الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة من سفر التطور – 4 – من ال SIV إلى ال HIV

نضال الربضي

2015 / 3 / 24
الطب , والعلوم


قراءة من سفر التطور – 4 – من الـ SIV إلى الـ HIV

أصبحتِ التطور و الطفرات الجينية و الانتخاب الطبيعي حقائق علمية مُثبتة بالأدلة و البراهين، لكنها تلاقي رفضا ً واسعا ً من مجموعات كبيرة من الناس لعدة أسباب منها ما هو مُتعلق بتعارضها مع النسخة الدينية لتفسير وجود الكائنات و تنوعها، و منها ما هو ناتج ٌ عن عدم اضطلاع ٍ كاف ٍ على المعاني العلمية لهذه المصطلحات و انتشار "معاني" شعبية لا علاقة لها بالحقيقة العلمية.

أما ما يمكن ُ أن نعتبرهُ أكبر َ دافع ٍ لرفض التطور فهو المدَّة الطويلة ُ التي يستغرقها "كائن ٌ ما" حتى يتحول َ من نوع ٍ إلى نوع، أو حتى تبرزَ فيه صفة ٌ جديدة و تثبُتَ و يمكن َ ملاحظاتها و قياسها. فالإنسان بطبعه يصدق ما هو قريب ٌ إليه، ما يراه، و يستثير ُ أحاسيسه، بينما ينزعُ إلى نفي ما لا يمكن قياسُه أو الإستدلالُ عليه بالتجربة و البرهان، فيما عدا حالة الأدلجة منذ الصغر و التي لها قوة تثبيت أي فكرة في العقل حتى نهاية الحياة ما دامت زُرعت منذ الولادة و تم تغذيتها باستمرار ٍ من قبل الأهل و المجتمع، بغض النظر عن منطقيتها أو حتى وجودهِ موضوعها من عدمه، و تحت هذا التصنيف تندرج ُ كل الإيدولوجيات الدينية و مشاعر الهوية، لكن لذلكَ حديثاً آخر ليس هو موضوعنا اليوم.

السابق صحيح ُ في الكائنات كبيرة الحجم مثل الحيوانات و البشر، و لهذا فقبول التطور بدلالتها صعب ٌ إلا للعقول ِ التي تُقبلُ بانفتاحٍ على العلمِ و تطلبه، و تبحث فيه، و تدرسه، و تتابع كشوفاتِه. بيد أن َّ أنواعا ً أخرى من الكائنات تُسهِّل علينا فهم التطور و قبوله، و تقدِّم ُ لإنسانِ الشارع من العامة نماذِج حية يستطيع ُ أن يلمس أثرها، لأن المدَّة الزمنية َ لتطور هذه النماذج قصير ٌ نسبيا ً، و أعني بها: البكتيريا و الفيروسات.

يمكننا أن نلمس التطور في البكتيريا و الفيروسات إما بزراعتها في المختبرات العلمية في مستعمرات ٍ منفصلة و مراقبة ِ أجيالها، أو بتتبُّع ِ تطورها في أجساد المرضى من البشر أو الحيوانات عبر عقود ٍ من الزمن، و توثيق تراكيبها السابقة و الحالية و إبرازِ الفروقات ِ بينها و بالتالي إثبات ِ حقيقة ِ تطورها دونما أيِّ مجال ٍ للشك.

سأستخدم ُ في مقالي هذا فيروس الـ HIV كمثال، و هو الاختصار للاسم Human Immunodeficiency Virus، و الدَّال ُ على الفيروس الذي يصيب البشر فيقضي على نظام ِ المناعة ِ لديهم ليتسبب في نهاية المطاف بمرض ِ "نقص المناعة المُكتسبة" أو الإيدز أو السيدا.

فيروس الـ HIV نوعان:

- 1 HIV: و المقبول علميا ً اليوم أن أصله من قردة الشمبانزي.
- 2 HIV : و أصله كما هو مقبول ٌ اليوم من قردة "المنجبي الأسخم" و التي تعيش في بلدان غرب إفريقيا.

ينتقل ُ فيروس الـ HIV بواسطة السوائل التالية:

- الدم.
- المني.
- سوائل المِهبل.
- حليب الأم.

أصل ُ هذا الفيروس مجموعة من الفيروسات التي شكلت أسلافا ً له تُعرف باسم فيروسات SIV و هي اختصار لـ Simian Immunodeficiency Virus، حيث نلاحظ الاختلاف في التسمية بين كلمتي Human (للفيروس البشري) و Simian (لفيروسات أسلافه).

تعيش الـ SIV داخل الكائنات المُصنفة على أنها من الـ "الأوَّليات العُليا" أي قرود العالم الجديد، الشمبانزيات و البونوبو و الغوريلات، و الإنسان. و هي الكائنات التي ترتبط ُ بتاريخ ِ أسلاف ٍ طويل ٍ نسبيا ً. و لقد وجدت هذه الفيروسات طريقها من هذه الكائنات الأوَّلية العُليا إلى البشر عن طريق ِ اختلاط دمائها بدماء البشر الذين كانوا يصيدونها و يجلبون َ لحومها لتكون َ مصدر َ طعام ٍ رخيص في بيئة ٍ فقيرة ٍ مُعدمة.

يُعتقد ُ علميا ً أن التَّحوُّل َ من SIV إلى HIV قد تم فعليا ً داخل الكائن ِ القِرَدي قبل أن ينتقل َ إلى الإنسان، و تشيرُ أبحاث ٌ أخرى أن التحوُّل كان مُتزامنا ً مع عملية انتقال الـ SIV إليه، بمعنى أن فيروسات SIV بدأت بالتحول داخل القِردة إلى سلالات ٍ جديدة دخلت أجسام َ البشر عند صيدهم لها و سفك دمائها، و انتقلت سُلالتها داخل الأجسام من بشري ٍ لآخر حتى في النهاية تم التَّحوُّل ُ من SIV إلى HIV.

أي أننا هنا نشهدُ تحوُّلا ً داخل القرود نفسها و داخل البشري أيضا ً، لتتزامن َ عملية تطور هذه الفيروسات مع عملية انتقالها إلى البشر مع عملية بدء ِ انتشارها من البشري للبشري، و هذا كلُّه تأكيد ٌ على التطور و الانتخاب الطبيعي الدارويني كما تشرحُه النظرية و يثبته العلم.

ما زال فيروس الـ HIV عصيَّا ً على العلاج الشافي، على الرغم من وجود أدوية ٍ تُثبِّطُ من عملية تكاثره ا داخل الجسم، إلا أن الدراسات الحديثة تشير ُ إلى بدء العمل ِ الجاد بطريقة ٍ جديدة ٍ لـ "خداع" الفيروس، حيث ُ أن هذا الفيروس يحتاجُ لوجود ِ أحد أنواع البروتينات على خلايا المناعة ليربط َ نفسهُ به ليستطيع َ الولوج َ إليها و استبدال مادته الوراثية بمادة الخلية لكي يتكاثر، فيكون ُ الحل ُّ إذا ً أن نقوم بحقن الجسم بمادَّة ٍ تحفِّزُ إنتاج جُزئيات ٍ تحمل البروتين الذي يحتاجُه الفيروس، فيرتبط َ بها بدلاً عن خلايا المناعة، و بالتالي يبقى جهازُ المناعة ِ سليما ً، مع إعطاء ِ المريض عقاقير َ أخرى تقضي على تكاثر الفيروس.

ما زال َ الطريقُ طويلا ً للخلاص ِ من ال HIV نهائيا ً، لكن فهم آلية َ دخول الفيروس إلى الجسم، و استهدافه للخلايا، و نسخه لنفسه، و تطوره، و طريقة عمله، و تركيبه، هي المدخل للعلاج ِ الناجِع ِ الكامل ِ الذي سيحمل ُ الأمل لملاين َ من الناس حول العالم، و كلُّ هذا بفضل فك ِّ أسرار ِ التطور و قبول المنشأ ِ البيولوجي العلمي لجنسنا و الأجناس الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المجد والخلود لخدام البشرية!!!
سمير آل طوق البحراني ( 2015 / 3 / 25 - 06:51 )
الف تحية لك على هذا الشرح المختصر لـ تطور SIV الى HIV الذي كنا نجهله والمجد والعزة والكرامة للعلماء الذين افنوا اعمارهم لخدمة البشرية والخزي والعار لاتباع المنقول دون المعقول والذي بموجبه يريدون ان يرجعونا الى التداوي ببول البعير وبالرقية الشرعية ويا ليت شعري لو وقف عهرهم عند هذا الحد ولم يطوروه الى سفك الدماء وتحطيم كل ما يمت للحضارة الانسانية خدمة لاجندات استعمارية اصبحت مكشوفة حتى للمكفوفين لكان الامر تحت السيطرة ولكنهم اتخدوا الله وسيلة لتبرير اعماهم الشيطانية. نعود ونقول المجد والخلود لكل من ساهم في خدمة البشرية والخزي والعار لكل افاك اثيم وفي مقدمتهم اصحاب الفتاوىالمنفذين لاوامر الملوك.


2 - الإنسان يحترم المعقد يحرق آلاف خطوات تعقيده وينبهر
سامى لبيب ( 2015 / 3 / 25 - 11:07 )
جميل هو عرضك عزيزى نضال
أريد التطرق لفكرة مقالك بمنظور فلسفى لأقول
-أن الإنسان ينبهر ويحترم دوما المعقد عن البسيط ليفتح فاه دهشة من تعقيده بالرغم أن أى معقد كان فى البداية شئ بسيط .
- كذلك نحن نحرق مئات وآلاف الخطوات التى جعلت من البسيط معقدا ببرود شديد فلا نريد ان نشغل ذهننا بمعلومات مرهقة عن خطوات التعقيد .
- الإنسان كائن مغرور او يدور حول الأنا فهو لن يقبل أن يكون إمتنانه أو سخطه من جماد غير واعى ليبحث عن نظير له يمنحه امتنانه وتقديره وسخطه وجهله .


3 - الأستاذ Salim Baker - قناة الفيسبوك
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 26 - 06:38 )
أهلا ً بك أخي Salim،

شفاء حالة مريض برلين نتجت عن زراعة خلايا جذعية (مرتين) من متبرع لديه طفره اسمها Delta 32. هذه الطفرة مسؤولة عن حذف جزء من الجين CCR5 و هو الذي ينتج البروتين الذي تحدثتُ عنه في مقالي، و الذي يرتبط به فيروس HIV لكي يدخل إلى خلايا المناعة: CD4 T cells.

من يمتلكون النسخة المتطورة من هذا الجين (مثل المُتبرع في حالتنا هذه) ينتجون بروتين مُعطَّل، لا يستطيع الفيروس الالتصاق به، و يُعتقد علميا ً أن تطور هذا الجين بواسطة الطفرة يعود إلى حقب ماضية كمناعة ضد مرض الجدري في أوروبا، بينما هناك آراء تقول أن هذا التطور يعود للحقبة اليونانية و بالخصوص لمدينة كورنتس (400 عام قبل الميلاد تقريباً) حيث كانت الدعارة منتشرة تحمل معها مرضاً يسبب أعراضاً شبيهاً بالإنفلونزا و يضرب جهاز المناعة (ربما يكون أحد الأسلاف البعيدين لل HIV لا نعلم بالضبط).

هناك آراء أخرى تعود ببداية الطفرة أبعد جداً، نحو العصر البرونزي!

مُدهش هو هذا الأصل الجيني الواحد للكائنات: بشر، حيوانات، نباتات، فيروسات، و كيف تتخاطب بلغة البيولوجيا و الكيمياء المشتركة.

نحن جميعنا واحد!

أرحب بحضورك!


4 - الأستاذ سمير آل طوق البحراني
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 26 - 06:46 )
أهلا ً بك أخي سمير و تحية عطرة في بداية هذا النهار الجميل أرسلها لشخصك الكريم،

نعم المجد
الكرامة
الخلود
العزة

لكل إنسان يمتلئ قلبه بالحب و الرغبة في البناء و التواصل الحضاري و تقديم المنفعة للبشرية.

إن المشاعر الإيجابية لها القدرة على بناء الجسور الإنسانية، و هذا معروف لا يحتاج مني لتوضيح، لكنني سقتُ القول لأزيد فأقول أن العلم يخبرنا أن هذه المشاعر الإيجابية نفسها تقوي من جهاز المناعة عند الإنسان و تجعل من قدرته على مقاومة الأمراض أفضل و أحسن و أكثر.

أحد أسباب انتشار فيروس ال HIV في المستعمرات الخاصة بالدول التي عُرفت باسم -دول إفريقيا الاستوائية الفرنسية- كان ظروف العمل القاسية المصحوبة بتوتر نفسي شديد ساهم بقوة في إضعاف جهاز مناعة العمال (عبيد و أشباه عبيد) مما جعل تطور و انتشار المرض بينهم أسهل.

كل شيء يقول لنا أن الحب و العلم يملكان مفاتيح الحقيقة، و أنهما يقدمان هذه المفاتيح مجانا ً، لمن يريد،،،،،،،،،،

،،،،،،،،،،،،، و السؤال الآن: هل نريد؟

أنا عن نفسي: نعم أريد!

أرحب بحضورك!


5 - العزيز سامي لبيب
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 26 - 06:55 )
أسعدني حضورك العذب فأهلا ً و مرحبا ً بفيلسوفنا المستنير الإنسان!

موضوع تطور فيروسات HIV شائك جدا ً، و كان أمامي خياران، الأول أن أنحوَ للجانب العلمي الجامد الذي يقدم حقائق َ و معلومات تقارير مُستخدما ً المصطلحات العلمية كما ينبغي -لتوثيق-،،،،

،،، أو أن أُبسِّط َ الموضوع لأنقل الحقائق َ نفسها، بواسطة صياغة سلسة مُيسرة، يقبلها القارئ و يستفيد منها،،،،

فكان َ أن اخترت الثاني من الخيارين، لأن الفائدة و المنفعة هما (أو هي) هدفي!

أعجبتني فكرتك ُ كثيرا ً!

نعم الإنسان ينبهر بالمعقد و ينصرف عن البسيط المتراكم!

نعم، إنه يحرق المسيرة حين يختزلها في النتيجة!

نعم إن البشري كائن ٌ نرجسي! و هذه بالمناسبة صفة تطورية ضرورية جدا ً من أجل حفظ النوع!

لكن يا أخانا العزيز، المفتاح هو الحب و العلم، و أضيف التنوير!

أتابع مقالاتك لكنني لا أعلق كثيرا ً لأن الكرام من المعلقين و المعلقات يسبقونني إلى عرض معظم ما أريد قوله، فلا أجد سببا ً لكي أراكم َ تعليقا ً لا يقدم فائدة جديدة.

أهلا ً بك دوما ً!


6 - تعليق الى نضال الربضي
ايدن حسين ( 2015 / 3 / 26 - 08:41 )

تحية طيبة اخي العزيز نضال
هل حقا ان الفيروسات تتطور .. و هل تتطوره ملحوظ في هذا الوقت القصير .. و لنقل عشرين سنة
انا اعتقد .. و ان كنت مخطئا فصحح لي .. انا اعتقد ان الفيروسات لا تتطور
كل ما هنالك ان الاجيال التي منها لا تتحمل العقاقير تنقرض .. ليبقى لدينا الاجيال التي تقاوم العقاقير
تماما مثل الحشرات التي تقاوم المبيدات .. او الجراثيم التي تقاوم المضادات الحيوية
و تقبل سلامي
..


7 - الأخ العزيز أيدن حسين
نضال الربضي ( 2015 / 3 / 26 - 09:01 )
تحية طيبة أخي أيدن و ارحب بحضورك!

للجواب على سؤالك أقول: الفيروسات تتطور، نعم هذه حقيقة علمية.

أصل الفيروسات هي مادة وراثية أفلتت من عمليات تبادل جينات بين كائنات بسيطة، و استطاعت تغليف نفسها بغشاء بروتيني، فبقيت في -العراء- تنتظر، طالما أن الظروف لا تدمر غشاءها، حتى إذا دخلت إلى جسم مُضيف ما، بدأت بالتكاثر.

الفيروسات تتطور باستمرار، و الدليل البسيط و الملموس هو فيروسات الإنفلونزا التي يظهر منها كل عام ما هو أشد فتكا ً من سابقيه و أشد عتيا على الأدوية التي تقف عاجزة ً أمامه حتى يتم تطوير أدوية خاصة جديدة و هكذا.

بالنسبة لجملتيك الأخيرتين:

-كل ما هنالك ان الاجيال التي منها لا تتحمل العقاقير تنقرض .. ليبقى لدينا الاجيال التي تقاوم العقاقير
تماما مثل الحشرات التي تقاوم المبيدات .. او الجراثيم التي تقاوم المضادات الحيوية
-

هذا يا أخي العزيز بالضبط معنى الانتخاب الطبيعي الدارويني (التنوع و البقاء للأصلح القادر) و تعريف التطور الذي بواسطته تتم مقاومة المبيدات و المضادات.

أجد من تعليقك أنك على درب ٍ سيوصلك في النهاية لقبل حقيقة التطور و أرحب بأي أسئلة لديك.

لك الاحترام و المودة.

اخر الافلام

.. أصوات من غزة| استمرار معاناة الحصول على الأدوية بالتزامن مع


.. يا رب ننجح .. فرحة طلاب الشهادة الإعدادية بالبحيرة بعد أداء




.. ما حجم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية؟


.. -قرطاج يجب تدميرها-.. مؤسس فيسبوك يثير غضب التونسيين بسبب عب




.. رجل أعمال فرنسي يسافر إلى الفضاء لتحقيق حلم الطفولة