الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية

محمد الخالدي

2015 / 3 / 24
الادب والفن


أعد حقيبته بعناية غير معهودة فيه، ثم توجه نحو زوجته النائمة ليودعها بقبلة خفيفة حتى لا يوقظها، و لم يغادر المنزل حتى عرج على غرفة الأطفال الذين أصبحوا رجالا و نساء ليلقي عليهم نظرة وداع أخيرة.
جاء سائق الطاكسي في وقته المحدد، فساعده على حمل الحقيبة المكتظة بما سوده من أوراق طيلة ثلاثين سنة من التدوين، وضعها بالسيارة ثم أسرع نحو المطار الدولي لمدينة سلا.
في الطريق إلى المطار اتصل بأقرب أصدقائه، كان ودودا بشكل أثار استغراب بعضهم و تهكم البعض الآخر، لم يعرفوا عنه سوى ذلك الغاضب الذي يأخذ كل نقاش على محمل الجد، فكل القضايا جدية و كل المعارك حقيقية، لم يغضب كعادته من تلميحاتهم و ملاحظاتهم، بل حاول أن يكون أكثر منهم دعابة، ضحك بمرح و حب، حتى أن علي لم يتمالك نفسه فسأله عن سر هذا التغير المفاجئ، لكن لم يظفر منه بجواب مقنع مما زاده حيرة و اندهاشا بل خوفا عليه، فهذا التغير الطارئ لا بد أن يخفي وراءه أمرا عظيما، ودع الجميع بلباقة و حميمية مفرطة، ثم انتبه إلى السائق ينتظره بجانب السيارة، لقد وصلا إلى المطار.
أخذ مكانه في الطائرة إلى جانب فتاة في عمر ابنته زينب، تبادلا التحية ثم شرع يحدثها عن مشاريعه بباريس، استغربت في البداية عفويته و انطلاقته في الحديث عن تفاصيل حياته، ثم ما لبثت أن شاركته بوحه.
غادر بيته، أصدقائه ، ووطنه من أجل بداية حياة جديدة تمناها دائما لنفسه، و غادرت للسبب ذاته.
أعذرني يا سيدي، لكن ألا تعتقد أن بدايتك مجرد حلم جميل، فهي أقرب للنهاية، كان الأجدر بك أن تقول أنك سافرت بعيدا بحثا عن نهاية طالما تمنيتها لنفسك؟
البدايات و النهايات مجرد أساطير تضفي على حياتنا معنى يجعلها أكثر تحملا، أنت صبية صغيرة لكن رغم ذلك أجزم أن حياتك مليئة بنهايات لا تقل عن بداياتك، صدقيني البداية هي إقبالك على الحياة و لو لم يبق منها غير يوم واحد، أما النهاية فيأسك و أفولك، إذن فنحن من نقرر و نختار، أو لنقل بتعبير أكثر نزاهة نحن من ينبغي أن نقرر و نختار.
فلسفتك غريبة لكن وجدت لها في عقلي مكان، لكن رغم ذلك هناك أمر لم أفهمه بعد.
ما هو؟
لماذا الرحيل؟ ألا نستطيع أن نقرر و نختار و نحن بين أحبائنا و في أرضنا؟
فكرة جيدة! عليك بالمحاولة، بمجرد وصولنا لمطار شارل دوغول احجزي تذكرة العودة إلى مطار سلا، بمنطق السنين ما بزال لك من العمر ما يكفي للتجارب و النكسات.
و أنت؟
أنا لا أبحث الآن إلا عن البدايات، قلبي صار أضعف من أن يتحمل نكسة أو فجيعة، كما تعلمين ليس في بلادنا أكثر من النكسات و الفجائع، تركتها لأولادي و بناتي. نسيت أن أخبرك بأن لي ابنة في مثل عمرك، اسمها زينب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل