الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسطورة الراحل علي الوردي في ميزان سليم علي الوردي(الجزء السادس)

احمد عبدول

2015 / 3 / 24
الادب والفن


نستكمل في هذا الفصل ما كنا قد ابتدأنا به في الفصل السابق وهو الفصل الذي نوهنا من خلاله ,بأننا سوف لن نتقيد بما جاء في ثنايا كتاب الدكتور (سليم علي الوردي ) بشكل تام على امل العودة الى كتابه مجددا ,في الفصل اللاحق اذا كان لنا بقية من العمر ,وقد كنا بينا اسباب عدم التقيد بما جاء بكتاب الدكتور (سليم ) الذي يسلط الاضواء على منهاج الراحل علي الوردي واسلوب تعاطيه في تناول تطور المجتمع العراقي .كما نوهنا في الفصل السابق اننا سوف نستعرض اراء وطروحات عدد من الباحثين والمختصين بعلم الاجتماع تحديدا وبالعلوم الانسانية بشكل عام ,ممن اطلعوا على تراث الدكتور الراحل (علي الوردي ) لا سيما فيما يخص مقولة الراحل الوردي حول الازدواجية والتي اصبحت مقولة مركزية تحتاج لفحص منهجي اكثر دقة مما ورد في دراسات الوردي المهمة كما يقول الباحث (ياسين النصير ) .
يقول الباحث (علي حسن الفواز ) في مقاله الذي يحمل عنوان (الشخصية العراقية ..اشاعة ازدواجيتها .. المصطلح والتاريخ ) والمنشور في جريدة الصباح قبل سنوات (ما اظنه ان الدكتورعلي الوردي استمال الى طرح هذا المصطلح من منطلق خصوصية ثقافته المدينية التي واجهت تقاطعات اجتماعية وثقافية في بيئة تعرضت الى قمع طويل ,قمع سياسي وثقافي اسهم طوال قرون في التغلغل داخل البيئة السيوثقافية للشخصية العراقية, ولو اجرينا اي استبيان تاريخي سنجد ان بيئات معينة خاصة تلك التي تعرضت الى قهريات القمع هي اكثر معاناة من هذا الازدواج الذي جاء رغم دقته قرينا بنزوع حمائي للشخصية ونوعها وكذلك جاء استخدامه للمصطلح والتنظير حوله بفعل ما اكتسبه خلال دراسته لعلم الاجتماع في الجامعات الاميركية والتي تعاملت مع الشخصية في البيئة المعينة كنموذج خاضع لتوصيفات (الاثر والمؤثر ).
نستفاد من كلام (الفواز ) اعلاه ان الراحل الوردي انما كان منطلقا من بيئته المدينية التي عانت ما عانته من ظلم وحيف وقمع سياسي واجتماعي وان الراحل كان قد بسط نظرته تلك الى ما حوله من بيئات قد تشتد او تضعف او تختفي فيها عوامل القمع والاضطهاد كذلك نتستفاد من كلام (الفواز ) ان مصطلح الازدواج كان مصطلحا غير دقيق للغاية وانه ورد على لسان الراحل الوردي بسبب تأثره بالمناهج الدراسية التي كان قد تلقاها خلال دراسته في اميركا في خمسينيات القرن الفائت .يقول (الفواز )( ان تاريخ الازدواج كسلوك اجتماعي في البيئة العراقية قرين بالخوف والقمع والاستبداد والتجهيل والجوع ,الذي مورس منهجيا ضد الشخصية العراقية ,ناهيك عن تاريخ المظلوميات الطويل المتأصل في البيئة المجتمعية ,وخاصة الريف منذ سياسات التجهيل والعدم عند العثمانيين وصولا الى مرحلة الدولة الوطنية التي ما زالت عزلا طائفيا ومدينيا مقيتا ,اكثر ضحاياه كانت بنية الشخصية العراقية ) ويمضي (الفواز ) الى القول ( ان الحديث عن سمة الازدواج الذي توسم به الشخصية العراقية يتغافل عن الجانب العلمي والسريري في توصيف هذا الجانب , لان الشخصية الازدواجية هي شخصية مريضة , عصابية غير منتجة , مضطربة في الافصاح عن توجهاتها , غير ثورية , واعتقد ان الواقع العياني لتاريخ الشخصية العراقية المعاصر يفند هذه الطروحات , اذ ان الشخصية العراقية كانت شخصية حادة , متمردة , ثورية , رومانسية ,حالمة , طموحة , اسهمت في مواجهة الطغيان وفي قيادة المظاهرات والمشاركة في الانتفاضات السياسية والعسكرية ) ان تاريخ الشخصية العراقية يكشف لنا بوضوح وجلاء انها شخصية تجمع بين طياتها روح الرفض والتمرد ومواجهة سلاطين الجور والطغيان, اضافة الى ما تتمتع به من روح حالمة طموحة رومانسية محبة للجمال تواقة للتغيير وصناعة مستقبل سياسي واجتماعي واعد .وبالتالي فأنها شخصية ايجابية منتجة وغير مستقيلة كما هو حال الشخصية المصابة بمرض (الازدواج ) الذي الصقه الراحل الوردي على خلفية تأثرة بجملة من الاسباب والعوامل. لا نريد هنا ان نجعل من الشخصية العراقية شخصية مثالية خالية من العيوب والنواقص فذلك امر غير منطقي وغير وارد بالمرة حيث تبقى الشخصية العراقية كغيرها من الشخصيات التي تنطوي على جانب سلبي واخر ايجابي ,لكننا نعترض اشد الاعتراض على ان تكون الشخصية العراقية شخصية لا يرتجى لها شفاء من مرض (الازدواج ).
عندما نأتي الي الباحث (حسين سرمك حسن ) وهو يبحث طبيعة الشخصية العراقية في مقال له بعنوان ( العراقي ...والولاء المعادي ) نجد ان مفردة (الازدواج ) تختفي من قاموس (سرمك ) ليحل محلها ما يسمى ب(التضاد العاطفي ) الذي يرتبط حسب رأي الباحث بطبيعة علاقة العراقيين بإلهتهم قديما , حيث يبحث (سرمك ) جذور الشخصية العراقية من خلال علاقتها بالإلهة الرافدينية ,التي كانت لا تمتلك حلا وسطا ,فأما ان يرضى الاله (انليل ) لينعم الجميع بالأمن والطمأنينة واما ان يغضب فيهلك الحرث والنسل , عن طريق الجفاف والمجاعة والطاعون والطوفان , وخلاصة ما يذهب اليه الباحث الكبير (سرمك ) ان علاقة العراقيين القدماء بإلهتهم والتي تقوم على الطمع برضا الالهة, لكي تؤمن للعراقي حياة آمنة ومستقرة ومزدهرة من جانب , وخوفه من بطش ولعنة الالهة من جانب اخر كل ذلك ولد عند العراقيين ما يسمى ب(التضاد العاطفي ) الذي جاء على لسان الراحل الوردي ب(الازدواج )بسبب قصور معرفة الوردي الاسطورية حسب تعبير (سرمك ) في مقال له منشور في جريدة الصباح بعنوان ( اكتشافات جديدة وخطيرة من اسطورة الخليقة ).
اما فيما يخص ثنائية الراحل الوردي (البداوة ـالحضارة ) فأن الكاتب (جنبلاط الغرابي ) يستشهد بما قاله الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) ص312 وهو يقول ( فقد رأينا البدو في الصحراء يكرهون من يتكبر عليهم فهم ديمقراطيون تجاه رئيسهم فاذا تكبر عليهم نفروا منه وانفضوا من حوله وهذه العادة البدوية امتدت الى المدن وتأثر بها اهلها قليلا او كثيرا فهم كالبدو يكرهون من يتكبر عليهم ولكن علاقتهم بالحكام جعلتهم يحترمون المتكبر بالرغم من كراهيتهم له ) يعلق (الغرابي ) على كلام الراحل (الوردي ) قائلا ( ان التدبر بهذه الكلمات يأخذنا الى ملاحظة جملة من القضايا قد لا تكون في محل الرضا لدينا ,اهمها الخلط بين المظهر الاجتماعي والانفعال النفسي .فأن كراهية المتكبر ليست مظهرا اجتماعيا يعرف بالاكتساب ,بل هو رد فعل نفسي وذاتي ولا يرتبط بخلفيات المجتمع الثقافية . ففي جميع المجتمعات نجد المتكبر لا يسلم من النقد والكراهية من قبل الافراد واذا اراد اي مجتمع ان يربي جيلا يحمل الاحترام للمتكبر فسوف تمنى هذه الارادة بالفشل وذلك بسبب التعارض الفطري ما بين هاتين القضيتين. والشق الاخر في اعتراضنا على هذا التفسير هو اكتساب اهل المدن كراهية المتكبر من البدو ,وفي الواقع ان هذه الرؤية تطرح سؤالا علميا يطمع بجواب دقيق وهو , على اي حال كانت المدن قبل ان تكتسب هذه الكراهية ,هل كانوا يحترمون المتكبر ؟ ام كانوا لا يميزون هذه الصفة ؟ ومن المحال ان تقع هذه الرؤى داخل المجتمع كونها تتعارض مع الفطرة الانسانية كما اسلفنا ) ويمضي (الغرابي ) الى القول ( ان هذا القول يصور لنا المدى التجريدي الذي ذهب اليه الوردي في فهم ثقافة المجتمع العراقي فنلاحظ انه يعيد جميع الصفات والاعراف الى مجتمع البداوة ,جاعلا من الثقافة البدوية مرجعا للإسناد ومجسدا انقلابا للمعادلة المعروفة ,فنحن نعلم بتفوق الحضارة ثقافيا على ما هو دونها ,هذا الذي يجعلها موطنا للتصدير وليس للاقتباس والرؤية التي انطلق منها الوردي والتي كانت معاكسة لما هو معهود, حيث انه لم يترك مجالا للبحث في صفات المجتمع العراقي غير المكتسبة .والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال , هنا ما هي سلوكيات المجتمع العراقي قبل التأثر بالبداوة؟ في الواقع ان الوردي لم يتناول هذا الموضوع في مؤلفاته التي خصت المجتمع العراقي بل الاغرب من هذا تناسيه التأثير الديني بمذاهبه المتنوعة على المجتمع والصراعات مع الثقافات المجاورة كالفارسية والتركية )
اما الكاتب ((رشيد هاشم فهد ) فقد قال فيما قاله ضمن ندوة ثقافية تناولت نتاج الراحل الوردي حول ما يتعلق بثنائية الراحل (البداوة الحضارة ) ما نصه ( بالنسبة الى تبويب المجتمع الى بداوة وحضارة وهو التبويب الذي أمن به على الوردي فانه يفتقر الى الدقة ,وقياسا الى التبويبات التي اعتقدها بعض الفلاسفة كان تقسيم الوردي بالنسبة اليها متخلفا وغير دقيق .ماركس كان افضل منه حين قسم المجتمع الى طبقات اي الى ما يتعلق بعلاقة هذه الطبقة ام تلك بوسائل الانتاج ,وهو التقسيم الذي اشتهر به ماركس , وغيره من الفلاسفة والمفكرين الذين راحوا يقسمون المجتمعات على اساس اعراقها او اديانها هم ايضا افضل من الوردي لان تقسيمهم هذا كان يعتمد على معطيات تجعلهم يدافعون عن آرائهم على نحو قوي ,اما الوردي فلم يكن كذلك لانه اهمل مكونا مهما وهو الريف ,والبداوة بالنسبة للريف من حيث الحجم لا تساوي شيئا واعتقد انه تعمد اهمال الريف تناغما, مع انطباع الامريكيين عن العرب , وهو الدارس في الولايات المتحدة حيث الانطباع السائد وقتذاك وربما الى يومنا هذا كان بداوة وحضارة في حين ان المكون الاساس بالنسبة للمجتمع العراقي كان الريف , وكان الصراع بينه وبين المدينة قائما الى يومنا هذا ولكل من الريف والمدينة سلوك وثقافة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل