الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدم الآثار ومأساة خراب العراق

محمد الخالدي
كاتب وباحث مغربي

(Mohammed El Khaldi)

2015 / 3 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


عندما شاهدت الفيديو الذي يظهر منتسبي داعش يخربون الآثار العراقية تذكرت مسألتين مهمتين لهما ارتباط وثيق بهذه الجريمة المنكرة، ذلك أن ما وقع ليس حادثا منفصلا أو مجرد حدث عابر، بل هو أثر مباشر للتأثير الذي تمارسه القوى المتحكمة في الاحداث المتلاحقة التي تعصف بالعراق و تعيث فيه خرابا و تطرفا و تخلفا و طائفية.
المسألة الاولى تتعلق بخطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب، عندما توعد العراق بإرجاعه إلى العصر ما قبل الصناعي، و ذلك إبان حرب الخليج الثانية .فهل كان كلام الرئيس الأمريكي مجرد تعبير عن غضبه من نظام صدام حسين؟ لكنه تحدث عن العراق و ليس عن نظامه، كما أن خطاب الرؤساء الأمريكيين يتم إعداده من طرف لجان متخصصة لا مجال فيها للارتجال أو الاجتهاد، لأن الرئيس لا يعبر عن موقف شخصي بقدر ما يعبر عن موقف الإدارة الأمريكية. هل هذا يعني أن الإدارة الأمريكية كانت تستهدف تخريب العراق و محو كل أثر للحضارة من مدنه و محافظاته؟
ما حدث في العراق منذ تهديده من طرف جورج بوش الأب، و خصوصا منذ سقوطه تحت الاحتلال الأمريكي، يكشف عن تعرض هذا البلد ،العريق في الحضارة و المتميز في إنجازاته العلمية و الصحية و التعليمية و الاجتماعية بشهادة منظمات دولية ، لكل صنوف الخراب ، فالعراق الذي نجح في تعميم التعليم و في خلق حيوية علمية بجامعاته و مؤسساته البحثية في صنوف معرفية مختلفة أصبحت الأمية مفتشية فيه بشكل كبير نتيجة حرمان الكثيرين من حقهم في ولوج فصول الدراسة، و العراق الذي حصل على شهادات اعتراف من منظمة الصحة العالمية بقضائه على أكثر الأمراض فتكا، تحول إلى بلد يعج بالمرضى و المعاقين. ناهيك عن بروز العراق في مجالات أخرى لا تقل أهمية، تشهد على قدرة الشعب العراقي على صناعة الحضارة و المساهمة في مسيرة التحضر الانساني، خصوصا في ظل تعددية ثقافية و دينية جعلته غنيا بإبداعاته و تميزه، و المسألة لا علاقة لها بمديح نظام البعث، لأن الشعب العراقي كان بمقدوره ان ينجز أفضل من ذلك لو قيض له أن يعيش في ظل نظام ديموقراطي و تعددي حقيقي يستثمر كل قدراته و مقدراته.
المهم أن العراق اتجه نحو الهاوية في كل شيء، طائفية حمقاء تأتي على الأخضر و اليابس، و تحرق كل المذاهب و التوجهات، فلا وجود لطائفة واحدة نجت من النار الطائفية، وفساد يتاجر بثروات العراق و بكرامة أهله، حتى تحولت الأحزاب إلى وكالات وساطة لقوى إقليمية و دولية تسهل لها السيطرة و التحكم في خيرات العراق و ثرواته.
هل كل ما حدث في العراق صدفة أم أنه تجسيد لإرادة قوة غالبة نجحت في تحقيق وعيدها بتخريب العراق؟ و لنفترض أن ما حدث مجرد صدف تتناسل ، أليس من حق كل متتبع محايد أن يتساءل : هل كان يمكن أن يحدث أسوء مما حدث لو أن الإدارة الأمريكية سعت بالفعل لتخريب العراق؟ يصعب أن نتخيل خرابا أكثر سوء مما يعانيه العراق. لقد حدث أسوء ما يمكن أن يحدث لأنه أمر مخطط و مدبر خصوصا إذا ما انتقلنا إلى المسالة الثانية المتعلقة بداعش و روافدها الفكرية و المالية و التسلحية، ذلك أن الصدف أو التدبير المحكم اقتضى أن تنطلق الشرارات الجدية لتنظيم داعش مع انسحاب القوات الأمريكية، لقد جاء ربما من يكمل المهمة، ربما صدفة و ربما تدبيرا.
المسألة الثانية متربطة بالأصول الوهابية المتطرفة التي ينهل منها الدواعش، وهنا أستغرب من استغراب البعض من إقدام تنظيم داعش على تخريب الأثار و المتاحف ،ثم تزداد الغرابة عندما يصدر التنديد من مؤسسات دينية مرتبطة بالفكر الوهابي. هل أصيب البعض بمرض النسيان أم هي ألاعيب السياسة و تكتيكات الاعلام المتحكم فيه؟ هل نسي الجميع ما قامت به الدعوة الوهابية من تخريب منذ انطلاقتها ضد الآثار و المزارات الدينية، بما في ذلك مقبرة البقيع التي تضم رفاة صحابة نبي الاسلام و آل بيته بالإضافة إلى منازلهم ، و ذلك بناء على فتاوى دينية تعتبر كل احتفاء بالشخصيات التاريخية أو بآثارهم شركا لا يختلف عن عبادة الأصنام. ناهيك عن تأثير البرامج التعليمية الرسمية في كثير من الدول العربية و الاسلامية، التي ما تزال تناقش حرمة الفن و حليته، و تقدم نصوصا تراثية تحتقر النحت و التشكيل و غيرها من الفنون الانسانية التي لا علاقة لها بالوثنية و بكل التصنيفات الماضوية التي لا توجد إلا في نفوس معتنقيها.
و بالتالي فأن أن يجد الدواعش، أكثر التوجهات الاسلامية وفاء للفكر المتطرف، أنفسهم وجها لوجه مع تماثيل و نصب تذكارية فالنتيجة معروفة و تكمن في الهدم و التخريب، أو عرضها للبيع من اجل تنويع مصادرهم التمويلية، خصوصا بعد ورود تقارير صحفية تتحدث عن دور نظام داعش في سرقة و تهريب الآثار العراقية.
إن ما يحدث في العراق أمر تتداخل فيه إرادات متعددة، لكن غايتها وحيدة هي تخريب العراق و إرجاعه غصبا إلى عهود التخلف التي بقي عصيا عليها.
عندما يسأل الأمريكيون أو المقاتلون الأفغان، عن حقيقية تعاونهم فيما بينهم، خلال فترة التدخل العسكري السوفياتي لأفغانستان، يجيبون بجواب واحد، أن المسألة ليست تعاونا بقدر ما هي تقاطع مصالح. إنه تقاطع مصالح أيضا في الحالة العراقية و شبيهاتها الاقليمية، لكن هذه المرة المصلحة الكبرى هي تخريب العراق و إضعافه و تحويله إلى دولة فاشلة و عاجزة و مفتوحة امام كل صنوف التدخل الاجنبي .إنها المأساة العراقية التي جعلت العراق كعكة سهلة في متناول الامريكيين و البريطانيين و الخليجيين و الإيرانيين و الارهابيين..
لتحليل هذه المأساة سيحتاج المرء، بالإضافة إلى أدوات التحليل السياسية و الاقتصادية و الثقافية.. ، إلى أدوات التحليل النفسي، فعلاقة الكثير من الاطراف بالعراق تختزن في عمقها شيئا من المشاعر النفسية المرضية، و ذلك للإجابة عن سؤال : لماذا يسعى كل هؤلاء لخراب العراق؟! العراق الذي أصبح نموذجا ناجحا في فعالية خطط صناعة الدول الهشة و الفاشلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ســــــــــرطان صدام يفقس طاعـــــون العمائم
كنعان شـــماس ( 2015 / 3 / 23 - 18:07 )
عند استلام العراق من المرحوم عبد الرحمن عارف كان الدينار يعادل اكثر من ثلاثة دولارات وعند طمس صدام واللذين معه كان كونيـــــــــة او شوال دنانير لاتساوي دولار واحد والعراق مديون اكثر من 120 مليــــــــار دولار . اما جريمة هدم الاثار فهي محاولة خبيثة لطمس اثــــــار تدل على حضارة ورقي امم لاعلاقة للعرب والاسلام بها او كمثل المجرم الذي يزيل الاثار من مسرح الجريمة

اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟