الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.

نضال الربضي

2015 / 3 / 22
حقوق الانسان


المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.

يوجد تواصل ٌ خفي ٌّ بين السياسة و الحياة الفردية للأشخاص، و أسمية "خفيا ً" لأن الفرد لا يرى أثر السياسة في حياته اليومية إلا إذا ذكره به حدث ٌ يجتمع عليه الأفراد بين يدي إعلان ٍ سياسي أو خطاب ٍ للقائد، بينما يمضي دون ذلك َ كلٌّ في حياته كأنه منفصل ٌ عن هذا المجتمع و تلك الدولة، لا يتصل بهما إلا تحقيقا ً لحاجات الطعام و الشراب و الملبس و المسكن و الدواء و العمل و الترفيه، و كلها ذوات أقنعة تخفي اليد السياسية التي تديرها و تؤثر عليها.

مر عيد ُ الأمِّ هذه السنة كغيره من السنين، لا جديد، ذات ُ الإعلانات، ذات ُ التسابقات التسويقية من أجل إرضاء ست الحبايب ظاهرا ً، و تكويم ثراء التجار و الشركات خفاء ً، لكنه حمل هذه السنة الإعلان الذي كتمته السياسة ُ منذ عقود عن أمهات فلسطين، و أعني به تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن تقوم دولة فلسطينية طالما انتخبه الشعب الإسرائيلي، و قد تم له ذلك.

لا يحتاج الأمر إلى ذكاء ٍ شديد أو عبقرية ٍ من نوع ٍ خاص للتوصل إلى ما قاله نتنياهو، فأيُّ مفاوضات ٍ تستمرُ ربع قرن ٍ من أجل أمور ٍ محددة و معروفة يمكن حلُّها بوضع خطة ِ عمل على مراحل لو توفرت النية الحقيقية للحل!؟ هذه المفاوضات التي أصبحت أدنى من أن تُوصف بالعبثية خرجت من العبث ِ نحو المرارة ِ الممزوجة ِ بالسخرية اللتين تضربان ِ قاع َ اليأس و تخترقان ِ حاجز ِ الظلم ِ و الألم لتصلا إلى أبشع ِ سلب ٍ للإنسان ِ و تجريده من أبسط حقوقه في وطن ٍ يعطيه هوية ً وجودية.

إن وقع إعلان نتنياهو يهبط ُ على الأم ِّ الفلسطينية ِ هذا العام بثقل ٍ شديد، فهو يعني أن أعداد الأسرى و الجرحى و القتلى و الممنوعين من العمل و السفر و المشوهين نفسيا ً من صغار ِ الأجيال الفلسطينية سوف يزداد.

إنه يعني بوضوح ٍ شديد أن مأساة الطفل و الولد و البنت و البالغ من أجيال الفلسطينين سوف تستمر، و أن الأم الفلسطينية سوف تدفع ُ من قلبها و إحساسها و جسدها و حياتها ضريبة احتمال هذا الألم الذي تعيشه مع أبنائها، و أنها ستبقى محرومة ً من أن تشاهد ابنها و ابنتها يعيشان "متل باقي الناس" بكرامة و سعادة و فرح.

إنه يعني أن على الأم الفلسطينية أن تبقى في العذاب، تنظر إلى المستقبل فلا ترى إلا ضبابا ً يخفي المصير و لا يُظهر ُ من معالم ِ الطريق إلا ما يزيد الألم و يستديم الحسرة، و يدفع القلب المتعب نحو مزيد من الخفقان و الصدر َ نحو مزيد ٍ من الجيشان و العيون َ إلى دمع ٍ قد نضب َ أو كاد.

هذه تحتضن ُ شهيداً، و تلك َ تسهر ُ على سرير مريض، و ثالثة ٌ لا تريد ُ سوى أن يكمل ابنها دراسته الجامعية، و رابعة ٌ أبناؤها أسرى، و خامسة ُ تلد على حاجز، و سادسة ٌ زوجها في المعتقل، و سابعة ٌ تصرخ ُ أمام كاميرات التلفزيون أمام أرضها المصادرة، و ثامنة ٌ و تاسعة ٌ و عاشرة ٌ حتى المليون.

بعيدا ً عن العاطفة، فلنتأمل سويا ً:

- حكومة ٌ إسرائيلية ٌ متطرفة لم ترد يوما ً سلاما ً و تعلن بكل وقاحة عن موت المفاوضات.
- فصائل ٌ فلسطينية ٌ متنازعة لا يوجد لديها أي برنامج عمل سوى استدامة النزاع بينها.
- دول عربية متفرقة لم تكن يوما ً قد اتحدت و لن يحدث، فلا يجمعها سوى اللغة و الدين، و هذان لا يصنعان وحدة.
- دعم عالمي لدولة إسرائيل و تعهد دولي بضمان حمياتها و وجودها.
- شعب ٌ عربي في الداخل الإسرائيلي يعامل كمواطنين من الدرجة الثانية.
- شعب ٌ عربي في مناطق السلطة و قطاع غزة يعيش في كانتونات يشرف عليها السيد الإسرائيلي.

و يحمل ُ ثقل َ كل هذا الأم الفلسطينية، تلك التي تربي فُيختطف من يديها من تربيه، ليموت أو يُسجن أو يصبح ذا عاهة ٍ أو أقله ليقبل َ بالقليل القليل في وطن ٍ لم يعد يملكه، و المحظوظ ُ منهم من هاجر َ إلى بلد ٍ آخر حتى "يعيش متل باقي الناس"، و ترك َ كل الألم ِ وراءه.

ليس لدي حلول لأقدمها، فالموضوع أصبح َ فرض َ واقع ٍ لا يقبل ُ التنظير!

كثيرون يُنظرِّون، و سيظلون، و كثيرون يتحدثون عن المقاومة، و مثلُهم عن المفاوضات، و مثلهم عن مسار ٍ يجمع المقاومة َ و التفاوض، بينما تمضي إسرائيل لتصادر الأراضي و تبني المستوطنات، و تبني دولتها على المزيد من دماء الشعب الفلسطيني يوما ً بعد يوم.

كتبت ُ هذا المقال لأنني شاهدت ُ صورا ً البارحة لأمهات ٍ فلسطينيات يحتضن َّ جثامين أولادهن، بينما نطبع ُ نحن القبل على وجنات ِ أمهاتنا و نقدم لهن َّ الهدايا.

لست ُ متشائما ً أبدا ً، و أعتقد ُ أنه يجب علينا أن نستمر َّ في الفرح ِ و الاحتفال و السعادة و تقدير أمهاتنا يوم عيد الأم و كل َّ يوم ٍ آخر، كما أعتقد ُ أننا يجبُ بينما نفعل ُ ذلك َ أن نذكر َ أؤلئك َ اللواتي لا هدايا لهن َّ سوى جثامين الأبناء، أو ذكريات البناتِ في المعتقلات يقضين السنين في الزنازين ،أو مظاهر ِ الحسرة ِ و الألم، في أرض ٍ عاصمتها اسمُها "مدينة السلام"، يذكر ُ التاريخ ُ أنها لم تعرف يوما ً أي سلام.

هذا المقال ليس سياسيا ً أبدا ً فهو لا يتضمن حقائق تحت هيئة ِ إحصاءات، و لا يقدِّمُ نفسه بصياغة جدِّية ٍ رصينة ٍ تليق بالجمل التقريرية لأرباب ِ السياسة ِ و محلليها، لأنه مقال "إنساني" من قلبٍ إلى قلوب، يقصدُ أن ينفذَ إلى عقولكم ليستنهض َ صورا ً قد غابت او غُيـِّبت، بقوة الصلة الخفية التي كانت أولَّ جملة ٍ في هذا المقال، و آخر جملة، و كأنني أريد أن أقول: أن السياسةَ حينما تعلو على الإنسان، تغيبُ الأم، و يغيبُ معها الإنسان، لأترككم بين يدي تلك الصور مُعتذرا ً عن قسوة ِ هذا الاستدعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ نضال الربضي المحترم
ليندا كبرييل ( 2015 / 3 / 23 - 11:36 )
الإنسان الغربي عادة لا يهتم بالسياسة إلا عندما تمسّ مصالحه، فتراه يهرع إلى صندوق الانتخابات لتأييد من يسند توجهاته واهتماماته

في بلادنا نتنفس السياسة، فلا تعرف عيد أم من عيد الميلاد من عيد الفطر.. كلها أعياد حزينة، يمتنع الناس عن إحياء الأفراح احتراماً للحزانى، وما أكثر الحزن ببلادنا

كنا نظن أن الأحزان في بيوت الفلسطينيين، فأصبحت بيوت الشام والعراق ومصر وتونس وليبيا واليمن..... كل بلاد العرب حزينة

تفضلت بقولك
مر عيد ُ الأمِّ هذه السنة كغيره من السنين

وسيستمر هكذا لسنوات طويلة قادمة، السلام بعيد، وقضم أراض جديدة متواصل، ولن تحتفل الأمهات بأعيادهن
ليس أمنية متشائمة ولكنه الواقع الذي نراه، ومن السذاجة هنا أن نتفاءل وليس بيدنا معطيات لنتفاءل ونرجو الخير

عيداً سعيدا لمنْ يحتفل، وكل عام وأنتم بخير


2 - العزيزة ليندا كبرييل - 1
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 24 - 06:14 )
نهارا ً سعيدا ً أتمناه لكِ!

أتفق مع كل ما ورد في تعليقك ِ.

هنا في هذه المنطقة من العالم استفحلت البدائية بشدة، فتورمت أمراض و تضخمت أعراضها فجاءت الأفعال متسقة ً معهما، فمات الإنسان، و قُتلت الأوطان، و أصبحنا نصحو و ننام على أخبار المخابيل الذين يعتقدون أنهم يبنون ملك إلههم تمهيدا ً لحضور مملكته بعد الملحمة ِ الكبرى.

عند تحليل للفكر الديني أجد أن النزعة َ الأبوكالبتية َ اليهودية هي أساس العقائد التي تدك بلداننا اليوم، فروحها حية في نفوس السلفين التكفيرين بقوة، يخدمون عقلية أنبياء بني إسرائيل و التي كان ظرفُها السبي البابلي و ما تبعه من احتلالات أممية و قبله سقوط مملكتي إسرائيل و يهوذا.

إن السلفي التكفيري يخوض حرب اليهودي القديم الذي كان يرى إلهه عائدا ً مرة أخرى ليتبنى شعبه و أمته و يرفعهم فوق الناس، فالسلفي حين يتلو -و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون- إنما يردد بكلمات ٍ عربية كلام النبي أشعيا:

يتبع في تعليقي الثاني


3 - العزيزة ليندا كبرييل - 2
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 24 - 06:17 )
تابع من التعليق الأول

إنما يردد كلام النبي أشعيا في الفصل 61 آيات 3 - 9:

61 :3 لاجعل لنائحي صهيون لاعطيهم جمالا عوضا عن الرماد و دهن فرح عوضا عن النوح و رداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة فيدعون اشجار البر غرس الرب للتمجيد

61 :4 و يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الاول و يجددون المدن الخربة موحشات دور فدور

61 :5 و يقف الاجانب و يرعون غنمكم و يكون بنو الغريب حراثيكم و كراميكم

61 :6 اما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام الهنا تاكلون ثروة الامم و على مجدهم تتامرون

61 :7 عوضا عن خزيكم ضعفان و عوضا عن الخجل يبتهجون بنصيبهم لذلك يرثون في ارضهم ضعفين بهجة ابدية تكون لهم

61 :8 لاني انا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم و اجعل اجرتهم امينة و اقطع لهم عهدا ابديا

61 :9 و يعرف بين الامم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين يرونهم يعرفونهم انهم نسل باركه الرب


أما اليهود فمملكتهم في فلسطين يريدونها،
و أما المسيحيون فمملكتهم ليست من هذا العالم،
و لا مصيبة و لا بلاء و لا داء إلا بالسلفين التكفيرين الذين يريدون أن يقتلوا الجميع ليقيموا مملكتهم هم.

حماقة ما بعدها حماقة!

كل الود!

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين


.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل




.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ