الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية بين قيم المجتمع والسياسة

دهام محمد العزاوي

2015 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الحديث عن القيم العنصرية التي اخذت تستشري في المجتمع العراقي افرادا وجماعات يحتاج الى وقفة متأملة تأخذ بالاسباب وصولا الى تشخيص موضوعي لهذه الظاهرة الغريبة على قيم وتراث العراقيين المعروفين بالتسامح والتناصر . مفردات التكاره والاقصاء والنظرة الدونية بين الافراد قد تكون طبيعية حينما تكون مبنية على قيم اجتماعية مثل المنزلة والثروة والمنصب وقيم الجمال ، لكنها ليست طبيعية حينما تترافق مع احكام وقيم السياسة السائدة في البلد والمتمثلة بالغلبة والاستئثار مع مايرافقها من صعود لسلوكيات وافعال ممقوتة تبدأ بالسب والشتم والازدراء والتهكم من الغير واخذت تنتهي للاسف باساليب سادية تصل الى التعذيب والقتل والتهجير ، وهي سلوكيات عنصرية لم تكن مألوفة في ثقافة المجتمع العراقي من قبل ولكنها باتت تشكل مشهدا معتادا جعل العراق البلد الاكثر دموية وعنصرية في العالم .
قبل مدة حصلت واقعة اجتماعية مفيدة في عبرتها ، عميقة في دلالتها الاجتماعية حيث تقدم احد الاشخاص لخطبة فتاة عزباء مضى بها قطار العمر وفاتها نصيب الزواج فاصبحت تترقب من فقد زوجته بموت او مرض او طلاق ، العريس الجديد حظي بمباركة وموافقة اهل الفتاة ولكنه لم يكن محظوظا مع خالة العروس التي لم تكن مرتاحة للعريس وممتعضة منه، والسبب كما تطرحه هو ان الزوج لم يكن جميلا ، كما انه اسمر اللون ويكاد يكون دميم الخلقة . وهي لازالت مصرة على هذه الافكار وتعتبرها مهمة في قبول الخاطب الجديد دون ميل للصفات الشخصية الاخرى من اخلاق وباءة وحسن معشر . بالتاكيد ان سلوك خالة الفتاة هو سلوك معتاد عند كثير من عجائزنا اللواتي لازلن يحملن افكارا اقل مايقال فيها انها عنصرية لاتمت الى الشرع والقانون والاخلاق العامة ولا الى معايير الجمال التي علمنا اياها الاسلام من الرجولة والشهامة والكرم وحسن الخلق . تلك الافكار لازالت بكل اسف منبوتة في سلوكياتنا اليومية وتنعكس على نظرتنا العامة للحياة ، فالمرأة لازالت في حكمنا ناقصة عقل ودين وهي لاتحظى بالاحترام الكامل وتعامل معاملة قاسية ومهينة ولازالت النظرة الذكورية تتحكم في مشاعرها واحلامها ، ولازال الطفل قاصرا حتى يكبر وتسمية الجاهل في اعراف المجتمع العراقي تحكم نظرتنا الى الطفل دون احساس بانه مخلوق له مشاعر وامال ورؤية في الحياة واساليب الضرب والاستهزاء والحط من القدر باتت معتادة لدى الاباء والامهات حيال اطفالهم . وبالطريقة العنصرية ذاتها يتم النظر الى ابناء الجماعات الدينية والطائفية الاخرى فهم حسب اعتقاد الكثير من العراقيين ، كفار وافكارهم خارجة عن العصر والمألوف ولاتقترب من اصول الدين الحنيف !! هذه الافكار العنصرية باتت تحكم وعينا وسلوكنا ونتصرف بها حيال بعضنا البعض بوعي واحيانا بلا وعي ، عبر النكات وفي الوظيفة وفي الجامعة والمصنع والشارع واحاديث المقاهي ، ودون ادراك لاثرها السيء في نفوس من نستهزيء منهم . وحينما يغيب القانون وتضعف الدولة يصبح اثرها اكبر بمماسات وسلوكيات وتصرفات مؤذية للاخرين .
لاشك ان سبب تغلغل الوعي العنصري فينا مرده تردي قيم المواطنة التي يتساوى في ظلها الجميع بلا تمييز ، وضعف القانون الذي يحاسب في ظله كل من يخرج عن القواعد العامة ونظام الاداب العام ، فضلا عن محاولات احتكار السلطة ومايخلفه من صراعات سياسية وعداوات مجتمعية متبادلة . ففي زمن انحدار الدولة يصبح الاحتماء بالطائفة والعشيرة والجماعة امرا محتوما للافراد مع مايرافقها من مشاعر اعتزاز واستعلاء ونظرة دونية للاخرين . اليوم وحينما تجلس في المضايف ومجالس العزاء ومناسبات الافراح لاتجد الا مظاهر التمجيد للعشيرة والثناء على البطولات التي قامت بها في الماضي ، وحينما يتحدث احد المتفيقهين في الدين تجد الكل ينصت اليه وهو يحاول ان يظهر كل حسنات دينه او مذهبه مقابل اظهارعيوب الاديان والمذاهب الاخرى ، دون وعي بان الله خلق الكون عل اساس التنوع والتعارف لا على اساس الوحدة والتكاره . لانجد اليوم في احاديث العراقيين كلاما عن اثر التكنولوجيا في توحيد الشعوب ولا عن ايجابيات العولمة في نشر ثقافة انسانية واحدة ولا عن الشركات عابرة القومية التي احدثت طفرة تجارية وعلمية قربت العالم وجعلته قرية صغيرة ذابت معها الخصوصيات القومية ، فشركة آبل ومايكروسوفت وسامسونج وابتكاراتها المتنوعة في الانترنيت والموبايل حطمت الفوارق بين الامم ، نجد اليوم كثير من شباب العراق مدمنون على استخدام الانترنيت ، وحينما تسئل اي شاب عن حدود صداقاته وعلاقاته في العالم الافتراضي فانه سيفاجئك بانه مفتوح على جميع الثقافات وان حدود صداقاته تبدأ بالعراق وتنتهي بامريكا والصين والهند وروسيا وربما جزر القمر ، وعندما يسافر العراقي الى الخارج تجده في قمة التحضر من الوقوف على اشارة المرور ، او الالتزام بالنظام العام او الحديث مع الاخرين بطريقة هادئة وبلا تشنج او استهزاء ، وقد تجده ، في احيان ، محاورا ناجحا وخلاقا لافكار اقرب ماتكون الى الحداثة والعصرنة ، لكن الطامة حينما يعود العراقي يعود الى بلده ، اذ سرعان ماينقلب في سلوكه المجتمعي الى رجل عشائري ومناطقي وجهوي فيتحدث في مشاغل العشيرة وكانه شيخها ويفتي في الدين بغير علم كل من يسئله ، ويصبح سيفا لاذعا في نقد الاخرين ومصادرة ارائهم والحقد على المخالفين واعتبارهم خارجين عن الملة والعرف والقانون . انها شخصية ( حجي عليوي ) التي وصف من خلالها د.علي الوردي الشخصية العراقية بالازدواجية وبتقلب المزاج ، وسر ذلك لايكمن في تاثير البداوة والصحراء على المجتمع العراقي حسب الوردي ، وانما يكمن حسب راينا في البيئة السياسية المضطربة التي يعيشها العراق منذ استقلاله والى اليوم والمبنية على الاحقاد والثارات واساليب الغلبة والاستحواذ واقصاء الغير فضلا عن التنشئة الاجتماعية القائمة على اساس الاستعلاء واحتقار الغير وقيمه الاجتماعية والدينية والتي لم تستطع الاسرة العراقية التخلص من قيودها رغم تاثيرات العولمة والانفتاح ، وهي اساليب ساهمت بكل تاكيد في فناء مجتمعنا وتردي قيمه الاجتماعية وظهور نوازع العنصرية والكراهية والاقصاء فيه . لقد علمنا تاريخ العراق ان سر نمو وازدهار حضارة هذا البلد عبر التاريخ تمثلت في كونه بودقة امتزجت وتعايشت وتصاهرت فيها الاجناس والاقوام والافكار والمدارس المختلفة وان سر افوله في كثير من مراحل تاريخه كان بسبب افتقاده لهذه الميزة الحضارية ، ومن المؤكد ان انحسار التنوع في المجتمع العراقي وصعود تيار التطرف والاقصاء والكراهية دليل على ان العراق سائر في طريق التفكك والانحسار الحضاري مالم يصلح قادته ما اخذ الدهر يفسده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |