الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من القاتل؟ ج 2

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 3 / 21
الادب والفن


من القاتل؟
((الجزء 2))

سألني صديق عن سبب عدم انسجام أسماء أبطال القصة بأجوائها؟ دوق وثلوج وإقطاع، وكأننا في شمال أوربا في القرون الوسطى... مع أسماء من بيئة عربية.
والجواب بسيط، فعدم التناسق بين أسم البطل وأجواء الحدث، سوف يَعلـَقُ بذهن المتتبع أكثر.

كان زميل الجامعة ـ رسام الكاريكاتير المبدع (ناصر ثامر) ـ يوقـّع تحت تخطيطاته بحرفي الانكليزي (أم و أن) ملتصقين وفوقهما نقطة صغيرة، يبدو وكأنه يرسم ثلاث قباب، ولما سألته عن علاقة الرمز باسمه بعد أن حرتُ في ربطهما بعلاقة، وتساءلتُ كيف لمعجبي فنه التعرف عليه من خلال هكذا رمزاً؟
ضحك وقال: هذا ما أبغيه يا صديقي، فالناس حين تحتار لمعرفة مغزى رمز غريب والعلاقة بينه وبين الاسم الحقيقي الذي سيجاهدون من أجل العثور عليه، وهو ما يجعلني أكثر من مجرد أسم يمر عليهم مر الكرام !

من بين ما أغرب ما قرأت عن المسلسل الأمريكي الشهير (دالاس) وبطله (جي أر) الذي ذاع صيته آخر السبعينات، أن حلقاته لمّا انتهت، لم تكن القصة قد حُسمت بعد وجريمة القتل لم يكشف فاعلها، فبقي المتتبعون والشارع والصحافة يتساءلون، كيف ستكون النهاية ومن هو المجرم، وهل من جزءٍ ثانٍ ؟

http://www.mbc.net/ar/programs/dallas-s1.html
مسلسل دالاس

فذهب الصحفيون يستوضحون الشركة المنتجة، فأخبرتهم أنها لا تعلم، وأن الجواب ربما يكون لدى مُخرجه، لكن المخرج صرّح بأنه هو الآخر لا يدري، (قد تجدون ضالتكم) أخبرهم (لدى كاتب المسلسل).
لكن الأغرب أن كاتبه قال أيضاً بأنه لا يعرف التكملة وترك ذلك لخيال الجمهور، فهدد البعض برفع دعوى قضائية ضده، ما لم يخبرهم بنهاية القصة !

والخلاصة، أنني جزئتُ القصة... الحلم، كي أسمح لمتتبعها بإطلاق خياله، وليبني توقعاته كما يراها هو شخصياً، لأنها ليست سيرة حياة ولا أحداث حقيقية بل مجرد حكاية غير واقعية، تتحمل التغيير والتأويل والإضافة أو الحذف، ومع أن الحلم ذهب بالأحداث في اتجاه سنأتي عليه لاحقاً، لكن هذا لا يعني إنه لا يمكن غير ذلك، فالمعطيات الحالية يمكنها أن تذهب بنا لعدة منافذ، والمنفذ الأفضل هو الذي يُثير القارئ ويُقنعه أكثر.
× × ×

... وهكذا جاء الربيع برونقه، بدئت العصافير تزقزق على الأشجار التي اكتست شيئاً فشيئاً الثوب الأخضر، وضربت أشعة الشمس الدافئة بقايا الثلوج على القبب العالية، وعلى تلك الصخرة العملاقة المواجهة للقصر، لتذوب وتكشف لنا عن رسالة ثبـّتها (محسن) بعناية على الصخرة تحت الثلج المتراكم خلال فصل الشتاء...
وكما وعد فقد أوفى، لقد حفرَ بالسكين على ملفوفة من الجلد، تفاصيل ما حدث، فتجمّعَ القوم يُمعنون النظر بالمفاجئة التي كتبها قبل رحيله بساعات...

(( إخوتي وأصدقائي بنو قومي...
المُعطيات الأكيدة، ومن دون لف أو دوران، تقول بأن (أحمد) هو قاتل أخيه، لكن هل بالاتفاق مع الدوق، هذا ما يجب عليكم انتزاعه منهما بالاعتراف.
لقد اكتشفتُ بطريق الصُدفة، حينما كنتُ أعيد فأسي المكسور لمتجر (الرياحين) بأن أحدهم قد أشترى الفأس الأخرى، ياللصُدفة!!
فعدتُ بمُخيلتي لسلوك (أحمد) خلال أيام سابقة، سيل أسئلة واستفسارات، إلحاحه على (محمد) الاشتراك في المسرحية، تأليب الدوق ضدي، تصميمه شراء فأس حقيقي...
كان يُخطط للتخلص من أخيه الوحيد (محمد) لكي ينفرد بالورث وبالبيت ليبيعه بالثمن المغري الذي عرضه الدوق عليه ورفض (محمد) البيع.
وما جعلني على يقين، أنه أخذني للمتجر كي أشتري فأساً حقيقية أمام العامة، وفضحْ حبي وغيرتي على (جميلة) أمام (أبو فاطمة) وقال بأنه يَشعُر بألم وخجل لفعلة أخيه بخطف محبوبتي، وليعتذر لي نيابة عنه، ليظن الجميع بأنني متحامل على (محمد) ولضمان أنني سأكون المتهم فيما لو قام بجريمته... وهذا ما حدث بالضبط.
لقد قام بإرسال من أشترى له الفأس الثانية، أداة الجريمة، وليكون الدرب مُتاح بأن يُصفي أخيه، ويُلفـّـق التهمة بي.
وبالرغم من أني قد وعيتُ ما خطط له قبل اقترافه الجرم، لكني لم أحرك ساكناً، لأني أبغي تصفية غريمي (محمد) ومعاقبة حبيبتي (جميلة). أما تفاصيل هروبي وحتى مقتلي، فقد قمتُ بإخراجها، ودفعتُ الدوق لتأديتها.
لكن ما كان لا يعلمه أحد، أن لدي دليل براءتي، فأسي ذو الذراع المكسور، أما الفأس الذي أرشدكم (أحمد) إليه عند النهر، كان الفأس السليم الذي هو أشتراه... بشهادة (أبو فاطمة).
سأقوم باستدراج الدوق ليخلصني من حياتي، أما مسألة تلطيخ يداه بجريمة قتلي، فسيكون أمراً يجب أن يُحاسب عليه وأن يُودع السجن.
وبهذا سأكون قد خلصتكم منه، وبنفس الوقت فقد ساعدني عن دون قصد بأن أتخلص من حياتي التي باتت رخيصة لدى الكل، لكنها على أية حال غالية بنظر القانون...
غـُرابين أسوَدين (الدوق ومحمد) تخلصتُ منهما بحجر واحد قد رماه أحداً غيري.
أرجو أن لا تترددوا وأن لا تخافوا، فهي فرصتكم لكسر شوكة الدوق.
وأنتِ (يا جميلة) سأجعلك تبكين رجالاتك الثلاث، بدل الدمع... دم.
حبيبك الذي ضحى بحياته بسببك... محسن))

قام الدرك بالقبض على (أحمد) الذي كان معتكفاً بعيداً في المدينة، فأودعوه السجن بانتظار انتهاء المحقق من عمله.

هذا الأمر قد أقلق الدوق، فثبوت الجرم ضد (أحمد) يعني أنه تسرّعَ بتصفية (محسن) بمجرد أنه قام باستفزازه، لذا كان عليه التصرّف سريعاً قبل فوات الأوان.
فبعث سراً بمرسال لصاحب المتجر (أبو فاطمة) يُغريه بسخاء يده تجاهه، مستغلاً طمع وجشع الرجل المعروف به وكثرة ديونه، قائلاً بأنه لو أخبر المحقق بأن (محسن) هو من أشترى الفأس الثانية، فتلبسه الجريمة. مبرراً ذلك بأن دافعه هو تجنيب أهل القرية فقدان شاباً ثالثاً هو (أحمد)، فستذهب التهمة صوب شخص متوفٍ، ويُسدل الستار عن القضية.
× × ×

فاطمة، صَبيّة مؤدبة تعيش مع أمها التي تزوجت من (أبو فاطمة) بعد تيتمها قبل سنتين، فأخذ الرجل كنيته من خلالها.
كان (أبو فاطمة) فقير الحال، فسكن ببيتهُن، ثم بدأ مشروعه بفتح متجر (الرياحين) من أحد غرف البيت بعد أن وجد أنه من الأجدر به الاعتماد على نفسه في كسب لقمة العيش، ومع أن ديونه قد تراكمت، لكن باستطاعة هذا الرجل المناورة مع دائنيه وكسب الوقت.

ولكي لا نبتعد عن محور الأحداث كثيراً، ففي حقيقة الأمر، أن رسالة (محسن) لم تحمل إجابة قاطعة لفك طلاسم اللغز، وليس هناك دليل أكيد فيها.
فكر المحقق المحنـّـك بصوتٍ عالٍ: إذاً، ليس هناك إجابة قاطعة دفنها (محسن) معه ولستُ الآن بحاجة إليه ليحيا من جديد ويكشف السر، ولا يزال حل العُقدة يكمن في الإجابة عمّن أشترى الفأس الثانية، والقول بدقة... من الذي قد أستخدمها فعلاً !

ورغم ضغوط الدوق والإغراءات والمبررات التي قدمها (لأبو فاطمة) فقد رفض الأخير الانصياع لرغبته، معللاً بأنه لو أخبر المحقق بأن (محسن) هو من أشترى الفأس الثانية، سيُؤنبه ضميره طول العمر، بينما يبقى القاتل حراً طليقاً، وهو يتذكر جيداً بأن (محسن) فعلاً قد جاء لاستبدالها بالأخرى، وأكد بأنه سيجد نفسه مضطراً لإحقاق الحق، ويلأنه سيؤكد للمحقق بأن (محسن) قد عاد فعلاً لمتجره لأستبدال الفأس وليس لشراء الآخر، لكن الدوق هدده وتوعده شراً لو أكد ذلك.


ـ اعترافك هو سيد الأدلة، قال المحقق المحنك (لأحمد) وهو يقرُص ذقنه.
لكنه أستمع لإجابة لا تَسُر من (أحمد)...
ـ كل ما كتبه (محسن) مجرد مغالطات، لم يقـُـل كلمة صحيحة واحدة سوى أنني فعلاً دفعتُ أخي للتمثيل، لكن ذلك كان حباً به وتمنياتي بنجاحه، أما اشتراكي بإدارة العمل فلأني كغيري أود المشاركة وحسب، ومسألة اعتذاري من (محسن) في متجر (الرياحين) كان دليل حُسن نيتي، وحتى تصميمي شراء فأساً حقيقية، كان من أجل الاقتراب بالمسرحية من الواقع وإنجاح العمل.
وأسترسل أمام المحقق ـ بكل ثقة ـ بأن (محسن) قد تحامل عليه وعلى أخيه، حين وشيا به للدوق بدافع مصلحة العمل، وأضاف بأن (محسن) لم يأتِ بأدلة دامغة، وبالتالي فهو من قتلَ (محمد) بدم بارد ودفع التهمة عنه بدافع الانتقام من منهما معاً، ولا علاقة للدوق ـ كما يظن ـ بشيء.
× × ×

... جاء ـ إذاً ـ الربيع، لكن (لم) يعرف الجميع من القاتل، وهكذا فقد أنصبّ تفكير المحقق عن أمرٍ لم يفكر به أحد، فلو تصح براءة (أحمد ومحسن)، من إذاً له صالح مشترك واحد في التخلص من الأخوين معاً، ليقوم بقتل الأول وتوريط الثاني؟

ذهب أمام قبر (محسن) ومنحَه البراءة بعد أن لم يجد بأن الغيرة مبرراً كافياً يدفعه لهذا القدِر من ردة الفعل، ثم جلس قرب الصخرة، نظر إلى (جميلة) من خلال النافذة، ومنَحها البراءة التامة، وعاد ينظر إلى غرفة الدوق من خلف الجدران، فهو فعلاً المستفيد من موت (محمد) شرط بقاء (أحمد) كي يمكنه شراء الأرض، أي ليس من مصلحته توريط (أحمد) بدم أخيه مادام الأخير راضٍ بيعه الأرض، والقتل ليس بمبرر كافٍ ـ حسب رأيه ـ بأن يُضحي الدوق بمكانته وسمعته لتحقيق أمنية امتلاك أرض، ستعود له آجلاً أم عاجلاً.
× × ×

في المدينة القريبة، كان اجتماع لمستشارين قانونيين قد أجمَعَ بأنه يبدو من جميع المعطيات، هناك دور خفي للدوق، قد يكون في الاتفاق مع (محسن) بأن يقوم الأخير بقتل (محمد) للظفر (بجميلة) بينما يشتري الدوق المُلك من (أحمد) وبهذا سيستفيد الطرفان.
واستطردَ ـ المستشارون ـ أن هنالك أمرٍاً ما قد حدث في اللحظات الأخيرة، ربما خديعة أو غدر من قبل الدوق، حين وجد بأن التهمة لو لبست (أحمد) فبالتالي سيفقد من سيبيع له الأرض، فقرر تغيير الخطة والنكاية (بمحسن) وإلصاق التهمة به، فبعث من يشتري الفأس الثانية لتلويثه بدم القتيل ووضعه قرب النهر.
وحين أحس (محسن) بالخدعة بعد اقترافه الجريمة، تمرد وأنتفض على الدوق فقام الأخير بتصفيته وطمر خيوط كشف الجريمة معه في القبر.
لكنهم قالوا بأن (محسن) كان واعٍ لخيانة الدوق، فجهّز خطاباته ووضع فأسه تحت الشجرة ليُبرئ نفسه، ثم قام باستدراج الدوق لقتله، فيحرجه ويتهمه بالضلوع بالجريمة، ثم قام باتهام (أحمد) خطياً ليسد الباب عليه في الظفر بالأرض.
إذاً... حجة الدوق قوية في تصفية (محسن) لشأن في نفسه، بأن يدفن السر معه.

وهكذا أشرف التحقيق على أن يُغلق بهذا الاتجاه، وأن يتحمّل (محسن) وزر الجريمة، دون إدانة الدوق في عملية قتل (محسن)، كونها مبررة بسبب كونه مطلوب بجريمة قتل وقد بدا في المقبرة أنه عدائي وخطير، وأنه لو مُسك لذهبت به الجريمة لحبل المشنقة بكل الأحوال. وبالتالي شارفت القضية بتسجيلها... ضد مقتول !

لكن المحقق كان مازال غير مقتنع بغلق القضية حتى ولو أتفق الكل على ذلك، قائلاً بأن (محسن) لم يتهم الدوق بشيء برسالته لأهل القرية، مما يعني أنه ليس بخلاف.
ولو أن الدوق قد قرر الغدر (بمحسن)، لكان أول ما سيفعله ـ وهو ينصب مكيدته ـ أن يتخلص من فأسه، لأنه دليل سيستخدمه (محسن) لإثبات براءته.

قال المحقق بأن هناك سراً آخراً عليه أكشافه، وهو الذي سيُلقي الضوء على أياً من هؤلاء هو القاتل، وسيتمكن عندئذ بثقة تامة الإشارة على المجرم... حياً كان أم ميتاً.
فطلب أن يلتقي بالدوق بشكل سري، كشاهد وليس كمتهم، لمساعدة القضاء وإحقاق الحق، فجاءه رد مقتضب من الدوق يخبره بأنه سيتفرغ للقائه بضعة دقائق، معللاً ذلك بأن وقته لا يسمح وأن المسألة لا تعنيه نهائياً.
... في لقاءهما، لم يطرح المحقق أي سؤال، بل أستمعَ للدوق الذي كان رافضاً إقحامه بأمر من شأن القرويين أنفسهم، مؤكداً له بأن الأرض يمكن أن تكون ضمن ممتلكاته عاجلاً أم آجلاً، بشرائها بالنقود وليس بالدماء.

وجَد المحقق بأن حجة الدوق، وإن هي بدون براهين، لكنها مقنعة، فقام بتقديم طالباً يمنحه مزيداً من الوقت، مطالباً أبناء القرية بمزيد من الصبر.

... لا تزال للحلم بقية، سيُخبرنا بها المحقق بعد أن يُتممْ تحقيقاته...

عماد حياوي المبارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي