الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدريس المواد الفنية : الدواعي و الأبعاد

محمد الخالدي

2015 / 3 / 24
الادب والفن


إن تدريس المواد الفنية ليس ترفا تربويا بل ضرورة تفرضها جودة المنظومة التعليمية بفضل الكفايات النوعية و المستعرضة التي ترسخها ، بالإضافة إلى الأبعاد المتعددة التي تمثلها و الغايات الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها.
إن جودة أية منظومة تربوية رهينة بمدى قدرتها على جعل خريجيها أكثر إبداعا و ايجابية في الانخراط في الحياة العملية، فتتحول المعيقات إلى عوامل محفزة على الخلق و الابتكار، و تسمو قيم الاعتراف بالآخر و التعاون معه من أجل صون الحياة المشتركة وإثرائها. إلا أن بلوغ هذه الغاية لا يمكن ان يتحقق بدون امتلاك رؤية جمالية تنحاز لقيم الابداع و ترسخ الاحساس بالانتماء المشترك للوطن و للإنسانية جمعاء، فالجمال الذي يبدعه الفنان لا ينحصر في منتوجه الفني بل يتجاوزه ليخلق حالة جمالية تحكم نظرته للعالم و علاقته بالأخرين، خصوصا إذا ما تأسست على معرفة فنية رصينة ومدركة لأبعادها الفلسفية و المجتمعية.
يخطأ من يعتقد ان المعرفة الفنية مجرد مكون تكميلي لما يعتبر "مكونات تعليمية أساسية"، بل هي معرفة أصيلة لها أسسها الفلسفية و مناهجها العلمية و إمكاناتها التطبيقية، بشكل لا يقل عن ما تتميز بها مجالات معرفية أخرى، إلا أن ما يثير الاستغراب أن قطاع التربية و التكوين بالمغرب لم يقم بأية مبادرة للاستثمار في المعرفة الفنية بشكل جدي، فالنظرة الدونية ما زالت هي المهيمنة، سواء في التعليم الابتدائي حيث يتم تدريس التربية الفنية من طرف مدرسين غير متخصصين، مما يجعل هؤلاء المدرسين يستغلون الوقت المخصص لها لمواد يرونها أكثر أهمية، في حين يتم تكليف التلاميذ بإنجاز الأنشطة في المنزل أو بشكل متسرع داخل الفصل، اما في التعليم الثانوي الاعدادي فرغم وجود مواد فنية لكنها غير معممة بل و اصبحت مهددة بالانقراض جراء عدم تخصيص مناصب مالية لتوظيف مدرسي المواد الفنية منذ انطلاق العمل بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين، أما في التعليم الثانوي التأهيلي فلا وجود لأي مادة فنية، و هو نفس الجفاف الذي يمكن تسجيله بالتعليم الجامعي.
كنا ننتظر تعميم تدريس المواد الفنية على مختلف المسالك التعليمية، بكل ما يقتضيه ذلك من تكوين أطر تربوية متخصصة و توفير فضاءات مجهزة، لكننا فوجئنا بتقليص الامكانيات الموجودة و الدفع عن مشروعات بديلة غير واضحة المعالم و لا محددة الأهداف، لا يستشف منها إلا الرغبة في حصر حضور الفنون في مر اكز تنشيطية، الشيء الذي يزكي المقاربة السطحية في التعاطي مع الفنون، تلك المقاربة التي ترى في الفن غير مصدر للترفيه و التهريج و تأثيث المناسبات.
إذا كان القيمون على امر التربية و التكوين لا يدركون الأبعاد الفلسفية و الجمالية و التربوية لامتلاك المعرفة الفنية، ألا يعلمون أيضا الأهمية الاقتصادية للفن و للمعرفة الفنية، على مستوى خلق مهن واعدة و على مستوى الاستثمارات المهمة التي يمكن تجلبها لتطوير الاقتصاد الوطني؟
إن حاجة المدرسة المغربية إلى تدريس المواد الفنية لا تقتصر على الدواعي البيداغوجية و القيمية ، بل تتجاوز ذلك لتلتقي مع حاجة المجتمع ككل لتعميم المعرفة الفنية و جعلها في متناول المغاربة، مهما تفاوتت انتماءاتهم الطبقية و تباينت وضعياتهم الاعتبارية، ذلك ان زمن نخبوية الفن و احتكاره قد انتهى بخروجه من الفضاءات المغلقة و الخاصة ليعانق الفضاء العمومي كمشترك مجتمعي يسعى كل فرد من أفراد المجتمع إلى إغنائه، إبداعا أو نقدا أو فرجة، لكن كيف يمكن للمواطن المغربي بلوغ ذلك بدون حد أدنى من المعرفة الفنية التي لا يمكن أن تقدم إلا داخل الفصول الدراسية ؟ أليست المواقف السلبية من الفن ناتجة عن غياب ثقافة فنية مشتركة تحترم الابداع و تنتصر لقيم الجمال؟ كيف يمكن للدولة ان تستثمر الأموال الطائلة في تنظيم مهرجانات فنية و بناء متاحف و مسارح و قاعات سينما بمواصفات عالمية دون ان تكلف نفسها عناء الاستثمار في التثقيف الفني لبنات و أبناء المغاربة؟ من سيبدع و من سيحترم الابداع؟ أم أن هناك توجها لخلق فوارق أخرى بين المغاربة تنضاف للفوارق الاجتماعية و الطبقية؟ أي الفوارق الثقافية و الرمزية، فيزداد الفقراء فقرا ماديا و ورمزيا. حيث سنجد مواطنين يتذوقون موسيقى موزارت و يجتهدون في قراءة لوحات بيكاسو ، أو تحليل رقصة تعبيرية تنهل من تراثنا الشعبي، إلى جانب مواطنين تتنازعهم مشاعر الاحساس بالنقص و الرغبة في الرفض و الكراهية اتجاه الفن و الفنانين على السواء، أو الاكتفاء ببضاعة فنية ضحلة تتغذى على مكبوتاتهم و استيهاماتهم؟
إن الدفاع عن حق المتعلم المغربي في معرفة فنية رصينة، هو دفاع عن مشروع مجتمعي منصف و عادل، مشروع ينتصر للإنسان باعتباره اولوية الاوليات و غاية الغايات، ذلك أن كل مشروع يحتقر البعد الجمالي أو يقزمه لا يمكن أن يستمر إلا في ظل القهر و الاستبداد.
إن الدفاع عن تعميم المعرفة الفنية في مؤسساتنا التربوية هو دفاع عن الفن الواعي و الفاعل في تطوير المجتمع و تحديثه، الفن الذي يمكن أن يجعل من تراث المغاربة مادة خصبة لإبداع أكثر جمالا و راهنية.
إن الدفاع عن حق بنات و أبناء المغاربة في امتلاك معرفة فنية علمية و رصينة، هو صمام الأمان الحقيقي و الايجابي ضد قيم البذاءة و الضحالة و البلادة ، التي يمكن أن تعصف بثقافة و فن أي مجتمع.
و ختاما لا بد من التشديد على أن تدريس المواد الفنية الذي نقصده ينطلق من كون هذه المواد تخصصات علمية قائمة الذات، ينبغي معالجة إشكاليات تدريسها وفق المقاربات البيداغوجية الخاصة بها، و في إطار البنيات المؤسسية النظامية كباقي المكونات التعليمية، و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون التنشيط الفني ان يكون بديلا عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا