الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآن.. عن -السيسي- نتحدث

السيد شبل

2015 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن المستجدات المتسارعة على الساحة المصرية، وحالة الاستقرار النسبي فيما يخص الأوضاع الأمنية، شجعت كثير من الكتاب على الانتقال إلى مقعد النقد والتقييم لشخص عبدالفتاح السيسي، وأداء نظامه، خلال الأشهر الماضية. وهذا شيء جيد ومنطقي بل ومستهدف شرط الموضوعية وعدم قراءة المتغيرات بناء على تصورات مسبقة.

ومادام الحال على هذا، وغالب الناس يقدّمون مثل تلك الأمور على غيرها، فسنتطوع بالدخول لهذا المعترك سائلين الله التطهير من الهوي، زاعمين الإنصاف، ومتهمين أنفسنا قبل غيرنا في هذا الزعم.

أولًا:

عبد الفتاح السيسي، بحسب ما يبدو من خلال متابعة نشاطه الدبلوماسي خارجيًا، والتنظيمي والإداري داخليًا، يعتمد بشكل عام على مبدأ المناورة، ولا يُظهر انحيازًا مبدئيًا لأي فريق، وإنما تقوم سياسته على استغلال التناقضات بين المعسكرات، بل وبداخلها، وهذا يبدأ عند قطبي العالم الحديث أمريكا وروسيا، ويمر بمحوري إيران وسوريا من جهة والسعودية والخليج من جهة مقابلة، ثم بالخليج ذاته والتناقضات الواقعة بين دوله، ويمتد حتى داخل ما تواطأ الناس على تسميته معسكر ثورة يناير، وقد يصل بصورة أو بأخرى إلى حد اللعب على وتر الانقسام النسبي بين الحزب الديمقراطي والجمهوري بأمريكا. وليس المقصود باستغلال التناقضات براعة دبلوماسية من النوع الخارق بقدر ما هو إشارة إلى حسن رؤية وتقييم موضوعي لموازين القوي الدولية والإقليمية من ناحية، ولأحوال البلاد الداخلية من ناحية مقابلة، والتصرف بروية وحسن تدبير في هذا الإطار.

والرجل ناجح حتى اللحظة فى تحقيق قدر من التوازن في التصريحات والإجراءات، تجعل خصمه، وإن كان متربص به، غير قادر على الانقلاب الكامل والانقضاض المجهِز عليه. وهنا لابد من التنبيه إلى أن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية تخدم سياسته التي يعتمدها بصورة ممتازة للغاية.

بشكل عام يمكن القول بأن السيسي يسعى لإرضاء الطرف المواجه له، وكسب وده. ومهما كان حجم ضيفه فإنه يتماهى معه فيما يرضيه ويسعى لطمأنته حتى لو كان الضيف مجموعة صغيرة من شباب الإعلاميين أو وفد من الناشطات في مجال حقوق المرأة، دون أن يورّط نفسه في التزامات أو تعهدات من أي نوع، وكان هذا حاضرًا بقوة في الفترة ما بين ترشحه للرئاسة أواخر مارس 2014 وحتى نجاحه بفارق هائل من الأصوات، ومستمر بالطبع في سياقات أوسع، وبغض النظر عن نية السيسي فيما فعل (ويفعل)، فقد كان هذا مطلوب بشكل ملحّ بهدف تهدئة الأوضاع المشتعلة داخليًا، والتقليل من آثار نيران الاحتراب المجتمعي، والحفاظ على جبهة داخلية متماسكة ولو في حدها الأدنى، من أجل ضمان مرور المرحلة بسلاسة قدر المستطاع.

سياسة المناورة تسمح للرجل بتحقيق مكاسب كثيرة، أقلها أنها تتيح له مساحة زمنية آمنة يستطيع أن يتحرك بداخلها في اتجاه عامودي نحو هدفه الوحيد المعلن حتى الآن، وهو الحفاظ على الهيكل البنيوي والمؤسسي للدولة المصرية، بأسلوب توضيحي: كل فرد يملك تصور ذهني عن النجاح، وعند السيسي نجاح الحاكم يعني قوة دولته وصلابة الهرم السلطوي وثبات الأوضاع الأمنية وإشاعة حالة من الاستقرار، بينما أي شيء آخر يطرأ على الذهن من أهداف مثل: ممارسة أدوار قومية وإقليمية بصبغة تحررية ومقاومة، أو انحياز صريح لأغلبية شعبية محدودة الدخل، وتبني خطط التنمية الاقتصادية الشاملة والمستقلة، يأتي في مرحلة متأخرة، بمعنى آخر لا يتم التركيز عليه أو استهدافه بالأصالة، ولكنه يُطلب كعامل مساعد في حالة كونه يخدم الهدف الرئيس (الاستقرار واستعادة هيبة الدولة).. ومن هذا الباب كان على سبيل المثال:

1- الخدمات المصرية التي قدمتها مصر لسوريا في مجال محاربة الإرهاب، وتدعيم سبل الحفاظ على كيان الدولة السورية ووحدة أراضيها، ولو بشكل غير مباشر. ولـ"السيسي" تصريحات في هذا الشأن أول أيام حكمه، أمسك عنها فيما بعد للحفاظ على أدائه الدبلوماسي المتوازن. وعلى أية حال فالخدمات المقدمة من الجانب المصري لا تحتاج لتصريحات لتؤكدها، ويكفي إزاحة جماعة الإخوان عن الحكم، واقتسام المعركة مع سوريا ضد نفس العدو، وتحييد دول خليجية كانت متورطة في وقت سابق من بينها الإمارات والكويت، والتكتل جبهويًا مع الجزائر والعراق و لبنان، بهدف رفض تسليم مقعد سوريا في الجماعة العربية للائتلاف المعارض المدعوم إقليميًا من قطر والسعودية وتركيا ودوليًا من أمريكا وفرنسا.

2- التوصل لتفاهمات أثمرت نجاحًا دبلوماسيًا (نسبيًا) بتعطيل الشق الأمنى لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، والتي كانت تَحدّ من تواجد الجيش المصري بكامل قوته في سيناء، وهو ما صار في خبر كان، بعد توسع الجيش في تمركزاته وعملياته بوسط وشرقي شبه الجزيرة بالشكل الذي تقتضيه الإرادة العسكرية ولا شيء أكثر. وهذه المسألة ما من شك في كونها انتصار مرحلي لمصر على الخط القومي التحرري، وإن جاءت من دائرة مختلفة وهي دائرة الحفاظ على كيان وسلطة الدولة والتصدي للإرهاب. وما من شك في أن العملية برمتها قد برز فيها الجانب التكتيكي على حساب الاستراتيجية، وافتقدت أشياءًا مثل العنترية والشفافية، وهي أمور مطلوبة بعينها، حتى لو من الناحية النفسية، لاكتمال الصورة وللتعبير عن صواب المنطلق. لكن التفاهمات نفسها لم تكن لتتم إلا بقدر من العنترية الدبلوماسية، واللعب على وتر التناقضات بين المعسكرات الدولية والإقليمية، بل وداخل المعسكر الواحد، وتعزيز المخاوف.. وفي الأمر تفصيل كثير، لو تابعنا الحديث فيه لجاوزنا الحد!.

وهنا نتوقف لنذكّر بأن (كون الشيء غير مطلوب بالأصالة، يجعله متحقق تحقق جزئي، بصورة أقل من المطموح إليها، بطبيعة الحال، وإلا لكانت العلاقات الدبلوماسية قد عادت مع النظام السوري، ولكان حاضرًا للقمة العربية التي تقام في مصر أواخر مارس، ولكانت كامب ديفيد بـ"كامل بنودها" في طريقها لتصبح جزءًا من الماضي غير المأسوف عليه!)

بالعودة إلى عبد الفتاح السيسي وتصوره لمفهوم "هيبة الدولة"، فنزعم أنه يراه بشكل أوسع بقدر ما من بسط النفوذ الأمني وتحصين القوات المسلحة والشد من عزيمتها، حيث يتعلق عنده أيضًا بحجم المشروعات الخدمية من طرق وكباري وصرف صحي وشبكات كهرباء وإلخ.... وهي أصناف المشاريع التي لا يمكن للقطاع الخاص أن يشغل محل الدولة فيها، لأنها بلا عائد مادي يُطلب من ورائها، وتعتبر تلك المشروعات (كل ما هو خدمي غير إنتاجي) مرادفًا لمعنى حضور الدولة في حياة المواطن، وبناء عليه، فهو يقود القطاع الحكومي، والهيئة الهندسية وجهاز الخدمات التابعين للقوات المسلحة نحو التوسع فيها، وارتفاع أسهم هذا الأخير (أي الجيش) في مشروعات داخلية، تقلل من حجم طمأنة الخارج الغربي لسياسات السيسي الاقتصادية التي يغلب عليها الطابع الرأسمالي حتى اللحظة، وهذه نقطة تحتاج إلى عناية عند التقييم .

ونبني على كل ما سبق، أن مساعي البعض للتقريب بين السيسي كنموذج وبين أنور السادات من ناحية، أوالزعيم جمال عبدالناصر من ناحية أخرى مقابلة، ستبوء بالفشل. فهو مختلف من الناحية النفسية ومن حيث الطموحات عنهما، ويمكن القول بأنه أقرب لنموذج رجل الدولة القديم والتقليدي، لذا فتستطيع باطمئنان أن تقارب بينه وبين محمد علي باشا على سبيل المثال، أو بسواه ممن حكموا في مراحل سابقة عليه... بما للنموذج من إيجابيات وسلبيات، وتستطيع أن تقرأه وفقًا لهذا التصور وسيكون أداؤه أكثر قابلية للفهم والاستيعاب.

ثانيًا:

سعي النظام الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي نحو هدف وحيد هو الحفاظ على الدولة وتوسيع أدوارها السلطوية والخدمية، مع تهميش أهداف أخرى مثل أولوية دعم محدودي الدخل، أو لعب أدوار قومية وإقليمية أكثر دعمًا لمحاور المقاومة، ستضع كثير من النخب الوطنية في حيرة بسبب وقوعها بين أمرين:

الأول، يتطلب التأييد، ويتعلق بأن الحفاظ على الدولة ولو ككيان وظيفي وسلطوي أمر مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويستحق أيُ جهدٍ في سبيل نيله الدعم. وليس بخفي أن المشروع الغربي العولمي، هدفه الأساسي تفتيت دول المنطقة وإفناء وجودها، عبر إضعاف الحكومات المركزية وحصارها وخنقها وإفقادها شتى أدواتها (الإعلامية، والعسكرية،..)، والاستعاضة عنها بعلاقات شبكية مع منظمات المجتمع المدني، ويتم هذا في الغالب تحت غطاء كثيف من دخان شعارات برّاقة لها صلات بمباديء الليبرالية الحديثة، كل هذا مع إشعال نيران التناحر الداخلي كخطوة نحو تحقق التدمير الذاتي؛ وليس مقبولًا أن تلعب النخب دور الجناح الثاني لهذا المخطط، بأن تمارس دورها في الضغط على النظام وتثبيطه وإضعافه وإبقاءه في حالة ارتهان وحاجة للدعم الخارجي، الذي لن يأتي إلا في صورة زيت مضاف إلى نار الاحتراب الأهلي.

الثاني، يتطلب نقد ومعارضة، ويتعلق بأن تهميش الأهداف الأخرى سيعيق عملية انتقال الدولة من كيان سلطوي مُلكي إلى دولة وطنية، وسيحول دون تحقق عملية التحصين للأمن القومي للبلاد على أتم صورة، وسيهيئ المناخ الخصب الذي يساعد على إنجاح المشروع الغربي ولو على المدى البعيد. فوق أن مسائل كدعم الأغلبية الشعبية، وإيقاف نزيف الأسعار، وحتمية لعب دور تصنيعي أو تخطيطي مباشر في العملية الاقتصادية، وحصار السلوكيات الاستهلاكية والاستعراضية، وإخراج مصر من عزلتها الإقليمية التي فرضها السادات فمبارك؛ أمور من المفترض أن تُستهدف في حد ذاتها، لا تُعامل كأمور تكميلية.

وبالتالي فالموقف الأنسب، الذي نرى فيه تمام الأمر، هو التمترس في خندق المعارضة التقويمية من الداخل، أو التأييد من موقف النقد، دون انجرار لمزايدات رخيصة، أو تفريط في الثوابت. وشرط النقد التزام الموضوعية التي ترى الأمر من كل زاوياه، مع البعد عن الأحكام العمومية، والخضوع للأهواء...

هناك أسباب أخرى تدعم الموقف الذي نزعم صوابه، وهي تتعلق بعدم صوابية تبني منهج معارض بشكل جذري للنظام، من بينها:

أ- أن الحكمة تقول أن من ذاق نومة الشارع عرف قيمة البيوت، والشعب المصري شأنه شأن أشقائه ممن ابتيلت بلدانهم بـ"الربيع العربي" قد ذاق ما يكفيه، وعرف قيمة الدولة، وأهمية الأمن؛ وامتد هذا الشعور للنخب حتى صارت (جلها لا كلها) أكثر نضجًا، وأقل نزقًا وصبيانية، وصارت من الرجولة بالقدر الذي يحصنها من الابتزاز والتماهي مع الانفعالات العشوائية.

ب- أن الأهداف الثانوية (حسب تصور النظام) ستصير ضرروية من وجه ما للحفاظ على بناء الدولة في ظل قوى استكبار عالمي تتحين أي خلل اقتصادي، أو اجتماعي، أو سياسي، كي تبني عليه، وهذا سيفرض تكاملًا حتميًا بين الأهداف والدوائر التي ستقترب بنسبة ما، وليس بالكلية، كما ذكرنا في فقرة سابقة، وإن كان مطلوبًا أن أن يكون التكامل مقصودًا ومخططًا.

..وأغلب ما جاء في هذه النقطة يبتعد عن صلب الموضوع، وإن كان الأمر قد تطلبه. ولنعد إلى ما كنا بصدده.

ثالثًا:

شخصية "عبد الفتاح السيسي" لم تنل حظها الكامل من الدراسة، ولعل هذه فرصة لنقل ما بدا لنا فيها. النفس الإنسانية بشكل عام مركبة ومتشابكة كعالم أصغر، والمرء لا يحيط بعلم نفسه على التمام فكيف له أن يدعي معرفة غيره!. لكننا (بتجوّز)، سنعبر إلى الحديث عن "السيسي" لنصفه بأنه شخص باطني وكتوم، وليس من النوع الانفعالي، وقراءته قد تبدو أعسر من غيره، وأغلب ما يقال عنه مجرد تأويلات وإسقاطات. ويكفي ما كان يتصوره الناس عنه قبل الثلاثين من يونيو 2013، وما تم فعلًا يومها، وما حدث بعد ذلك من إجراءات مشددة قسمت - أو تكاد - العامود الفقري لجماعة الإخوان وهشمت كامل عظمها؛ وإقالة محمد ابراهيم وزير الداخلية، حديثًا، وتنحيته عن المشهد بهذه الطريقة السلسة، دليل مضاف، على ما نذهب إليه.

وأتصور أن ثمة تعمد مقصود في هذا، بهدف إخفاء (بالنسبة طبعًا) الاستراتيجية العامة التي يسير السيسي في ضوئها، وهذا ظاهر في تحييد كل الإعلاميين الذين اقتربوا منه في فترة ما بعد 30 يونيو وحتى انتخابه رئيسًا، وفي مقدمتهم "عبدالله السناوي" وفي مرتبة متأخرة "مصطفى بكري". فحسب الذاكرة فقد لعب السناوي دور قريب من دور المتحدث الرسمي، وإليه كان يعود الإعلام المرئي والمقروء للتعرف على نية السيسي في الترشح من عدمها. الآن الكل بعيد تمامًا عن مطبخ العمليات، لدرجة أن السناوي، وهو صحفي صاحب تاريخ نضالي معروف وله إسهامات عظيمة الأثر في العمل الصحفي، يكتب في جريدة الشروق مقالات يغلب عليها طابع المعارضة. ووارد جدًا أن تكون المسألة تحتوي على تفاصيل انحجبت عنّا، لكن المهم، هو ما يمكن أن تستخلصه من هذا الوضع برمته، ونعني: عدم وجود إعلامي قريب من عقل السيسي يفسر أهدافه في مقالات وتحليلات ويكشف عن انحيازاته الفكرية، وهذا يبدو في أكثر من مناسبة.

وأزعم أن "السيسي" راضي بصورة أو بأخرى عن تأويل الناس لتصرفاته كل حسب هواه، لأن هذا يشيع قدر من الطمأنينة، ويسمح له بالتحرك بأريحية تامة في اتجاه هدفه الرئيسي، السابق ذكره. وهذا ما يصنع تكاملًا بين شخصيته وأهدافه.

والله أعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم