الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الشبكي :لبس التعريف و جدل التصنيف

محمد البكوري

2015 / 3 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لعل من ابرز مسارات المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية و الانسانية المنعقد ببلادنا مؤخرا ، و المنظم من طرف المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات ، كاهم المختبرات البحثية بالعالم العربي، هي تلك التي طرحت فوق طاولة النقاش المستفيض معظم الاشكالات المتعلقة بادوار المثقفين في التحولات التاريخية ،و على راسها التحولات العميقة التي ارتبطت بالرجات و الهزات التي عرفتها دول ما سمي بالربيع العربي .عموما، لقد شكل المؤتمر فرصة سانحة لاثراء الابعاد التيمولوجية و التيبولوجية ذات الصلة بمصطلح "المثقف " . هذا الاخير الذي يتمظهر من جهة كمنتج رائد للرموز و القيم و الخطابات و الافكار ،و من جهة ثانية، يبرز كفاعل دينامي مبلور للتحولات و مؤثر في الاحداث ، وهو ما عكسته التجارب الثورية و الرؤى التثويرية ، التي عرفتها البشرية جمعاء في محطاتها التاريخية المختلفة و عبر سياقاتها المعرفية المتعددة ، و التي انبثقت بشكل عام من رحمها ، العديد من محاولات التحديد لمصطلح المثقف و تمييزه عن مصطلحات اخرى من قبيل :العالم ،المفكر، الفيلسوف، الخبير، الفقيه ،الشيخ، الداعية ... و كذا مختلف التصنيفات الخاصة بالمثقف :المثقف العضوي ، المثقف السلطاني ، المثقف السلفي ، المثقف الاسلامي، المثقف السياسي، المثقف اللادولتي ، المثقف الشبكي ... لقد جسد هذا التصنيف التيبولوجي للمثقف و ربطه بالشبكة ، ابرز المسائل التي احتدم النقاش حولها في معظم جلسات هذا الملتقى الفكري الهام ، حيث اختلفت زوايا النظر بخصوص نشاته الاصطلاحية و مرجعيته الابستيمية وخلفيته الدلالية و اهميته الغائية . فاستاذ التاريخ و الحضارة المغربي ابراهيم القادري بوتشيش ، يرى ان المثقف الشبكي هو "مثقف جديد" حمل لواء التغيير في منصات التواصل الاجتماعي ،و مع ذلك فهو يرى ان ادواره لا تكتمل الا "بحضوره في الميادين و الساحات العمومية التي تتيح له الانصات لنبضات المجتمع و التشخيص الدقيق لمشكلاته و مطالبه قبل الكتابة و التنظير " .كما يؤكد نفس الاستاذ ،على وجود ثلاثة كوابح تفرمل دور المثقف الشبكي و هي :"فخ هيمنة ايديولوجيا مجتمع المعرفة و اكراهات القوى التي تحول دون الحداثة و تشويش التيارات المضادة للتغيير في دائرة التشبيك نفسها تجاه المثقف الشبكي " .اما الاستاذ التونسي المتخصص في قانون الانترنيت و الملتيميديا ، جوهر الجموسي، فينظر الى المثقف الشبكي ، باعتباره "مثقفا ناشئا" في العالم السيبراني ،مثقفا "نابتا" يتماهى مع متطلبات عصر المعرفة الالكترونية اوعصر نخب الميديا و الوسائط .في حين يعتبر استاذ علم الاجتماع اللبناني نديم منصور ، ان المثقف الشبكي هو الصانع الجديد لمعظم التحولات و المجابه الشرس لمختلف التحديات و الرافد المتنوع لعصر المعلومات . انه ،وعكس ما سبق ذكره، يبدو من المجازفة العلمية ،القول بوجود مثقف شبكي ، و انما يمكن الحديث في هذا الصدد، عن انماط اخرى من التصنيفات : خبير شبكي، مستخدم شبكي ،مبرمج شبكي...جاءت نشاتها متزامنة مع الواقع الجديد و المتجدد ،الذي افرزته الثورة الاتصالية /المعلوماتية الجامحة و المتدفقة و تداعياتها المختلفة و المتسارعة و اساليبها المبتكرة و المتلاحقة ، وهو الواقع الذي جعل المتعامل المتهافت على و سائط الاتصال الحديثة ،وعلى راسها الفضاءات الشبكية، يسعى الى التوظيف الامثل و الاستخدام الانجع ، للامكانيات المعلوماتية الهائلة ،التي بدات تتيحها له هذه الوسائط في اطار من "الترويض"المستمر و "التطويع "المتواصل للعالم الواقعي المعاش ،و بالتالي التمكن من ايصال احاسيسه ،طموحاته ،رغباته و تطلعاته الى شريحة عريضة من المتماهى معهم في العالم الافتراضي المتصور. ومن ثم تصبح الشبكة بما توفره من فرص للتلاقي و التواصل و التعبيرو الابداع ، الوسيلة الفضلى لخلق عالم بلا حدود ،بلا قيود ، قادر على تمكين الافراد و المجتمعات ، من ايصال نبضهم المتدفق الى اوسع حيز زمكاني ممكن . ان كل هذه المؤشرات الارهاصية ، لا تجعلنا نحس اننا امام مثقف بمعنى الكلمة ،و انما فقط امام "متحرك ثقافي" ،يبلور تصوراته عبر وسيط متجدد هو الشبكة ، و هو الوسيط الذي كان بمثابة السلاح الفتاك ،الذي ساهم ومازال يساهم -وبعمق -في تدمير البراديغمات ،التي ما فتئت تسود في المجتمعات العربية و تقلل من فرص تطورها و منها الطاعة و الخضوع و الاذعان و الكبت السياسي و القمع الاجتماعي ...وهو الشيء الذي جعل جل التعبيرات المرصودة قبيل انطلاق شرارة الربيع العربي على مستوى شبكات العالم السيبراني ، تؤكد عل ضرورة خلخلة مختلف البنيات المؤسسة لهاته البراديغمات .ان هذا المتحرك الثقافي -و ليس المثقف الشبكي - استطاع عبر تطوير اليات تعبيره ،من ان يصبح سلطة من السلط المؤثرة في التحولات بمختلف تمظهراتها ، ومع ذلك فهو تمكن فقط من صياغة تجليات لتثوير ثقافي، لم يصل بعد الى مراتب الثورة الثقافية المنشودة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو