الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضوء التجربة العراقية الهروب العربي من الديمقراطية

فالح الحمراني

2005 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لقد اكدت التجربة العراقية وطموح العراقيين لبناء نظام ديمقراطي وتقدمهم بخطوات شجاعة وصعبة ومؤلمة نحو الهدف وموقف شرائح عربية سواء من المثقفين والعامة السلبي والمشكك بها، هناك في حقيقة الامر قطاع واسع غير مستعد للنظام الديمقراطي، وان الديمقراطية الحقة مازالت شعار النخبة المتنورة والمجربة سياسيا.والمفارقة تلوح لنا بان ليس هناك خلاف على ان العرب بحاجة ماسة حقا للنظام الديمقراطي كوسيلة للاصلاح والتحديث العام. نظام يقوم على انتخاب اصحاب السلطة والقرار ومشاركة الاغلبية في الحكم واحترام راي الاقلية واتاحة الفرصة لها للعمل بحرية،وفصل السلطات وتعددية الاحزاب، وتشغيل ادوات مراقبة السلطة؟ نظام يقوم على المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني. ان الشعارات المطروحة والسجالات، الدائرة تؤكد ذلك.وهذا ما عبر عنه المفكر السوري واحد المنظرين للديمقراطية في العالم العربي برهان غليون بقوله ان "التحول نحو أنظمة ديمقراطية هو اليوم شعار مشترك بين جميع التنظيمات السياسية العلنية وهيئات المجتمع المدني والمثقفين على اتساع الأرض العربية.وفقد نظام الحكم الاستبدادي مرتكزاته الرئيسية حتى على المستوى السياسي، فلم يعد يتمتع بأي صدقية بعد أن أبرزت المعارضة الديمقراطية ضآلة النتائج التي تحققت على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستفحال الفوضى والفساد وانعدام المسؤولية لدى النخب الحاكمة". بيد ان هناك جوانب من الممارسة اليومية وردود الافعال على الاحداث في العالم العربي( لاسيما على المستوى الاجتماعي دعك عن الرسمي. الذي له حديث اخر)، تبدي هواجسها . هناك شرائح من المجتمع العربي تنظر للديمقراطية بتوجس وتردد وعدم ثقة. وتتهرب من الديمقراطية حال ان تضع اول خطوة لها على بقعة من الارض العربية. وتتراجع عن تقديم دعم لاية تجربة ديمقراطية. بل انها تبحث عن نقاط الضعف فيها لكي تنهش هذه التجربة، وتقتل الجنين قبل ان يرى النور. ولعل اخر الاحداث يتمثل بالموقف من التجربة الديمقراطية في العراق، وردود الفعل العدائية الواسعة التي استقبلتها. ويشارك في الموقف طيف من المثقفين وانصافهم ومن المظللين ايضا. من بينهم يساريين كانوا ينادون ايضا بالديمقراطية. دون التفكير بالعمل على دفع العملية الديمقراطية في العراق، مساعدتها على النمو والتطور واحياء نماذج مثيلة لها في الدول العربية .وتتناسى الك الشرائح ان التاريخ لايُصنع بقفازات نظيفة وانه لايتحرك دائما في طريق مستقيم. ويلوح ان المحرك هو الخوف من التجربة السياسية في العراق، وليس من القوات الاجنبية(الذريعة التي يضعها البعض بعدم دعم التجربة العراقية) ، فانها مرابطة في اكثر من دولة عربية.
حينما نطل بعيون فاحصة على الخريطة السياسية في العالم العربي لانعثر على حركة او تيار ديمقراطي صاحب قوة مؤثرة وبمقدوره جر الشارع خلفه عندما تنضج الظروف لانتخابات شرعية او لاسامح الله عند نشوب " ثورة ملونة". وهذه المفارقة قائمة في وقت غدت كلمة الديمقراطية، والدعوة الديمقراطية مصطلح شائع الاستخدام في الشارع العربي، ونادرا ما نعثر على من يعترض على اقامة انظمة ديمقراطية، بل وحتى خصوم الامس للديمقراطية امتطوها كحصان طروادة للدخول الى الحلبة السياسية والحصول على مواقع حساسة في مؤسسات السلطة. وحينما نقرا وسائل الاعلام العربية ونشاهد المتبارين والخطباء من على الفضائيات وشاشات قتوات التلفزيون المحلية، سنؤمن قطعا اننا نقف على اعتاب التحول الديمقراطي، فكأن الظروف خُلقت والسُبل مهدت وثمة اجماع للامة على الخيار الديمقراطي. فما المانع اذا من الشروع باخراج الخيار لحيز الوجود؟ وما الذي يحول دون وضع الخطوة تلو الاخرى لبلوغ الهدف المنشود؟.يبدو ان اؤلئك يتعاطفون عادة مع الديمقراطية عندما تكون صنما محنطا، نظرية سياسية، ويخافونها، كقوة حية، لها تجلياتها على ارض الواقع.بعض الانظمة جازفت باشاعة الديمقراطية، ولكن سرعان ما تراجعت عنها وكمت افواه من حاول التتفس بحرية في الفسحة التي وفرتها له ( لساعات).يبدو انها ادرك انها اطلقت " الجن" المارد على التخلف والاستبداد.
المفارقة ان لدى قطاع من العرب تصورا مجردا عن الديمقراطية. مثلما كان لدى غالبية اليساريين تصورا غامضا عن الاشتراكية العلمية. وهذا ليس بغريب فالشعوب تهضم الابديولوجيات القادمة من الخارج عبر شبكة وعيها التاريخي وموروثها الثقافي، وتخلق منها كائنا جديدا، غالبا ما يكون مشوها، خاصة اذا لم يتم استيعابها بوعي وارادة حرة أي اذا اخذتها دون معاناة فكرية، وكلقمة سائغة.فما ان تتجسد الديمقراطية في اشكال ملموسة وواضحة المعالم حتى يتم النظر لها في العالم العربي بشكوك وهواجس، وكانها تنين او خرتيت، زاحف من المحيطات والبحار النائية لخنق العالم العربي، ويجري الحديث عن المخاوف من وجود مؤامرة وخدعة دولية للايقاع بالعرب، وتصفية " الاصول والهوية القومية"؟! التي يتميزون بها.وتنطلق الديبجات والمقالات الرنانة والاحاديث المسهبة التي تجعل منها فزاعة. وهناك ايضا من يخلع مسحة خيالية على الديمقراطية، ويتعامل معها على انها " قواعد منزلة"، ويجعلها موضع شك حينما تقدم له على طبق اخر غير الذي رسمه في ذهنه.او ينظرون لها على انها فعل ناجز، ناضج، لايمر بمراحل وينمو ويترعرع.
والى جانب رفض المبادرات التي تنطرح بين الحين والاخر من قوى داخلية او خارجية على العالم العربي من اجل تفعيل عملية اصلاح النظام السياسي ومنحها مضمونا، فاننا لم نسمع غير اصوات خافتة تتحدث عن مشاريع بديلة تناسب المجتمعات العربية، وتبقى في اطر محدودة جدا. ان الرفض موقف سهل ولكن تطوير البديل،او الاخذ بجوهر المبادرات المطروحة من اجل صياغة رؤية واضحة للفعل الديمقراطي العربي، واقامة المؤسسات لتكن المدنية له عملية شاقة وعسيرة وتحتاج لفكر وتضحية.
وهناك الكثير من العرب من يتعاطى باستهزاء مع تجارب الديمقراطية في البلدان الاخرى مهما كان حجمها. دعك عن التشكيك بتطبيقها في دول العالم الاخر ( لاسيما العدوة ).وينطلق هذه الموقف من قضية يعتبرها البعض بديهية، تقوم على استحالة اجراء انتخابات حرة ونزيهة وان العملية السياسية في الدول الديمقراطية حكرا على شرائح محدودة، وان نتائج الانتخابات تكون عادة مزورة ولاتعكس ارادة الاغلبية. ويتسائل هذا البعض "هل يمكن لواحد لا يملك إلا القليل من الدولارات ؟ أن ينجح في تسلُّم مركز حاكم لولاية، أو عضو كونغرس لولاية ، أو أنْ يكون واحداً من اعضاء مجلس الشيوخ عن إحدى الولايات، أو رئيس الولايات المتحدة ؟ من مجموع 43 رئيسا بدءا من جورج واشنطن وحتى بوش" (مقتبس).ويؤسس اخرون من ذلك موقفا مفاده ان الديمقراطية او على الاقل في شكلها المطبق ليست الخيار المطلوب للنظام العربي. وثمة من يرى "انه من الزيف القول : إنَّ فقدان الديمقراطية في الأنظمة العربية هو سبب تأخر الأمة، فالألمان، كان تقدمهم هائلا ـ في ظل أشد النظم الدكتاتورية عُتُواً ـ وهو النظام النازي ، والاتحاد السوفييتي كان متقدما في أيام ستالين، وانـهار في ظل دعوة البيروسترويكا"( مقتبس)ويقول الكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم "ان الديمقراطية الراسمالية ليست فكرة يمكن استعارتها بل بيئة تشكلت خلال قرون طويلة من معايشة الثورة الصناعية ...وكل محاولة لنقل هذا النظام الحزبي الى بلد غير صناعي( والحديث عن العرب) فكرة من شانها ان تحيل الديمقراطية الراسمالية الى تمثيلية هزلية تختفي وراءها اعتى نظم الطغيان واكثرها جبروتا وقسوة".وبرايه فان "العرب بالذات هم اشهر شهود الاثبات على ان الديمقراطية ليست فكرة يمكن استعارتها خارج بيئتها الاصلية" ويدعو النيهوم الى " ديمقراطية مباشرة" غامضة المعالم. ويدعو طرف اخر" الى حصر الديمقراطية في الجانب السياسي دون التعرض والتأثير على الجانب الثقافي الذي نلتزم به، ولانه مرتبط بارتباط وثيق باعرافنا وقيمنا ومفاهيمنا الاسلامية السامية، ويجب ان نجعل من الديمقراطية منظومة سياسية حضارية لخدمة الاسلام وليس العكس، وان لا نتخذ من الديمقراطية ذريعة لطمر القيم والاعراف التي تربينا عليها".( مقتبس)
و هناك من يكون اكثر صراحة، فيقول لنا ان الشعوب العربية غير مهيئة بعد للديمقراطية، وان احلال النظام الديمقراطي سوف يخلق حالة من الفوضى والانفلات الامني.وربما يقترب هذا الطرح من القاء شئ من الضوء على السبب الذي يجعل شرائح اجتماعية دعك عن الانظمة السياسية تتوجس من الديمقراطية. ولايكمن السبب في كونها فكر مستعارة، او انها "معطف" غريب يحاولون ارغام الكيان العربي على لبسه، بل لان الحركة نحو الديمقراطية في العالم العربي مازالت ضعيفة وغامضة،، والنموذج الديمقراطي العربي ( النماذج) مازالت غائبة.وان العرب عموما لم يحسموا امرهم بعد بشان النظام السياسي الملائم، ويتنازعون بين الدعوة لاعادة الخلافة او الحكم الاستبدادي المتنور، او الديمقراطي بنموذجه الغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا