الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الشرق والغرب : أي دور للفيلسوف في بناء المجتمع الإنساني المفتوح ؟

جمال لعفو

2015 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


صراع الشرق والغرب :
أي دور للفيلسوف في بناء المجتمع الإنساني المفتوح ؟


لقد طرحت هذا السؤال في محاولة لفهم أسس الفلسفة وما تعرفه من ضبابية في الفهم وتشعب في المواضيع وتعدد في الدلالات والمعاني. وقد أردت أن أجيب على هذا التعدد والاختلاف الذي يعرفه الأصل الفلسفي سواء من المنظور الغربي المقزم والذي ينسب لنفسه كل الجميل أو من المنظور المشرقي الذي يؤصل لكل عصر على شاكلة أصالة مشرقا نية محاولا تبيان الخلفيات السياسية والإيديولوجيا القائمة وراء هذا التمركز le centralisation » »*.
إن هذه الإشكالية لعميقة في الأصل صعبة في الإدراك متشابكة في الفهم وما يهمنا فيها هو الموضوع لا الذات، المضمون لا الشكل والجوهر لا العرض.
فما الذي يقف وراء هذا التنازع على هذا الإرث الفلسفي ؟ وما خلفيات التمركز الإيديولوجي على المعرفة الفلسفية ؟وماذا يخدم هذا الشنآن القائم بين القطبين المشرقي والغربي ؟ وهل الفلسفة باعتبارها فكرا إنسانيا تقبل بهذا التمركز ؟

في البداية لا بد أن أوضح أن التقسيم" شرق - غرب ""Est-Ouest" لا يقوم على أسس علمية ومعرفية وإنما هو تقسيم يقوم على أسس إيديولوجية وسياسية يأخد باعتبارات الدين وينتصر لنوازع العرق لايقبلهما العلم والموضوعية وترفضهما الفلسفة كفكر شمولي رفضا باتا.
إن التأصيل لتاريخ التمركز في المجتمعات البشرية يعود إلى الأزمنة الغابرة ويتجذر في المجتمعات منذ عصور ما قبل التاريخ ,فظهور الملكية الخاصة _بعد انقضاء مجتمعات المشاعة البدائية _فرض على الإنسان أن يصير إنسانا يتملك الحاجات والوسائل كما يتملك الأفكار والمعارف وهذا التملك يتطور وفق ما تمليه حاجات الإنسان الذاتية.
لقد استطاعت أوروبا عبر تطورها التاريخي والفلسفي، أن تؤسس لفكرها وتؤصل لجذورها الفلسفية والفكرية، مما قادها إلى إفراز نسق ثقافي حضاري قررته المركزية الغربية تلك ، في قولها بالخصوصية المطلقة لتاريخ الغرب ، وحضارته التي أنضجتها عوامل خاصة وداخلية، و من ثم فعلى المجتمعات والشعوب التي تريد أن تبلغ درجة التقدم التي وصل إليه الغرب الأخذ بالأسباب التي أخد بها الغربيين، وذلك عبر التخلص من خصوصيتها الثقافية، باعتبارها هي المسؤولة عن تخلفها التاريخــي .
وبهذا فان المركزية الغربية لا تقدم فقط رؤية للعالم بل تتجاوزته إلى تقديم مشروعٍ سياسي على صعيد العالم، وهو مشروع تجانس الإنسانية المستقبلي من خلال تعميم النموذج الغربي . وكان من بين من قاد هذا الصراع هو الألماني "هيغل "وبعده الإنجليزي "برتراند راسل" حين أكدا على عظمة الغرب وحكمته التي لا تضاهيها أي حكمة .وهكذا فالمركزية الغربية سعت عبر تطورها التاريخي والفلسفي والفكري أن تؤصل لتمركزات عديدة، استطاعت أن تعكس المركزية الغربية بمفهومها الايديوجي الذي وصلت إليه اليوم، لتقرر في الأخيرة ما اصطلح عليه" فوكوياما" نهاية التاريخ، حيث وصلت البشرية حسب هذا الأخــير إلى قمة ما يمكن أن تصل إليه من التحضر والديمقراطية والمتمثلة في نهاية المطاف في المجتمع الليبرالي المعولـــم**.

في المقابل نجد من يتبنى مركزية الشرق ويؤصل لكل أصل فلسفي على شاكلة أصالة مشرقية وحضارية فيه صنعت العلوم والمعارف والتي احتضنت ميلاد وبداية الحكمـــة . حيث نجد مؤيدوا هذه النزعة لا يقتصرون على نسب الفلسفة إليهم فقط وإنما كافة العلوم والمعارف البشرية . ويكنون في المقابل عداءا شديدا لكل إنتاجات الغرب ويعتبرونها محاكاة وسرقة لكل إبداعات الشرق الأصيل .
وقد حاول الكثيرمن أصحاب هذه النزعة إرجاع الفكر اليوناني إلى فكر الحضارات القديمة من أجل العثور على أي نقاط يتشابه فيها الفكر اليوناني مع فكر الحضارة الفرعونية أو الصينية أو البابلية أو الهندية أو غيرها من حضارات الشرق القديمة ....وخلصوا الى النتيجة التي استهدفوها قبل الشروع في البحث هي الإبتهاج بالادعاء أن الفكر اليوناني لا يمثل قطيعة فكرية مع الفكر السائد في الحضارات القديمة ولا هو طفرة نوعية في المسائل والمناهج والاتجاهات والنتائج ،وإنما هو امتداد طبيعي لما سبقه من أفكار . وبذلك أعلنوا انهيار مقولة التفرد اليوناني غير أن الحقائق المتضافرة تدحض سعي هذا الإتجاه المغرض الذي أقام الفلسفة على نوازع العرق والدين.. وبذلك زاغ فكرهم وإدعاءاتهم عن عالمية الفكر الفلسفي.

وهكذا فالصراع حول الإرث الفلسفي ليس وليد الأزمنة الحديثة وإنما هو قديم قدم النظريات الفلسفة إلا أن الوعي بهذا الصراع لم ينكشف إلا في الفترة المعاصرة بعدما أحس العديد من النقاد والفلاسفة يضرورة حماية الفلسفة من هواجس الإيديولوجيات وهي تصارع بعضها البعض من أجل الفوزبلقب "حضارة الفلسفة ".


مما الصراع بين الشرق والغرب يتجلى في أوجه عدة تتمايز مجالته وتتنوع بين المعرفي والنفسي والسياسي والإقتصادي ..إلخ .ولذا لن أبالغ إن قلت أن الأصل في الفلسفة والجوهر هو واحد سواء كان منشئها الغرب اليوناني أو الشرق المصري أوالبابلي ,فالإنسان في آخر المطاف هو الذي يتفلسف وهو الذي يستحق أن تكون له هوية الفيلسوف وليس الجغرافيا هي التي تعطي له هذه الهوية وتسحبها منه متى شاءت بحسب درجة وقوة الحضارة التي يتبعها هذا الفيلسوف وذاك.

إن الإنتماء إلى الإنسانية وللتاريخ الإنساني المفتوح لهو أرقى الطرق لبلوغ الموضوعية ...وإذا سلمنا أن الحق في الإعتزاز بالخصوصية هو ضرورة عند كل البشر....فإن هذا الإعتزاز يجب أن يكون لصالح إنتماءنا الإنساني وتجمعنا البشري وليس على حساب الإنسانية الخالصة.

إحالات ومراجع:

_ *كلود ليفي ستروس، العرق والتاريخ، ترجمة سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1982.
-**فرنسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة العربية لحسين أمين،مركز الأهرام للترجمة والنشر ط1 ،1993.
_فخري لبيب، أوراق ومداخلات المؤتمر الدولي حول "صراع الحضارات أم حوار الثقافات"، القاهرة 10-12 مارس 1997، مطبوعات التضامن (173)، 1997.
_زكي الميلاد، المسألة الحضارية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب؛ بيروت، لبنان، 1999.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم