان. فدور الممرضة في الأساس هو المساعدة على تمكين المرأة (الأسرة) من تنشئة طفل يتمتع بصحة جسدية ونفسية عالية.

الالتفات إلى صحة الأجيال المقبلة ومستقبلها ليس ترفًا، وإنما هو في صميم التخطيط السليم لبنيان المجتمع، ويحتاج الأمر إلى إرادة مجتمعية تتكاتف لتنتج أجيالاً صحيحة وصحية. والتركيز يجب أن يكون على القطاعات الأكثر تهميشًا في المجتمع والتي قد لا تستطيع خلق الجو المناسب للنشء. فالوقاية بالفعل خير من العلاج، ولكن المهم ترجمة الشعارات الرائعة إلى سياسات ناجحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية تقدير للمبدعة عائشة خليل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2015 / 3 / 19 - 19:25 )
الأستاذة عائشة خليل المحترمة

بعد قراءة هذا المقال، فكرت بأبنائنا وما يتعرضون له من ظلم
يبدأ الظلم من المهد وإلى اللحد. قيود وأحكام وفروض تجعل حركة الإنسان كالروبوت
ليت كل الآباء والأمهات يقرؤون هذه المعلومات
ولكن المشكلة ليست في تغيير نمط التربية، فحتى التوعية لن تأتي بالفائدة المرجوة، هناك تقاليد المجتمع التي يصبح فيها المرء أسيراً لا يمكنه الحركة بدون أغلاله هذه
رعاية الأطفال في مجتمعنا يرثى لها
كأن ما كتبتِه يتعلق بعالم آخر لا بعالم يعيش على نفس كوكبنا

مواضيعك رائعة
تفضلي تقديري أيتها الكاتبة اللامعة


2 - الاستاذة عائشة خليل المحترمة
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 3 / 20 - 05:36 )
تحية و احترام
مما تفضلتِ به في اعلاه يبدو ان العنوان الافضل للمقالة هو
رعاية النشئ تبدأ من الرحم و ليس المهد
و هذا ما يحصل كما اشرتِ اليه
البعض يكلم الجنين و البعض يوصي بإسماعه الموسيقى بالاضافة الى التغذية الصحية و الرعاية الصحية و الاجتماعية للحامل
اكرر التحية

اخر الافلام

.. تمثال ميليسنت فاوست


.. العمال في مقاطعة الشهباء يقودون ثورة العدالة والحرية




.. الرقة... يومهم نتاج عقود من النضال


.. يوم واحد لا يكفي للاحتفال بما قدمه العمال




.. لجنة الاقتصاد تساهم في تنمية واقع العاملات في مجتمعهن