الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية وحق المواطنة والحقوق القومية الكردية

خالد يونس خالد

2005 / 9 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الديمقراطية وحق المواطنة والحقوق القومية الكردية
بعد إعلان مسودة الدستور العراقي 1/2
(ورقة قدمها الكاتب في سيمينار عن الديمقراطية والدستور العراقي الدائم نظمه البيت الثقافي العراقي
بالتعاون مع جمعية المرأة العراقية وجمعية تموز في مدينة يوتنبرغ السويدية بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2005)

القسم الأول
هل يمكن بناء دولة ديمقراطية بدون وجود مؤسسات ديمقراطية؟

الدكتور خالد يونس خالد *

"للتاريخ عبرة وعظة ... مَن لم يتعظ به أخشى أن يكون هو من التاريخ ويتعظ به غيره". هذه الحكمة تنطبق على واقع العراق الذي نعيشه اليوم. والتساؤل الكبير هو، هل يمكن لنظام سياسي معين أن يوجد الديمقراطية، والديمقراطية كما نعلم تهدد كل نظام يسلب من الشعب حقوقه في المحك العملي؟
يقول المثل الأنكليزي: "الشعب يحمي ديمقراطيته". من هذا المنطلق أتحدث عن الديمقراطية وحق المواطنة والحقوق القومية للكرد والقوميات الأخرى في عراق اليوم، لأنه من الخطأ فصل الحالة الكردستانية والقوميات العراقية عن الحالة العراقية التي هي بدورها جزء من الحالة الأقليمية في النظام الدولي المعاصر.
السؤال الملح هو هل يمكن بناء دولة ديمقراطية مدنية دستورية في عراق اليوم بدون وجود مؤسسات ديمقراطية؟ هل نجعل من العراق دولة ديمقراطية من فوق أو من تحت؟ هل أن القيادات العراقية بشكها الحالي قيادات ديمقراطية تنوي بناء دولة ديمقراطية، لتكون هذه القيادات مهددة بفقدان السلطة أو أن الدولة الديمقراطية تبنى من القاعدة، قاعدة الشعب، لكي لا تحتكر السلطة بيد جهة معينة بصورة دائمة؟ ماذا ينتظر العراق وأقليم كردستان من مستقبل؟
هذه الأسئلة الكثيرة تدور في خاطري حين أحلل وضع العراق، فأنا لا أريد أن أقرأ التوافق بين الكتل السياسية في أجواء العنف، ولا أريد أن أقرأ الإتفاقات بين الأطراف السياسية بغياب المؤسسات الديمقراطية المدنية، لأنه يبدو لي وكأن كل جانب يخطط أن يحصل على مكاسب آنية لتحقيق استراتيجيته في الدائرة الدينية أو القومية أو المذهبية سواء في وحدة العراق باستخدام السلاح الديمقراطي لضرب الديمقراطية أو بالانفصال أو اعلان الاستقلال القومي لقومية أو أكثر في اطار خطط لتقسيم العراق.
أنا أفهم أن الحرية ممارسة ديمقراطية في غياب العنف، وأن الحرية الديمقراطية لا تنبت في أجواء ربط سلطة الدين بالدولة إلى درجة تتحكم في المؤسسات المدنية، وحقوق المواطنة والحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى، لأن الديمقراطية تتطلب العلمانية الديمقراطية والليبرالية، ليس بمفهوم سلطة الأقتصاد في احتكار موارد الدولة، إنما بمفهوم الحريات السياسية والفردية وحقوق القوميات.
من هذه الزاوية أود أن أؤكد على الديمقراطية وحقوق المواطنة والحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى أيضا بسبب الترابط الديناميكي بين هذه المعادلات على أساس الترابط والتكامل والحركة ووحدة الأضداد طبقا للعملية الديالكتيكية للفسيفساء العراقي في إطار المجتمع المدني الذي نزمع تحقيقه.
كيف يكون ذلك؟
الديمقراطية تعني سلطة الشعب وأن الشعب مصدر السلطات، وهذا يعني أن المواطنين يساهمون في صنع القرار السياسي، وهذا يعني أيضا أن المواطنين يتمتعون بحق المواطنة وبالواجبات التي تفرض عليهم المواطنة أن ينَفذوها مقابل الحقوق التي يتمتعون بها. وهذا يعني أيضا أن الشعب الكردي يجب أن يتمتع بحق تقرير المصير في إطار إتحاده الاختياري مع القوميات العراقية الأخرى في عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد وتثبيت الوحدة العراقية في الدستور. فإذا كانت للقومية الكردية والقوميات العراقية الأخرى حقوق يتمتعون بها، كما للمواطنين حقوق المواطنة فإن العراقيين يستطيعون أن يبنوا عراقا ديمقراطيا إتحاديا موحدا طالما أن القومية الكردية قد اختارت الفدرالية كضمان لحقوقها القومية في الإتحاد العراقي الديمقراطي الموحد. لكن هذه الحقوق الوطنية للمواطنين وللقوميات لا تتحقق إلاّ في أجواء الديمقراطية الليبرالية أي عدم حكم الأغلبية بحرمان الأقلية من الحكم، إنما بمساهمة الأقلية أيضا مع الأغلبية. وبدون هذه العلاقة التفاعلية لا يتطور المجتمع، ولا يمكن أن يكون مجتمعا مدنيا ديمقراطيا قابلا للتغير والتقدم.
مهمة الدولة المدنية الدستورية هي المحافظة على كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر. فهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها دولةَ مواطنة، تقوم على قاعدة ديمقراطية هي المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات. وعليه فالمواطنون لهم حقوق يتمتعون بها، مقابل واجباتٍ يؤدونها. وهذه المواطنة لصيقةٌ كليا بالدولة المدنية، لأنها لا تتحقق إلا في إطار دستور أقره الشعب ديمقراطيا، يصون كرامة المواطن وقناعاته في ممارسة معتقداته وأفكاره بالشكل الذي يؤمن به في إطار ذلك الدستور الذي يجب أن يحترم حقوق المواطن والقوميات. فإذا كان للمواطن هذه المساواة في الحقوق التي يضمنها الدستور، فذلك يعني إنعدام التمييز بين المواطنين بسبب قوميتهم أو دينهم. إذن العلاقة بين الدولة المدنية والمواطنة أساس بناء المؤسسات المدنية الديمقراطية، وأساس هذه العلاقة هي الحقوق والواجبات بحرية، وحماية مصالح المواطنين التي تعتبر نواة مصالح المجتمع والدولة. فبدون حرية لا يمكن صيانة حقوق المواطنين، ولا يمكن للمواطنين القيام بواجباتهم تجاه الدولة. فالتفاهم والاحترام يؤديان إلى الالتزام من قبل المواطن تجاه الدولة، ويؤديان إلى حماية الدولة لحقوق المواطن. ومن هنا تتعمق قوة الإرادة الوطنية لتحقيق الاستقرار والسلام والازدهار. وعليه يجب تأكيد المواطنة في دستور الدولة المدنية، لحماية هذه المواطنة ومتطلباتها وتفعيلها في الممارسة العملية وليس مجرد قاعدة قانونية. فديمومة المواطنة والمشاعر الوطنية المخلصة تجاه الدولة تتعمق في ديمومة الدولة المدنية ليس فقط في الحرية السياسية والفردية إنما في الحريات العامة وحقوق القوميات والأقليات أيضا. لأن المواطنة لا تتحقق في الدولة الدكتاتورية أو الاستبدادية التي قاعدتها القمع والإرهاب، حتى وإن وُجِدت الحرية السياسية، طالما أن تلك الحرية تنسف المواطنة وتُلغي دور المواطن في بناء المؤسسات الديمقراطية المدنية. كما لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية، لأن العقيدة، أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد والتوجهات الفكرية والسياسية التي تتعارض احتكار شيوخ الدين للسلطة الدينية والسياسية على حد سواء. ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في المجتمع المدني، لكن الديمقراطية لا تعيش مجردة من الحرية. والحرية السياسية بدون ديمقراطية ليبرالية تحول الديمقراطية إلى ديمقراطية اجراءات وليست ديمقراطية قرارات، كما هو الحال في ديمقراطية تركيا وإيران. فالحرية السياسية بمعزل عن ديمقراطية قرارات تحرم المواطنين من مواطنتهم الحقيقية في التعبير عن رأيهم، وتحرمهم من ممارسة إرادتهم الحرة، كما تحرم القوميات في التمتع بحقوقها القومية.
إذا سلمنا بضرورة احترام حق المواطنة في الدستور العراقي الجديد في المحك العملي، وليس مجرد مبدأ دستوري، فإن المواطن يمارس حقوقه بحرية مقابل القيام بواجباته الوطنية. وهذه القاعدة الديمقراطية تنطلبق على كل المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين والانتماء القومي او المذهبي أو الطائفي. وإذا كان إيماننا بحق المواطنة في إطار الدستور الذي أقره الشعب، فإن هذه الحقوق القومية تدخل في إطار حقوق المواطنة. فالعربي يتمتع بحقوقه كعربي، والكردي يتمتع بحقوقه ككردي، وهكذا بالنسبة للتركماني والكلدو آشوري وغيرهم.

مسودة الدستور العراقي وثيقة دينية تهيأ لدولة دينية على غرار إيران
الاشكالية الكبيرة في مسودة الدستور العراقي هي أنها لم تؤكد على عامل مهم من عوامل ممارسة الديمقراطية وهو العلمانية. وهنا أعني العلمانية الديمقراطية أو المتنورة (تمييزا عن العلمانية الكاريكاتيرية في تركيا مثلا) كما يقول الأستاذ (شاكر النابلسي)، وتمييزا عن العلمانية الصراعية التي تمنع المظاهر الدينية مثلا، وتمييزا أيضا عن العلمانوية التي هي حيز من حيزات العلمانية، لكنها ليست العلمانية، باعتبار أن العلمانوية ترفض الدين مما تعطي فرصة للإسلامويين، تمييزا عن المسلمين والإسلاميين، بتكفير العلمانيين والعلمانويين دون تمييز بين العلمانية والعلمانوية. فليس كل علماني هو علمانوي، لأن العلمانية تحمي الدين من المتغيرات السياسية في النظام الداخلي، مثلما تحمي السياسة من الثوابت الدينية في النظام الدولي، وإلاّ كيف تستطيع الدولة التحرك والتفاعل مع نظام العلاقات الدولية؟
إذن العلمانية التي تعتبر أحد الأسس الرئيسة للدولة الديمقراطية تحمي الدين من السياسة مثلما تحمي السياسة من الدين. تحمي الدين كعقيدة ذات ثوابت وأساسيات لا تتغير، وهذه الثوابت تجب أن تُحترم قانونيا طبقا لمبدأ حرية العقيدة. فالسياسة هي حركة ديناميكية قابلة للتغَيرات والتحولات في أية لحظة. لذلك فإن العلمانية عامل ثبات واستقرار للدين، والسياسة عامل تغير وتطور في المجتمع المدني. كما أن العلمانية تهيأ الأجواء الديمقراطية لكل العقائد والتوجهات في الحركة، وهي بالتالي ضمانة لممارسة هذه الحقوق والواجبات. وهي تعترف أيضا بالدين وتقر بثوابته وأساسياته مثلما تعترف بالسياسة وتقر بتغيراتها وتكيفها في إطار نظام العلاقات الدولية.
إذن كيف نستطيع أن نحمي الديمقراطية في مجتمع ديني إذا يحول الدستور الحالي جمهورية العراق إلى دولة دينية تحكمها قواعد ثابتة وأحكام فقهية متعارضة بل وعدائية أحيانا مع أحكام فقهية أخرى؟ مثل تعارض الأحكام السنية مع الأحكام الشيعية، والأحكام الشيعية مع أحكام التشيع والزيدية فيما يتعلق مثلا بزواج المتعة وولاية الفقيه والتقية والخُمس والأئمة والخلفاء الراشدين والطلاق وغيرها.
الديمقراطية في العراق التعددي الإتحادي الموحد تفرض على الكرد وقياداته ومؤسساته واجبات بقدر ما لها من حقوق. وهذه الحقوق لا تنحصر في منح الحرية للكرد فقط إنما تشمل جميع الأقليات القومية والدينية سواء في العراق أو في أقليم كردستان. ولا يستطيع الكردي أن يمارس حقوقه في أقليم كردستان بمعزل عن الديمقراطية وعن الشروط التي ذكرناها أعلاه فيما يتعلق بالدولة المدنية. والأهم من ذلك أن الكرد يقولون أنهم مارسوا الديمقراطية نسبيا في أقليم كردستان منذ عام 1992 ولحد الآن، وهذه التجربة، إضافة إلى المباديء الديمقراطية الليبرالية، واصرار الكرد على العلمانية والفدرالية تتطلب منهم أن لا يحرموا غير الكرد من التمتع بحقوقهم. فالشعب الكردي كان مضطهدا طوال تاريخ العراق إلى عام 1992، ولذلك فإن الواجب القومي والاخلاقي إضافة إلى المباديء الديمقراطية تتطلب منهم بإلحاح أن يعترفوا بحقوق الأقليات القومية والدينية الأخرى في اطار استقرار الاقليم الكردستاني على غرار وحدة العراق.
إذن الديمقراطية وحقوق المواطنة والحقوق القومية الكردية والفدرالية هي من أجل وحدة العراق. أما الخوف من هذه الحقوق فمصدره أن الخائفين قد ورثوا الإرث الاستعماري من أنهم كانوا مضطهدين يوما، وحين تحرروا أسسوا دولهم القومية، ولذلك فإن الاعتقاد بتحرر الكرد في مخيلتهم يعني الانفصال أو اعلان الدولة الكردستانية. ولكن يفتقد هذا الاعتقاد إلى تجربة مقنعة أو قناعة عقلية مبنية على البرهان. فإعلان دولة كردستانية لا تعتمد على الكرد وحدهم بل تعتمد بالدرجة الأولى على تعامل العرب معهم، والسياسات العربية، ومدى نجاح التجربة الديمقراطية العراقية وضمان الحقوق القومية للكرد وللقوميات الأخرى، إضافة إلى العوامل الأقليمية والدولية. والأهم من كل ذلك الاستعداد الكردي أو العوامل الداخلية الكردستانية.

إعلان استقلال كردستان لا يعني دائما تحقيق الاستقلال
إعلان الاسسقلال لا يعني دائما تحقيق الاستقلال، فقد أعلنت القيادة الفلسطينية الاستقلال وتشكلت دولة فلسطينية عام 1988، ولكن لم يتحقق ذلك الاستقلال، لذلك فإعلان القيادات الكردستانية الاستقلال بدون أن يتحقق ذلك الاستقلال يعني كارثة بالنسبة للكرد كما كان بالنسبة للشعب الفلسطيني. لذلك يجب أن يكون الكرد مهيئين لهذا الاستقلال بتفاعل العوامل الداخلية مع العوامل الدولية. أما إذا أعلنوا الاستقلال بإيعاز من المجتمع الدولي، فإنه سيتحقق ذلك حتى وإن لم يكن الشعب الكردي مهيأ لذلك، لسبب بسيط، وهو كما قال لينين، إذا أردت أن يلتف الشعب حولك فأعده بالاستقلال. لكن المجتمع الدولي لا يقوم بهذه الخطوة إذا نجحت التجربة الديمقراطية العراقية، وأدت إلى تحقيق التوازن في منطقة الشرق الأوسط.
يبدو لي أن موقف العرب السنة من الدستور ، ولا سيما من إدخال مبدأ الفدرالية في الدستور موقفا متأتيا من الأرث الاستعماري كما بينته أعلاه. فلا يوجد مثال واحد لدولة فدرالية أدت إلى التقسيم في ظل الديمقراطية الليبرالية والتعددية، لذلك فإن الديمقراطية الليبرالية ضمان لوحدة العراق. أما الدول التي قُسمت مثل يوغسلافيا فمردها انعدام الديمقراطية وعدم الاعتراف بالحقوق القومية للقوميات الأخرى في يوغسلافيا لأن الصرب كانوا القوة القابضة على السلطة بعد رحيل الزعيم الكبير جوزيف تيتو الذي لم يكن صربيا.
السؤال الأكبر من كل هذه الأسئلة التي طرحناها هو مدى نجاح الديمقراطية في عراق اليوم بدستوره الدائم محل الجدال والسجال السياسي والاختلافات، ودرجة وعي الشعب العراقي ولاوعيه بالمستقبل، واشكالية القيادات العراقية والميليشيات العسكرية العراقية والارهاب الذي يحصد العراق.

الكرد وحقوقهم القومية في مشروع الدستور العراقي الجديد
يرى الشعب الكردي مصيره بالدولة الكردستانية إذا ربطنا هذا المصير بحق تقرير المصير في الدستور العراقي. أما الفدرالية فليس هدف مصيري، لكنها تُلزم الكرد بالإتحاد الاختياري لأنها ضمان لحقوق الكرد ولوحدة العراق، لذلك فالقيادات الكردستانية تملك مجالا للتحرك في إطار الدائرة العراقية، في الوقت الذي يكون للشعب الكردي دور كبير في الدائرة الكردستانية. فالكردي بحاجة إلى ضمانات من قياداته ومن العراق في عراق ديمقراطي تعددي إتحادي موحد.
هنا نأتي إلى القضية الأساسية بالنسبة للكرد وهي المطالبة بالفدرالية، مع إيماننا الكامل أن الفدرالية في عراق فدرالي لا تعيش بمعزل عن الديمقراطية، لأن الديمقراطية ضمانة أساسية لحقوق المواطنين من جهة وحقوق القوميات والأقليات القومية والدينية من جهة أخرى. فمطالبة الكرد بالفدرالية في عراق ديمقراطي تنطلق من حاجتهم للضمانات الدستورية، وعدم الانفصال عن العراق الديمقراطي، لذلك فإنهم يصرون على ادخال مبدأ الفدرالية في الدستور العراقي، مقابل التأكيد على وحدة العراق. لكن هذه الوحدة تستمر فقط في حالة احترام السلطة للعبة الديمقراطية التي تحدثنا عنها أعلاه. فإذا ما فشلت اللعبة الديمقراطية، وأدت الديمقراطية إلى سيطرة فئة استبدادية على السلطة عن طريق الانتخابات، كما حدثت في ألمانيا حين قبض هتلر على السلطة بالانتخابات، فإن الدستور يعطي الحق للشعب الكردي بالانفصال أو إعلان دولة كردستانية طبقا للعبة الديمقراطية والضمانات الدستورية ولاسيما الفدرالية كمبدأ أساسي في الدستور .
هنا نأتي إلى نقطة جوهرية وهي مخاوف جهات عراقية معينة من أن الفدرالية قد تؤدي إلى تقسيم العراق. ولكن مقابل هذه المخاوف توجد مخاوف كردية من امكانية سيطرة بعض القوى الاستبدادية على السلطة فتقضي على الحقوق القومية الكردية، لأن تجارب الكرد مع العراق منذ تأسيسه ولحد سقوط صدام حسين كانت تجارب فاشلة.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هو لماذا يرفض بعض القوى العراقية والعربية الأخرى درج الفدرالية في الدستور العراقي؟ هل أن هذا الرفض ينطلق من منطلق حرصها على وحدة العراق أو من منطلق عدم إيمانها بالديمقراطية كعامل لوحدة العراق؟ ويمكن أن نتساءل أيضا أن طريقة تفكير القوى العربية التي ترفض الفدرالية والديمقراطية قد تؤدي إلى التخطيط لاستخدام سلاح الديمقراطية للقضاء على الديمقراطية أو الوصول إلى السلطة بانقلاب عسكري لتنسف حقوق الشعب الكردي كما فعل نظام صدام حسين والأنظمة العراقية السابقة له. واستنادا لهذه التجارب المريرة فإن للكرد الحق في التأكيد على الفدرالية من منطلق حق تقرير المصير طبقا للضمانات الدستورية إضافة إلى الاعتراف بهذا الحق في القانون الدولي العام.
هنا نصل إلى نقطة أساسية بالنسبة للشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه ومذاهبه وهي أن وحدة العراق تكمن في الديمقراطية أولا، وربط هذه الديمقراطية بالليبرالية والعلمانية ثانيا، وبالفدرالية ثالثا. ولكن السؤال الكبير هو هل أن مسودة الدستور العراقي الدائم التي أعلنت في أواخر شهر آب/أغسطس من العام الجاري وأقرها البرلمان العراقي تقر بحقوق الشعب الكردي وتمنحها الضمانات للمحافظة على وحدة العراق واستقراره؟ هذا ما نعالجه في القسم الثاني من هذا الموضوع؟

القسم الثاني: هل تقر مسودة الدستور العراقي الدائم بحقوق الشعب الكردي؟
* الكاتب باحث وكاتب صحفي مستقل
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق تركي ينجح في صناعة طائرات مسيرة لأغراض مدنية | #مراسلو_


.. انتخابات الرئاسة الأميركية..في انتظار مناظرة بايدن وترامب ال




.. المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يزور إسرائيل لتجنب التصعيد مع


.. صاروخ استطلاع يستهدف مدنيين في رفح




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب في قطاع غزة؟