الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتجاجات المثقف والارهاب وغياب تقاليد التضامن - التضامن مع الدكتور والمناضل هشام البستاني

حمزة الحسن

2002 / 12 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

لم يكن المفكر والمناضل حسين مروة صاحب عقارات أو بائع شقق سكنية أو صاحب مزرعة أو رئيس مصرف لكي يطلق عليه الرصاص بسبب منافسة تجارية أو عقارية، بل قتل لأن  حسين مروة كان يجب أن يسكت كصوت وكمساحة للحرية وكمفكر، وكان عليه ان يموت وكالة عن الذين لا صوت ولاحرية ولاخبز ولا أمل لهم...ولم يسقط فرج فودة مضرجا بدمه، في حين يسقط كثيرون هذه الايام من كتبة وانتهازيين وسماسرة مضرجين بالمال والنهب والقتل والارهاب والتخمة، لم يسقط لأنه كان صاحب عقار بل لأنه صاحب راي وفكر، ولم يكن بائع أوهام في سوق بيع وشراء الاوطان، بل كان بائع  أمل.ولم يسقط المفكر مهدي العامل إلا للسب نفسه، ولم تحز رقبة نجيب محفوظ، ويطارد نصر حامد ابو زيد بسبب الاختلاس أو الرشوة بل لأنه صاحب رؤيا...والقائمة طويلة ولا تتسع لكل جوقة الكتاب والمفكرين والشعراء العرب الذين قتلوا ولوحقوا وطوردوا عبر عصور تاريخ القمع ومؤسسة البربرية...

واليوم يصل سيف الارهاب للمناضل والكاتب  الاردني هشام البستاني ليدخل السجن ليس لأنه تاجر مخدرات في الساحة الهاشمية، ولو كان الامر كذلك لكان في مكان أفضل، وليس لأنه غش في بناء أو عمارة أو زور عملة، بل للسبب نفسه الذي مات من
اجله مروة والعامل وفودة ونحر من اجله محفوظ.ان المؤسسة العربية الحاكمة وقد تغوّلت بعد حقبة الهيمنة المطلقة على مفاصل
السلطة والمجتمع، تحولت من مرحلة مهادنة المثقف الى مرحلة السحق بعد ان صارت تستمد شرعيتها من مناطق اخرى غير شرعية المثقف وتسويقه لوجودها في السابق.وكما يذكر الاستاذ عبد الاله بلقزيز في كتابه القيم" نهاية الداعية" ان المؤسسة العربية الحاكمة، وبعض المؤسسات الحزبية المحكومة ايضا، لم تعد تأخذ شرعيتها السياسية في السلطة وفي خارجها من مواقف المثقف واحتجاجاته، بل صارت تستمد هذه الشرعية من مصادر اخرى وهي:

اولا: شرعية العدو أو الخطر الخارجي.

 ثانيا: الشرعية الدينية.

ثالثا: شرعية القوة العسكرية.

 رابعا: شرعية دستورية شكلية.

وخامسا: شرعية العائلة سواء في الاسر الملكية او في الاسر الجمهورية الحاكمة وحتى في صفوف الاحزاب.

ولم تعد الاحزاب هي الاخرى تستمد شرعيتها كما في السابق من مواقف المثقف أو من مشروعه الفكري وتنظيراته ودعواته، بل صارت تستمد هذه الشرعية من المقاول أو صاحب العقار أو مدير المصرف أو الجنرال أو من المثقف الدمية...وفي العشر سنوات الاخيرة تبدلت ادوار وظهرت مواقف وبرزت مسارح جديدة، ولعل أخطرها انتقال عدد من مثقفي اليسار  الى صفوف من كانوا يعدونه العدو الرئيسي، وصار هؤلاء خدما في مؤسسات الاعلام النفطي والمشايخي، وتحول بعضهم الى وشاة الى رؤساء تحرير صحف كانوا يسمونها صفراء، وانتقل القسم الاكبر من هؤلاء الى مرحلة اخطر وهي تقديم خطاب الندم والاعتذار والاسف عن خطه القديم في الوطنية واليسار وسنوات السجن ودخل في مرحلة سباق مع الزمن من اجل الربح السريع انقاما من مرحلة الالتزام الوطنية وتخليا عن هوية المثقف والمناضل في تحمل الاهوال والمصائب وحروب الثقافة.وهذه الهزيمة الاخلاقية قبل اي شيء قادت كنتيجة الى غياب أحد اهم التقاليد الثقافية في الوطن العربي وفي العالم ، وهي تقاليد التضامن بين المثقفين، فصار المثقف العربي يمضي الى السجن ـ كما هو حال هشام البستاني وغيره ـ كما لو انه ذاهب هناك لحسابه الخاص.وهذا الاستفراد بالمثقف جعل مؤسسات الارهاب في السلطة وفي خارجها، طليقة في التنكيل بالمثقفين، وتغييب اصواتهم، لأن المطلوب ليس اخفاء جسد المثقف، بل اخفاء صوته، وهذا الصوت هو كل ما يمملكه المثقف احتجاجا على وحشية المؤسسة...  حين منعت سلطات الاردن دخول روايتي" سنوات الحريق" من دخول الاردن، لم يرتفع صوت اردني أو عراقي بالاحتجاج، وكان الثمن باهظا بعد ذلك لكثيرين، حين تمت مصاردة حريات وكتب ومواقف أخرى في مناخ الصمت نفسه. ان مصادرة حرية مثقف بحجم البستاني هي مصادرة لحريتنا جميعا، واخفاء جسد البستاني هو اخفاء للصوت الحر، وسجنه هو سجن لحق انساني وثقافي وادبي وسياسي في الاختلاف وشرعية الاختلاف.والصمت هنا أو هناك عن كل اشكال المصادرات، وعمليات التنكيل بالمثقفين في اي مكان، هو صمت يشبه القبول وهو مشاركة في جريمة ستطول الجميع.

ان الوطنية والحرية لا تنفصلان ابدا والعلاقة بينهما عضوية.والدفاع عن حرية مفكر أو كاتب أو انسان هو جزء جوهري من وطنية المثقف، والصمت عن هذا الحجر والمصادرة هو مصادرة للحرية.ولا تكتمل وطنية المثقف بدون رفع الصوت دفاعا عن حرية الاخرين حتى الذين لا نعرفهم لأن هؤلاء يدخلون السجون بإسمنا جميعا.ان شرعية المثقف اليوم لا تستحصل من الكتب فحسب بل من شرعية المواقف العملية والجريئة في الدفاع عن حرية الاخر، المختلف، وغير الشبيه، والذي يرفض ان يكون في الكتلة والقطيع.

لنعيد لاخلاق التضامن بين المثقفين نقاوتها.
ولنرفع الصوت احتجاجا على سجن الدكتور والمناضل هشام البستاني..

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجوع يفتك بالسودان.. فما التداعيات؟ وهل من حل للأزمة؟ | #را


.. عين نتنياهو على النووي الإيراني.. إسرائيل تعيد تشكيل فرَق مر




.. كيف تؤثر المناظرة الرئاسية المرتقبة على حظوط كل من بايدن وتر


.. إسرائيل وحزب الله.. سباق الدبلوماسية والنار | #ملف_اليوم




.. -بدون جمهور وردود محددة المدة-.. تفاصيل أول مناظرة مرتقبة بي