الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة النبوءة قراءة في قصيدة لبقية الشعراء العرب الكبار في العراق الشاعر سامي مهدي - ليل طويل-

داود سلمان الشويلي
روائي، قصصي، باحث فلكلوري، ناقد،

(Dawood Salman Al Shewely)

2015 / 3 / 24
الادب والفن


القصيدة النبوءة
قراءة في قصيدة لبقية الشعراء العرب الكبار في العراق الشاعر سامي مهدي
" ليل طويل"

قراءة : داود سلمان الشويلي

قصيدة "ليل طويل":
(( ثمَّ ليلٌ طويلْ
ثمَّ بعلٌ قتيلْ
ثمَّ جرحٌ وملحٌ وظلٌّ بخيلْ
ثمَّ خبزٌ يُضَرَّجُ بالدمِ والدمعِ
يأكلهُ المدّعي والذليلْ
ثمَّ جيشٌ من القملِ في رأسِ راعٍ عليلْ
ثمَّ نجمٌ هوى وتحطَّمَ
مازالَ يوقِنُ أنَّ شظاياهُ تكفيهِ
كيما يكونُ الدليل
ثمَّ نوحٌ يحاولُ أن يصنعَ الفلكَ
من خشبِ المستحيلْ .
***
أيُّ فلكٍ ستصنعُ يا نوحَ هذا الزمانْ؟
ومن أيما خشبٍ نخرٍ ودهانْ؟
وماذا ستحملُ فيهِ
ومن ذا ستحملُ
إن فسدتْ كلُّ نفسٍ
وسارَ الفسادُ إلى كلِّ شيءٍ
ولم يبقَ زوجانِ إلاّ على ريبةٍ أو هوانْ؟
وإلى أيِّ ريحٍ تسلِّمُ يا نوحُ هذا الشراع ؟
وعلى أيِّ موجٍ من النارِ والقارِ
ترتادُ أفقَ الوعودْ ؟
وإلى أينَ تمضي وما من جديد
في انتظارِكَ حتى تنازلَ من أجلهِ
وحشَ هذا الصراعْ ؟
أستأتي بما لم يعدْ به نوحُ القديمْ ؟
أم ستهوي مع الفلكِ في طبقاتِ الجحيمْ ؟
***
زمنٌ لا مآلَ له في الزمنْ
وطنٌ لا مكانَ له في الوطنْ
ويدٌ حرَّةٌ لا ظهيرَ لها في الرياحْ
وجناحٌ يرفرفُ في الأفقِ دونَ انفتاح
وفمٌ مورِقٌ مرتهَنْ .
أيهذا الوطنْ
امحنا فيكَ واكشفْ لنا سبلاً
غيرَ هذا العفنْ
فالجراحْ
أخذتْ تتقيَّحُ
والموتُ صارً يُلوَّحُ عن كَثَبٍ بالكفنْ
أيهذا الوطنْ
أنتَ نوحُ الذي يصنعُ الفلكَ من لحمهِ
لا سواكْ
أنتَ من ينبغي أن يضيءَ لنا
كي نرى نحنُ أنفسَنا ونراكْ
أنتَ من ينبغي أن يعودَ بنا من هناكْ
أنت من ينبغي أن يطهّرَنا بدمٍ جارفٍ
ويزيلَ الدَرَنْ.
***
ثمَّ ليلٌ طويلْ
ثمَّ ضوءٌ قليلْ
ثمَّ صبرٌ جميل
إذا كانَ ثمَّةَ ما نتعزّى بهِ
في انتظارِ البديلْ )).
"أيلول 2003"
جاء في سورة الشعراء : ((والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون)).
نتساءل : هل الشعراء هكذا كما جاء في القرآن في انهم يهيمون في كل وادي ، ويتبعهم الغاوون ، ويقولون ما لا يفعبون ، ام انهم كالانبياء ، يتنبأون بما تاتي به الايام من امور ؟
كان الشاعر في عصر الجاهلية كما نقلت لنا المصادر والمراجع يقوم بوظيفة العارف المتنبئ، المستشرف للمستقبل ، هو نبي ، نبي القبيلة التي ينتمي اليها ، وبهذا يكون زعيمها في حالة الحرب او السلم ، لهذا تراهم يحتفلون ببروز احدهم شاعرا ، ويستقبلون التهاني من القبائل الاخرى.
اذا كانت وظيفته هذه منذ القدم فانها الان لاتخلو من ذلك عند الشعراء الكبار، فالشعر اذن وظيفته غير ما قيل عن انها لعب في اللغة فقط ، وانما هي تشكيل رؤيا شعرية استشرافية عن الايام القادمة من خلال اللعب باللغة.
ان الذي حداني لاكتب السطور السابقة هو قصيدة الشاعر العراقي الكبير "سامي مهدي " وهو من بقية الشعراء العرب الكبار في العراق ، من مجموعته الشعرية ( مدونات هابيل بن هابيل ) الصادرة عام 2006 ، والمعنونة (ليل طويل) ، وقد اعاد نشرها على حائطه صفحته في الفيس بوك.
تقع القصيدة التي كتبت في ايلول من عام 2003 في اربع مقاطع غير متساوية الطول ، تتبع النسق الشعري الدائري / الحكائي ، اذ تبدأ بكلام وتنتهي – تقريبا – به.
يقول الشاعر سامي مهدي في بداية القصيدة :
* ((ثمَّ ليلٌ طويلْ
ثمَّ بعلٌ قتيلْ
ثمَّ جرحٌ وملحٌ وظلٌّ بخيلْ
ثمَّ خبزٌ يُضَرَّجُ بالدمِ والدمعِ
يأكلهُ المدّعي والذليلْ
ثمَّ جيشٌ من القملِ في رأسِ راعٍ عليلْ
ثمَّ نجمٌ هوى وتحطَّمَ
مازالَ يوقِنُ أنَّ شظاياهُ تكفيهِ
كيما يكونُ الدليل
ثمَّ نوحٌ يحاولُ أن يصنعَ الفلكَ
من خشبِ المستحيلْ .)).
وينهيها بقوله :
* ((ثمَّ ليلٌ طويلْ
ثمَّ ضوءٌ قليلْ
ثمَّ صبرٌ جميل
إذا كانَ ثمَّةَ ما نتعزّى بهِ
في انتظارِ البديلْ .)).
ففي مقدمة القصيدة / الحكاية ، يعدد الشاعر المآسي والمصائب الواحدة تلو الاخرى التي وقعت، انها بين : الليلٌ الطويلْ، َ والبعلٌ القتيلْ، والجرحٌ والملحٌ والظلٌّ البخيلْ ، والخبزٌ المضَرَّجُ بالدمِ والدمعِ، و جيشٌ من القملِ ، والنجمٌ الذي هوى وتحطَّمَ ،ايقاف الزمن ، ليأتي بعد هذا الكم الهائل من المصائب والمآسي والعقاب القرآني نوحٌ وهو (يحاولُ ) أن يصنعَ الفلكَ من خشبِ المستحيلْ ، لان الخشب المتوفر الان هو خشب نخر (ومن أيما خشبٍ نخرٍ ودهانْ؟)، انه انتظار الذي ياتي ولا ياتي ( مع الاعتذار من الشاعر عبد الوهاب البياتي )، والعبث من هذا الانتظار حيث نوح اصبح عند المتلقي العراقي – والعربي ايضا - كغودو( مع الاعتذار من الكاتب صمويل بيكت ، والشاعر نزار قباني ) في انتظار الاخرين له دون جدوى.
وبعد مقطعين طويلين يعود مرة اخرى الى تلك المصائب والمآسي والعقاب ليقول : ليلٌ طويلْ ، ضوءٌ قليلْ، صبرٌ جميل كل هذا تعزية لنا في انتظار "البديل" .
هكذا يبدأ الشاعر قصيدته وينهيها ، يبدأها بليل طويل ، وينهيها كذلك بليل طويل ، وكلا البدء والنهاية جاءتا بلا " ال " التعريف ، الا ان الشاعر يعرف " البديل " الذي ينتظره في نهاية القصيدة بال التعريف.
ان ( الليل والضوء ... الخ ) غير محددين وغير معرفين ، أي انهما " نكرة " ، فيما " بديل " جاءت محددة ومعرفة بـ ( ال ) التعريف.
لم يحدد الشاعر المآسي والمصائب وفنون العقاب لانها كثيرة وعديدة ، وعرف "البديل "لانه يعرفه فيحدده ، البديل الذي يأخذ بيد من وقعت عليه المصائب والمآسي والعقاب الى بر الامان.
تنضح قصيدة ( الليل الطويل) بالتناصات القرآنية ، فقد تعدد العقاب القراني الذي وقع – حسب القرآن – على بعض الشعوب والقبائل والاجناس ، مثل : جرحٌ وملحٌ وظلٌّ بخيلْ ، خبزٌ يُضَرَّجُ بالدمِ والدمعِ يأكلهُ المدّعي والذليلْ و جيشٌ من القملِ،و نجمٌ هوى وتحطَّمَ ،وهي عقوبات " الهية " وردت في القرآن بصيغ وصور كثيرة وعديدة.
وهي في القصيدة لم تكن عقوبات "الهية "، وانما هي عقوبات دنيوية موجهة من اخر،عدوانية اذا صحت التسمية معروفة الفاعل ، والمتلقي لهذه القصيدة بصير به ، اذ يعرفه حق المعرفة بقرينة التاريخ الذي كتبت به القصيدة ،والمناسبة كذلك .
وقصة " نوح " التوراتي / القرآني ، وتداعياتها في ذهن المتلقي العارف لهذه القصة ، قد تناصت معها قصيدة الشاعر سامي مهدي ، الا ان خشب سفينة نوح في القصيدة يختلف عن خشب نوح التوراتي / القرآني ، في ان الذي يريد ان يصنع منه سفينة النجاة هو " خشب المستحيل" ، " خشب نخر " الذي لا يمكن الحصول عليه مثل خشب نوح التوراتي / القرآني ، وهذا يعني استحالة النجاة من العقوبات تلك، و ان لا مفر من العقوبات التي انزرعت في اجساد العراقيين، وفي انفسهم ،وعقولهم .
يسأل الشاعر الرائي " نوحا " في المقطع الثاني مندهشا ومقرا عن الذين سيحملهم في سفينته ان بناها من هذا " الخشب النخر" ،لانهم :
((... فسدتْ كلُّ نفسٍ
وسارَ الفسادُ إلى كلِّ شيءٍ
ولم يبقَ زوجانِ إلاّ على ريبةٍ أو هوانْ؟)).
واذا كان نوح الاسطورة التوراتية / القرآنية قد انجى الذين معه في السفينة ، فهل يستطيع نوح اليوم ان يقوم بما قام به السابق ؟
((أستأتي بما لم يعدْ به نوحُ القديمْ ؟
أم ستهوي مع الفلكِ في طبقاتِ الجحيمْ ؟)).
انه سؤال مهم الا انه معروف الاجابة لكل المتلقين لهذه القصيدة .
ان التاريخ الذي تعوم فيه القصيدة تاريخ موغل في القدم ، وفي الوقت نفسه هو حاضر ومستقبل ، حيث تتصارع بنية الزمان في القصيدة ، بين زمن نوح وطوفانه ، وبين الطوفان الذي نعيشه الان ،وفي المستقبل ،حيث لا فلك ينجينا منه.
ترد في القصيدة اداة العطف " ثم " بكثرة وهذا مثار اسئلة كثيرة ، فهي ترد سبع مرات في المقطع الاول ،وثلاث مرات في المقطع الاخير.
ان " ثم " تفيد الترتيب مع التراخي القليل ،وان المجيء بها هو لهذا السبب ، في ان المصائب والنكبات والمآسي هكذا نزلت على راس الشعب العراقي بعد 2003 ، وقد كان الشاعر مجيدا في ايرادها متتابعة ، لما في التتابع هذا والتكرار من جمالية شعرية موسيقية تطلبها روحية النص الشعرية.
ولو اخذنا المقطع الاخير وفككناه ودرسنا ما فيه من تكرار حرف العطف هذا لرأينا مدى الجمالية التي يحملها هذا التتابع ، اذ يقول النص : ثمَّ ليلٌ طويلْ ، اذ تبع هذا الليل ضوءٌ قليلْ ،وهو لا ينفع مع كثرة المصائب والمآسي فيكون التصبر على ما وقع هو صبر جميل ليكون عزاء في انتظار البديل .
ولو جاءت القصيدة خالية من حرف العطف " ثم " لما حملت هذا القدر من الجمالية ، وانسياب الموسيقى من داخل القصيدة ، وهذه القوة في القول ،ولما كانت فيها الروحية الشعرية ، ولاصبحت كمن يعدد ظواهر طبيعية، ومشاعر انسانية ،خالية من أي حرارة في القول.
وتنفجر لغة الشاعر - الرائي في هذه القصيدة لتستشف الايام القادمة ، وقد تجاوزت الزمن الذي كتبت به الى زمن المستقبل ،وهي تحصي المآسي، والمصاعب والعقوبات ذات الاصل الدنيوي التي اوقعتها بنا قوة غاشمة لا راد لها ،حيث لا نوح يبني فلكا للنجاة ، لان الخشب منخور لا يصلح لمهمة كبيرة كهذه المهمة.
وهكذا تبقى الحال ، ليل طويل ،والظلام حالك لان الضوء قليل، ونوح لاخشب عنده ليبني الفلك.
وهكذا اوصل الشاعر سامي مهدي رسالته من خلال الشعر ، حيث سمح له أسلوبه الشعري القائم على الجملة الواضحة، والقول الواضح المفهوم من قبل المتلقين، والبعيد عن النثرية الفجة ، واللغة الصحافية الاخبارية والتقريرية في ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي