الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-السيخ- بغدادي

إبراهيم رمزي

2015 / 3 / 20
كتابات ساخرة


"السيخ" بغدادي

كان يبدو داخل بذلته (المدنية) كمن ارتدى لباسا أكبر من مقاسه، رغم أنها بذلته المفضلة، ولكنه لم يلبسها منذ سنوات، تغير خلالها، وأضاع من وزنه الكثير، وتخففت جثته من اندلاق بطنه وترهله، وشحومه المكدسة المتراكبة. بشرته أصبحت تميل إلى السمرة، وكان عارضاه وذقنه أنصع وأقل تأثرا بتلويح الشمس، مما يفضح – لعين الرائي العادي – إقدامه "الحديث" على حلق لحيته الكثيفة. محاولا بذلك عدم إثارة الانتباه إليه خلال (عطلته) التي يزمع خلالها الرجوع إلى بلده لزيارة أهله.
سار نحو شباك الصرف – وبجانبه شخص يقوم مقام الدليل والترجمان – ، قدّم (الشيك) الذي بحوزته. ألقى عليه موظف البنك نظرة سريعة، وردّه إليه وهو يقول: مصرفنا – ككلّ المصارف - لا يتعامل بهذه العملة.
حاول الاحتجاج، فأفهمه الموظف أنه ضحية احتيال ونصب، وأن (الشيك) الذي بين يديه مصطنع، ولا قيمة له.
قال بلهجة اليائس، وبِلُكْنَته الأجنبية: "لا خول ولا كوة إلا باللاهي العديم".
أسقط في يده، وتبعثرت أحلامه. تواترت على مخيلته صور متناثرة للسنوات القليلة الماضية، والتي عرف خلالها ظروفا تتنوع بين السراء والضراء. جرّب التخمة في بعض الأحيان، والمسغبة وقلة الطعام في أغلب الأحوال، كما جرب انعدام النظافة، والاضطراب والقلق، والأرق، وقلة النوم، ، ... والانسلاخ من الأحاسيس الإنسانية البسيطة. ما عادت تثيره أنهار الدماء والأشلاء الآدمية المتناثرة، والجثت المنتفخة، والرائح العطنة النافذة، والموت المخيم على كل ركن من أركان هذا الصقع. كان أداة حرب وخراب ودمار وبطش وقسوة وحيوانية ...
استولت عليه نوبات ضحك هستيري، وبين النوبة والأخرى كان يرفع قبضته في الهواء مزمجرا:
يا "سيخ" بغدادي، أهذا مصير خدماتي خلال سنوات؟
يا "سيخ" بغدادي، دمرتُ وقتلتُ وذبحتُ من أجلك، وائتمرتُ بقذاراتك ووحشيتك.
يا "سيخ" بغدادي، ها هي عملتك لا قيمة لها، ولا يٌعتَرف بها حتى في أقرب المناطق من "خلافتك".
يا "سيخ" بغدادي، أيّ وَهْمٍ أنت؟ وأيّ وهْمٍ هي طريقك؟
يا بغدادي، أيّ ضياعٍ لمن غرّرتَ به وتَبِعك؟
تلاعبت به في لحظات قصيرة أحاسيس متصادمة قاسية: حسرة تعصر القلب، غضب، توعّد، استسلام، سخرية من النفس، سكونُ حركةٍ وبلاهةُ نظراتٍ، استنجادٌ بالمجهول، ضياعٌ في ضياع.
كان رواد المصرف يتابعون المشهد، وقد أجمعوا – في أعماق أنفسهم – أن الرجل مصاب بمسّ.
قال موظف المصرف: بين الحين والآخر يتوافد علينا أمثاله. ونهاياتهم – في الغالب الأعمّ - تكاد تتشابه. اللهم لا شماتة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا