الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يشكل السعي الأميركي لتفكيك القاعدة سابقة، أم هناك سوابق تفكيك أميركية كثيرة؟

ميشيل حنا الحاج

2015 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ملاحظة: هذا ليس مقالا آخر، بل فصل آخر من فصول كتابي القادم بعنوان" حرب لتصفية داعش أم لتفكيك القاعدة؟" والذي سوف ينشر في شهر نيسان (ابريل) 2015 .
================================================

قد يبدو للوهلة الأولى، أن هناك جموح أو شطحة في الخيال، بل وربما نوع من المبالغة والتهويل، بالترويج لاحتمال جنوح الولايات المتحدة نحو تفكيك "القاعدة" ، كحل بديل للحل العسكري الذي فشلت فيه عمليا، على مدى حرب طويلة وقاسية في أفغانستان.

لكن اذا علمنا بوجود سوابق أميركية كثيرة اتبعت فيها الولايات ذاك الأسلوب في معالجة قضايا أزعجتها، واستعصى عليها معالجتها عسكريا، أو بوسائل أخرى شبه عسكرية ، فلجأت الى نهج الدهاء السياسي في حلها، عن طريق تفكيك الدولة أو التنظيم الذي يسبب المتاعب لها، لأدركنا أن ذلك ليس أسلوبا جديدا أو فكرة طارئة على مخططي الاسراتيجيات الأميركية ، فهي اذن لا تنتهجه للمرة الأولى. وبعبارة أخرى، فانها عندما يستعصي عليها استخدام "فن الجنرال"، وهو المعنى الذي تقصده كلمة "استراتيجوس" اليونانية والمعبرة عن مفهوم الاستراتيجية العسكرية، فانها تلجأ الى المفهوم السياسي القريب غالبا من المفهوم الميكيافلي ، والذي يبرر الوسيلة غير المستحبة لتحقيق غاية ما.

فاللجوء الى أسلوب التفكيك بوسائله الميكيافيلية، اذا استعصى عليها الحل عبر استرايجية "فن الجنرال" كاحتمال مطروح ، لم يشكل السابقة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي لجأت فيها الادارة الأميركية الى السعي للتغلب على خصم لها ، عبر تفكيك تنظيمه ، أو تفتيت بناء الدولة فيه ان كان دولة ، سعيا لانتزاع مصادر القوة لديه أو لديها ، عندما استعصى عليها تحقيق ذلك عبر الوسائل العسكرية. وهذا الأسلوب ليس مقصورا على الولايات المتحدة ، اذ استخدمته دول أخرى في هذا العالم الواسع. ولعل أحد وسائله النهج البريطاني الذي تمثل بسياسة "فرق تسد" الذي استخدمته كثيرا في مستعمراتها المتعددة.

وسوف أعيد للذاكرة سلسلة من العمليات الشبيهة التي لجأت فيها الولايات المتحدة الى نهج التفكيك هذا، وهي بالمناسبة كثيرة، ولذا سأكتفي باسترجاع بعضا منها للذاكرة التي قد تشكك في هذا الاحتمال، كاحتمال حقيقي وممكن سلوكه من قبل الأميركيين.

والأميركيون عندما طرحوا فكرة تفكيك القاعدة كاحتمال آخر، بدل المضي في مواجهتها عسكريا، لم يطرحوا فكرة جاءت من الفراغ ، أو حتى من الفضاء، بل طرحوها كوسيلة سبق لهم استخدامها مرارا ، وبعضها في التاريخ الحديث. فعلى خطى تلك السوابق، أجرى المخططون الاستراتيجيون قياسهم. وازاء نجاح تلك السوابق، تشجعوا على اقرار استراتيجيتهم تلك ان تأكد وجودها، على أمل أن ينجحوا هذه المرة أيضا في الوصول الى مبتغاهم، دون بذل مزيد من الدماء الأميركية، مع أنهم يعلمون أنه في حالتهم الجديدة هذه (أي قضية تفكيك القاعدة)، قد يكون فيها أيضا بذل بعض من الدماء، بل والكثير من الدماء، لكنها دماء الآخرين ، وليست دماء أميركية ، حيث سيبقى الأميركي في موقع المراقب في سراديب مخابراته، وأقبية مخططيه السياسيين ، يقدم من وراء الستار الدعم لمجريات الأمور التي ستقتضيها تنفيذ تلك الاستراتيجية.

ولكن ما هي تلك السوابق الأميركية وغير الأميركية ، على استخدام نهج التفكيك في السوابق التاريخية ؟

من أحدث هذه السوابق ما حدث مؤخرا في دولة أخرى هي مصر وذلك في عام 2012 ، عندما سعى حزب العدالة والبناء المصري الحاكم، والمنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين ، الى شق صف التيار السلفي الديني المنافس له، والذي يخالفها نوعا في رؤيته وطروحاته حول التوجه الاسلامي الصحيح. وكانت نتيجة ضعوطات الاخوان ومناوراتهم ، أن انشقت عدة مجموعات لتشكل أحزابا سلفية مستقلة عن الجسم العام لحزب "النور" السلفي. وكان نادر البكار، نائب رئيس حزب النور والناطق الرسمي باسمه، فد شجب علنا أكثر من مرة ، تلك المحاولات التي أجرتها الحكومة الاخوانية التي كان الحزب يشارك فيها. وكان ذاك السلوك الي انتهجه الاخوان المسلمون في مصر، هو السبب الرئيسي لانسحاب حزب النور من التحالف مع الاخوان، والانضمام الى صفوف المعارضة السياسة لهم . فوقفوا في نهاية يونيو (حزيران) 2013 مع المعارضة التي بايعت الجيش المصري، وفوضته بعزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي الذي تآمر عليهم مع الاخوان.

ومثلها أيضا ذاك الانشقاق الذي وقع حديثا (شهر آذار 2015) في صفوف جبهة العمل الاسلامي المنبثقة عن حركة الاخوان المسلمين في الأردن، والذي شكل أقوى الأحزاب السياسية المعارضة في المملكة الأردنية. فقد ادعى بعض المنتسبين لحركة الاخوان المسلمين، وجود أصابع للحكومة الأردنية تسببت في هذاالانشقاق الذي حول الجماعة الاسلامية الى جماعتين. ولكن الحكومة الأردنية نفت أي علاقة لها بما يجري داخل الحزب، قائلة أنه شأن داخلي لاعلاقة لها به.

ولكن المفكرين في الادارة الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لم يستندوا الى هاتين الواقعتين الأخيرتين، لأنهما قد تحققتا مؤخرا وفي وقت لاحق على الشروع بطرح ذاك الحل (حل شق القاعدة) مع بدايات عام 2002 ، عندما بدأت تظهر مؤشرات على احتمالات فشل العمل العسكري الذي أخذ شكل الغزو المباشر لأفغانستان، وبأقوى ثقل تملكه الولايات المتحدة . فهي قد استندت الى سوابق أخرى حديثة, وكان أكثرها وضوحا، وسابقا في الزمن على ذاك التوجه الأميركي (ان تأكد وجوده) الساعي الى شق القاعدة وتفكيكها عبر شق صفوفها كبديل للحل العسكري.

فالسابقة الأهم ، جرت في نهايات الثمانينات، والتي تمثلت بعملية شق صفوف الحزب الشيوعي السوفياتي، عندما قام رجل الولايات المتحدة في الحزب الشيوعي السوفياتي "بوريس يالتسين" ، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب، والذي كان قد انتخب مؤخرا وبدعم من الحزب، رئيسا لجمهورية روسيا الاتحادية، العضو الأكبر بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي ... باعلان انفصال الجمهورية عن الاتحاد السوفياتي ، رافضا الاعتراف بأي سلطة للحزب الشيوعي على تلك الجمهورية، مما شكل رصاصة الرحمة لجمهوريات الاتحاد السوفياتي التي عانت مؤخرا من هزيمة عسكرية في افغانستان ، اضافة الى ظهور الفساد بين بعض قياداتها ، مما أدى الى انهيار الحزب وانهيار وتفكيك الاتحاد السوفياتي معه,

وبعد تجربة تفكيك الاتحاد السوفياتي ، جاءت تجربة تفكيك "يوغوسيلافيا" ، والتي بدأ سريانها الدرامي منذ عام 1991 ، أي بعد عشرة أعوام على تفكيك الاتحاد السوفياتي. وكانت المشكلة التي تواجه الأميركيين بعد انهيار الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، أن معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي وتحكمها أحزاب شيوعية، قد تخلصت من وضعها السابق، فطردت الحزب الشيوعي في كل منها، وأحلت محلها حكومات ليبرالية ورأسمالية، بل وانضوى معظمها تحت لواء حلف الأطلسي "ناتو". لكن ذلك كان بالنسبة لكل دول أوروبا الشرقية الا واحدة هي يوغوسلافيا، التي احتفظت على رأس قيادتها، بالحزب الشيوعي اليوغوسلافي، رغم وجود بعض التفاوت في الرؤية الماركسية ، كما أرساها مؤسس الدولة اليوغوسلافية الرئيس الراحل "جوزيف بروز تيتو" ، والرؤية الماركسية المعتمدة من قبل الحزب الشيوعي السوفياتي.

صحيح أنه لم تزل هناك في العالم دول أخرى تحكمها أحزاب شيوعية رغم رحيل الاتحاد السوفياتي ومنها فيتنام، ولاوس، والصين وكوبا. لكن الدول الثلاث الأولى كانت بعيدة وخارج أوروبا, أما كوبا فكانت خارج أوروبا وقريبة جدا من الولايات المتحدة، لكنها كانت محمية من التدخل الأميركي بتلك الاتفاقية الدولية التي تمت في عام 1962 بين الرئيسين خروشوف وكنيدي، وتضمنت تعهدا أميركيا ما زالت أميركا تحترمه ، ومفاده عدم التعرض للنظام الكوبي. أما يوغوسلافيا فكانت شيء آخر. فقد كانت في قلب أوروبا وتقف حجر عثرة في وجه حلف الناتو الذي يرغب في نشر صواريخه ودرعه الحديدي في كافة أنحاء أوروبا ، ولم تكن يوغوسللافيا ذات الاتجاه الماركسي راغبة في ذلك.

ولأن الولايات المتحدة لم تكن راغبة في الدخول في حرب مباشرة ضد يوغوسلافيا ، فقد سعت الى تفكيك الدولة اليوغوسلافية عبر اشعال حروب واضطرابات داخلية في الجسم اليوغوسلافي ، أدت الى تفكيك الدولة الاتحادية الى ست دول هي: صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، الجبل الأسود، كوسوفو ، والبوسنة - هرسك.

وجرى التمرد الأول على السلطة المركزية اليوغوسلافية في كل من مقاطعتي سلوفينيا وكرواتيا، اللتان سرعان ما انفصلتا عن الاتحاد في عام 1991 وشكلتا دولتين مستقلتين، بعد مرحلة اضطرابات قصيرة أدت الى اجراء استفتاء قرر الانفصال عن يوغوسلافيا. وكان السبب في انفصالهما ، اختلاف العرق بينهما وبين الصرب الذين شكلوا الأكثرية في صربيا، الاقليم الأكبر في يوغوسلافيا. وكان هناك سبب آخر هو أن احدى الدولتين كان يسود فيها المذهب الكاثوليكي، في وقت كان المذهب الأورثوذوكسي المسيحي هو السائد في "صربيا" ، الاقليم الأكبر في الاتحاد اليوغوسلافي.

واذا كان انفصال كرواتيا وسلوفينيا قد تم بدون ازهاق دماء كثيرة ، فان انفصال دولة البوسنة والهرسك، التي ساد فيها الدين الاسلامي، فقد كان دمويا واستغرق طويلا ، وتسبب بمقتل الكثيرين, وكانت أميركا هي من تمول وتسلح البوسنيين في حربهم في مواجهة الصرب. وقد لجأت فيها أيضا الى استقدام مقاتلين مجاهدين من دول اسلامية أخرى كالشيشان وباكستان وغيرهما من الدول الاسلامية ، غير متعظة بتجربتها السابقة الفاشلة في أفغانستان. لكن الحرب انتهت أخيرا باستقلال البوسنة - هرسك عن الاتحاد اليوغوسلافي.

وانفصل اقليم "الجبل الأسود" بطريقة سلمية ودون سفك دماء. وكان من أسباب الانفصال، الفوارق العرقية بينه وبين جمهورية "صربيا" التي شكلت مما تبقى من جسم يوغوسلافيا، دولة مستقلة يسود فيها العرق الصربي، مع تفاوت في العرق السائد في الجبل الأسود.

ولكن اقليما آخر هو اقليم "كوسوفو"، الذي كان آخر المناطق اليوغوسلافية التي تحظى بالانفكاك عن صربيا، وهو الاستقلال الذي لم تعترف به بعد "صربيا" ، قد تحقق متأخرا وما زال النزاع قائما حوله... وقد تحقق بعد سفك كثير من الدماء، بل وتدخل أميركي عسكري مباشر من الولايلات المتحدة التي كان "بيل كلينتون" في مقعد رئاستها عندئذ. وكان سبب المطالبة بالانفصال، أن نسبة عالية من السكان كانوا من المسلمين ، رغم وجود أكثرية صربية مسيحية في بعض مناطق كوسوفو ، تدفع صربيا ل عدم الاعتراف بذاك الاستقلال.

وقبل يوغوسلافيا ، تم تفكيك "تشيكوسلوفاكيا" - الدولة الشيوعبة سابقا. اذ تحولت لأسباب مجهولة ، الى دولتين هما تشيكيا وسلوفاكيا. ولا ننسى فصل النمسا عن المانبا اثر الحرب العالمية الثانية ، والتي كان "أدولف هتلر" قد ضمها الى المانيا المجاورة لها ، والتي كانت تشترك معها باللغة والتاريح. وكان قد ضمها الى المانيا قبل نشوب الحرب العالمية الثانية في عملية عرفت في التاريخ الألماني باسم "الانشلوس".

وتسعى الولايات المتحدة الآن لتفكيك الجمهورية العراقية الى ثلاث دول، واحدة منها شيعية، وأخرى سنية، وثالثة كردية مستقلة عن العراق. ولعل أحد أبرز الأهداف التي جعلت الولايات المتحدة تغض الطرف عن تشكيل تنظيم دولة العراق الاسلامية أثناء احتلالها للعراق، هوما ينفذه ذاك التنظيم من عمليات عسكرية ضد طائفة الشيعة، سعيا لتوسيع الشرخ بين الطائفتين ، السنة والشيعة، وتمهيدا لاعلان الاقليم أو الدولة السنية في العراق.

والسلوك الأميركي في الحرب الدائرة الآن ضد داعش، تكشف عن محاباة أميركية واضحة للأكراد، والذي تمثل بالدفاع الجدي عنهم، كما حصل في معركة حماية "أربيل" ، وبعدها معركة "كوباني" ، ثم معركة "جبل سنجاب" ، وكلها مناطق كردية، حيث حرصت على حماية الأكراد من مذابح مقاتلي داعش، توطيدا لعلاقتها بالأكراد الذين تتوقع أميركا استقلالهم عن العراق وتحولهم الى حليف قوي للأميركيين.

فسلوكها المحابي للأكراد بشكل واضح في هذه المعارك الثلاث، قد تناقض مع سلوكها عندما كان يتعلق الأمر بالعرب من أهل العراق، حيث خذلتهم في معركة سيطرة داعش على المحافظات الكبرى الثلاث بما فيها محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، فلم تسع للحيلولة دون ذلك. كما خذلتهم في معركتهم الجارية حاليا لتحرير اقليم صلاح الدين وعاصمته تكريت، فلم تساعدهم على الفوز بها، وباتوا مضطرين للاعتماد على قوتهم الذاتية وهي قوة محدودة.

وكانت هناك عملية أخرى سابقة على واقعة تفكيك الاتحاد السوفياتي وتفكيك يوغوسلافيا. وقد جرت في السبعينات من القرن الماضي. ولم ينصب التفكيك عندئذ على دولة، بل على تنظيم سياسي رفع السلاح ليشكل حركة مقاومة لاسرائيل ربيبة الولايات المتحدة.

وتمثلت تلك السابقة بتفكيك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي أسسها وقادها المرحومين الدكتورين "جورج حبش" و "وديع حداد". فتلك المنظمة قد نجحت في تنفيذ عدة عمليات عسكرية كبرى ضد المصالح الاسرائيلية . وكان أبرزها عملية درامية شدت الانتباه الى مخاطر التنظيم، حيث تمثلت باختطاف عدة طائرات في وقت واحد، والهبوط بها جميعها في صحراء أردنية عرفت باسم مطار الثورة.

فهذه العملية الكبرى والأغرب في التاريح الحديث .. الى حين تنفيذ تنظيم القاعدة عملية مهاجمة البرجين في نيويورك والبنتاغون في ضواحي واشنطن، قد أثارت مخاوف كبرى لدى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية والأميركية نتيجة العبقرية والقدرة على التخطيط بذكاء مفرط وسرية تامة، وتنفيذ عملية نوعية كهذه سيذكرها التاريخ دائما ، تماما كما سيذكر التايخ الى الأبد، عملية القاعدة في نيويورك وواشنطن والتي كشفت أيضا، عن عبقرية في التخطيط والتنفيذ ، مع الاحتفاظ بسرية شبه تامة في مجالي التخطيط والتنفيذ.

فما أثار امتعاض ومخاوف وغضب واشنطن في عملية الحادي عشر من أيلول 2001 ، لم تكن الخسائر المادية والبشرية ، بل تلك العبقرية النادرة في التخطيط والتنفيذ ، اضافة الى السرية شبه التامة التي أضفيت عليها ، تماما كما كان ما أثار تل أبيب وواشنطن في حادثة اختطاف الطائرات المتعددة الى مطار الثورة، (وغيرها من عمليات الجبهة الشعبية النضالية ضد الاحتلال الاسرائيلي) ، لم يكن عملية الاختطاف بحد ذاتها، بل العبقرية النادرة في التخطيط والتنفيذ والاحتفاظ بالسرية التامة حولها، مما دل على عبقرية نادرة كان لابد من تفكيك تنظيم من يملكونها ويستخدمونها بشكل ناجح. وهكذا لجأت أميركا لىتفكيك منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد نجحت فعلا بتفكيكها.

فنتيجة خلاف في الرؤيا بين جورج حبش وويع حداد لم يعلم أحد من أثاره اوغذاه بينهما، حصل الانشقاق الأول ، حيث استقل الدكتور وديع حداد بمجوعة خاصة به. لكن ذاك كان اتشقاقا صغيرا اذ تبعه انشقاق آخر، عندما انفصل "نايف حواتمة" عن الجبهة الأم ، ليشكل الجبهة الشعبية (الديمقراطية) لتحرير فلسطين ، وتبعه انشقاق ثالث قاده "أحمد جبريل" ، ليشكل الجبهة الشعبية (القيادة العامة) لتحرير فلسطين.

وهكذا تم تفكيك الجبهة الشعبية التي بدت التظيم الأقوى والأقدر على محاربة العدو الصهيوني وسلوك الدرب الحقيقي الناجح الفاعل القادر على تحرير فلسطين ، معتمدا فكر النضال المسلح كوسيلة وحيدة لتحقيق ذلك ، وليس درب المفاوضات العقيمة التي أكد "نتناياهو" مؤخرا وبشكل مباشر، أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية طالما هو في السلطة . وبهذا التصريح العلني، كشف "نتناياهو" عن نواياه الحقيقية، بكونه يستخدم المفاوضات كورقة للمماطلة والتسويف، معتمدا على عنصر الزمن وتلاشي الجيل الفلسطيني الذي يطالب بدولته المستقلة. وتناسى "نتنانياهو" أن شعبه في عيد الهيكل، ظل على مدى ألفي عام يقول عندما يرفع الانخاب احتفالا: " العام القادم في أورشليم". فما الذي يجعله مقتنعا أن الشعب الفلسطيني أيضا لن يظل يرفع لأعوام طويلة كؤوس التمر هندي والخروب قائلا: "العام القادم في يافا وحيفا والجليل وعكا واللد والرملة، بل وفي أورشليم التي هي أيضا قدسنا" كما هي قدسهم .
**********************

اذن قضية التفكيك .. تفكيك القاعدة كحل بديل للحل العسكري الذي أثبت عدم نجاعته، لم تأت من الفراغ، وليست فكرة عشوائية جامحة في الخيال، بل استندت لسوابق تاريخية كثيرة ذكرت بعضها، وقد أثبتت في حينها نجاعتها والقدرة على تحقيق أهدافها، وخصوصا في تفكيك الجبهة الشعبية التي تحولت من التنظيم الأقوى الى التنظيم الأضعف.

فما الذي يمنع اذن لجوء الولايات المتحدة الى أسلوب كهذا (أي أسلوب التفكيك والاضعاف) في كيفية معالجتها لتنظيم القاعدة، الذي تسبب بالمتاعب الكثيرة للأميركيين، عندما باءت مساعيها للقضاء عليه باستخدام القوة المسلحة بكافة أنواعها.

ومن هنا يبدو من المتوقع، بل ومن الطبيعي أيضا ، رغم عدم توافر الدليل المادي بعد، أن تلجأ الى الأسلوب البديل، أي الى أسلوب تفكيك القاعدة ، مستخدمة النهج "الميكيافلي" عوضا عن نهج "فن الجنرال" اي الاستراتيجية العسكرية المباشرة ، رغم احتياج الميكيافلية لبعض النشاط العسكري القليل منه مباشر، والكثير منه غير مباشر.

أما اذا كانت ستنجح في ذلك أو لن تنجح ، بل وقد تواجه فيه كارثة كبرى، فذاك أمر آخر الرد عليه في الفصل القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير