الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة من صور الحقائق المشوهة (1)

ماجد ع محمد

2015 / 3 / 21
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتُبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
عيسى ابن مريم
قد يطيب للكثيرين التصور بأن المغالطات المفهومية تبدأ من لحظة تسلم بعض الهوامش مقاليد السلطة في منطقةٍ ما، ليستحوذوا آنئذٍ بفضل الفوضى على متنٍ أو مسرحٍ جغرافيٍّ مهمٍ يُساهم في إخراج كل أمراضهم الكامنة، أو يعتقدون بأن الانزلاق نحو المنحدرات القيمية للحشود الشعبية تبدأ منذ أن غدا الجاهل صاحب نفوذٍ وسطوةٍ وسلاحٍ ومال أثناء أو تالي الحروب، وذلك في ظل إبعاد من كان مؤهلاً لأن يكون أهلاً لقيادة المجموعات التي تكونت بعد مباشرة توزيع مناطق النفوذ في بلدٍ أو اقليمٍ ما، أو القول بأن بعض المرضى بفضل المعمعة استطاعوا نحي وإبعاد من كان صحيح العقل والجسدِ ليصبحوا هم جنرالات الشوارع والأحياء وحاخامات المناطق، ومن ثم بدأوا أو يبدؤون بعد السيطرة بفرض ثقافتهم الدميمة، إنما لعمري أن لحظة المغالطات الكبرى أو التشويهات المتعمدة تبدأ مع المثقفين وأصحاب الرأي والحل والعقد في المجتمع، وحقيقةً فإن التصرفات المشينة للعامة لا ترى النور إلا بناءً على تخمرها في عقول ومواقف نجوم المجتمع ورجالات الفكر والدين السياسة في ذلك المجتمع، وقد يغضب الناظر بادئ الأمر عندما يلاحظ بأن مناضل البارحة أو ثوري اليوم هو عينه عسس الأمس، وذاك من خلال ممارساته اليومية في الشارع، لذا على المراقب أن لا يتذمر وهو يرى جلاوزة الأنظمة وهم يرتدون الأزياء الثورية ويرفعون ألوية الانتفاض على ما كانوا يقولون بأنهم يسعون الى التغيير نحو ما سيكون عليه الغدُ الجميل، إنما من يحض على الانزلاق ويساهم في الانجراف السلوكي هم أولاً حاملي لواء الفقه في الملة، والانحدار القيمي يبدأ منذ أن تمتنع النخبة عن قول الحقائق وتحوير المعاني الواضحة والبسيطة الى طلاسم تساهم في ضياع وتشويش وعي الرعية، وربما الحض فوقها على إدراج فلاشات أو كلمات في سياق الهتافات الثورية من دون الكشف عن معناها الحقيقي، وإلباسها بما كان مخالفاً تماماً لبنيتها الأصلية، باعتبار أن النخبة استساغت المحور الخاطئ الذي تم تناوله بين العامة، طالما كان ممجداً لمن كانوا يساهمون في تشويشه المستطاب، وفي هذا السياق لا نزال نتذكر ويتذكر معنا ربما أغلب المتابعين للحراك الثقافي، أغنية مارسيل خليفة " بين ريتا وعيوني البندقية" التي كانت من كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، حيث كانت قد تحولت القصيدة المغناة ولفترةٍ طويلة الى ترنيمة ثورية في عموم الوطن العربي، بل وغدت ريتا في بال العامة رمزاً من رموز البطولة والكفاح والمقاومة بنظر غالبية السكارى بجرعات الأناشيد الثورية، مع أن حقيقة الأغنية حسب المقربين من درويش ومتابعي سيرته، أو بالأحرى القصيدة هي بخلاف ما تم رسمها في مخيلة الناس، باعتبار أن ريتا لم تكن سوى فتاة اسرائيلية وقد غُرم بها شاعر المقاومة في غفلةٍ من زمنهِ الشعري، والأغرب أنها لم تكن من جمعيات حقوق الانسان، ولا كانت من الناشطات المناهضات لسياسة اسرائيل، ولا كانت عضوة بحزبٍ يناضل من أجل الحقوق العربية المسلوبة من قبل دولة اسرائيل، إنما وبكل بساطة كانت مجندة اسرائيلية تحمل بندقيتها وهي تحضر أماسي درويش الشعرية، إلا أن العقل الجمعي أسطر صورة ريتا من خلال النفحة الثورية مع رسم الهالات النضالية حول القصيدة وصاحبها والمغني معاً، وذلك حتى تكتمل الأيقونة النضالية في أذهان الناس، وباعتبار أن المناخ العام استسلم للمُنتج وخاصةً أنه كان خارجاً من لدن شخصين كانا فعلاً من رموز مرحلة نضالية مهمة، لذا لم تحاول العامة معرفة بطلة القصيدة قط، لأنه وبحسب ما تم تلقينهم به من تحريضات وشعارات وهتافات سابقة لم يتوقعوا بأن لا تكون ريتا غير فتاة مناضلة وثورية، وقد لا يكون لديهم الاستعداد أصلاً لقبول فكرة أن يحب شاعر المقاومة الأبرز في فلسطين فتاةً يهودية وفوقها مجندة في الجيش الاسرائيلي، لأن فكرة كره العدو وحدها كانت تزرع في صعيد العامة ويتم إجادة رسمها في المخيلة، أما أن يحب المرء عدوه فهذا ما لا يقبله العقل الشعبوي ومن ورائه عقول أقطاب السياسة في هذا المجتمع أو ذاك، بما أن الفرد يُخلق في بلادنا وهو مفطورٌ على الكراهية ومتعودٌ على نهل الأفكار التي تسوق له في وسائل الاعلام القومية والدينية والحزبية، باعتبار أن أقطاب الفكر والسياسة لا يريدون رفع الغشاوة عن أبصار الناس، لئن حسب تصورهم ليس من مصلحتهم ربما تقديم الصور الحقيقية للأشياء والوقائع، لذا تم ابعاد فكرة أن يحب المرء عدوته أو ينجب منها لو سمحت الظروف ابناً أو بنتا، وربما في خاتمة المطاف التناحري يسمونه بعد إدامة شروط المحبة سلام، علماً أن ذلك الحب ليس ببعيد عن قيم أناس تلك المنطقة الجغرافية، باعتبار أن يسوع الناصري قبل أكثر من ألفي عامٍ ردد أمام تلامذته وحضَ مراراً على حب الأعداء، إذن فتلك كانت واحدة من الصور التي تم تقليبها من قبل المتنورين لإيصال المعنى المغاير تماماً الى الناس، وذلك حتى لا تفتر هممهم النضالية والثورية وتبرد بعدها مشاعرهم نحو القضية، ومن يدري ربما كان هدف تغييب الحقيقة هو لئلا تصيب العامة عدوى التأثير والتأثر! وخشية النخبة من لجوء الناس الى محاكاة تجربة الحبِ مع الأعداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تونس.. فوز محسوم لقيس سعيد؟ | المسائية


.. هل من رؤية أميركية لتفادي حرب شاملة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الهلال والأهلي.. صراع بين ترسيخ الاستقرار والبحث عنه


.. فائق الشيخ علي يوجه نصيحة إلى إيران وأخرى إلى العرب




.. مشاهد لاعتراضات صواريخ في سماء الجليل الأعلى