الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبل الثلج تحت الماء

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2015 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


كيف نقضي علي العنف والإرهاب سياسيا وأمنيا. ثم ندعمه فكريا ونغذيه ثقافيا واجتماعيا وتعليميا ودينيا ومدنيا من المهد إلي اللحد؟
كيف نقضي علي العنف دون أن نقضي علي أسبابه الحقيقية العميقة المتجذرة في الفكر المدني السائد وليس الديني أو الأزهري فقط؟
أصبح معروفا أن أشد الجماعات إرهابا وعنفا "داعش والقاعدة والطالبان وبوكو حرام وغيرها". هي صناعة استعمارية تخدم أهدافا مادية بمساعدة القوي الدينية بالداخل والخارج، يشهد تاريخ الأديان من اليهودية إلي المسيحية إلي الاسلام إلي البوذية والهندوكية وغيرها. كيف تراق الدماء وتشتعل الحروب تحت اسم الدين. لم ينفصل الدين عن السياسة في أي مكان أو زمان. فالأديان منذ نشأتها لم تنفصل عن سلطة الحكم. بل إنها تتبعه وتخدمه في كل العصور. القوة السياسية والاقتصادية والمادية هي التي تحكم الدولة وليس الكهنة وحملة المباخر من أي مذهب. تتحكم قوة الدولة في الدنيا. وإن سيطر رجال الدين علي الحكم في فترات معينة فإنهم يحكمون من خلال الدولة التي تملك وسائل القمع والعنف القانوني والسياسي والديني والثقافي ابتداء من تعاليم الآباء ونظم التربية والتعليم إلي المؤسسات المتخصصة في عقاب المخالفين. بالضرب والتجويع والتشريد والسجن والتعذيب والقتل والنفي وتشويه السمعة. لم ينفصل الدين عن السياسة في العالم كله وإن تشدقت بعض الدول بالمدنية والعلمانية والديمقراطية والحداثة. فإن الدين يظل الأرض التي يرتكز عليها الحكم.
ألم تعلن دولة إسرائيل عن يهوديتها مؤخرا بعد أن ادعت الديمقراطية دهرا؟ والولايات المتحدة الأمريكية ألا ترتكز في حكمها وانتخاباتها في القوي المسيحية - اليهودية الأصولية العنصرية حتي اليوم؟
من الخداع أو الجهل السياسي أن نفصل بين العنف والإرهاب في العالم الأول والثاني والثالث. أو بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى في الشرق والجنوب. فنحن نعيش في عالم واحد في ظل حضارة واحدة رأسمالية أبوية. قائمة علي القوة والعنف رغم شعارات الديمقراطية والعدالة والحرية والسلام.
وكم من ثورات شعبية انفجرت شرقا وغربا ضد العنف والقهر. وكم أجهضت هذه الثورات وتم اخضاع الشعوب. نساء ورجالا وشبابا وأطفالا بوسائل قمع متجددة تنتجها تكنولوجيا العنف المتطورة أحدثها وسائل التعذيب الأمريكية الجديدة.
أول مفاهيم العنف في المجتمع تترسخ في عقل الطفل الذكر ليكتسب صفات الرجولة وتعني القوة والسيطرة. وتتعلم الطفلة البنت مفهوم الأنوثة القائم علي الضعف والخضوع والاستسلام.
هذه القيم والمفاهيم سائدة في كل مكان في العالم. في البيت والمدرسة والجامع والكنيسة والحرب والعمل والشارع والراديو والتليفزيون وجميع مؤسسات الدولة والمجتمع. هذه القيم تولد أول أنواع العنف تحت اسم اختلاف الجنس. العنف الذي يسلب البنت كرامتها كإنسانة كاملة الانسانية مثل أخيها. ويفقدها الثقة في نفسها إن رفضت الخضوع والطاعة علي حين تتلقي أختها المطيعة المنكسرة كل المدح والثناء واعتبارها صاحبة الأنوثة المثالية ويحظي أخوها الذكر بالمدح والثناء كلما ازداد قوة ورجولة وسيطرة علي أخته وأمه أيضا.
تحدث هذه التطورات السلبية للشخصية منذ الطفولة خوفا من الاتهام بالنقص في الرجولة أو النقص في الأنوثة، يتعود الولد علي الغطرسة وتتعود البنت علي الخنوع يوما وراء يوم. لحظة بعد لحظة تتراكم الاهانات تدريجيا داخل عقل البنت الواعي وغير الواعي. تترسب فيما يسمي الوجدان والشعور واللاشعور حتي أنها لا تشعر بالإهانة ولا تعترض علي العنف إن ضربها أخوها أو زوجها. أما الطفل الذكر فيتلقي التعليمات بأن يكون الرجل مثل أبيه قويا "ذكرا" يضرب أخته أو زوجته إن لم تخضع لأوامره. يتعود الأخ الكبير أن ينظر إلي أخته وأمه باستخفاف أو عدم احترام. تدعم الثقافة والقوانين والأديان والأخلاق والفنون والروايات والمسرحيات والتمثيليات. هذه القيم التي تولد العنف في الأسرة والمجتمع والدولة.
قد يرفض الرجل العنف نظريا أو عقليا بعد أن يقرأ الكتب الثورية عن المساواة وحقوق الانسان وحقوق المرأة إلا أن شعوره ووجدانه يظل رافضا المساواة بينه وبين زوجته وبين الخادم في البيت أو المرؤوس في العمل كلمة الأب أو الرئيس تبلغ حد التقديس في الوجدان الفردي والجمعي خاصة في بلادنا يتوارث الرجل العنف عن أبيه وجده ويرث المجتمع القيم والتقاليد ذاتها تحت اسم الحفاظ علي التراث أو الأصالة أو الخصوصية أو الهوية.
وقد يخف العنف الطبقي الأبوي لدي بعض المتأثرين بأفكار كارل ماركس أو قصص تشيكوف وجورج أورويل أو حكايات ألف ليلة ليصبحوا ضد الحاكم المستبد (الأخ الكبير) أو ضد العنف الدموي للملك شهريار الذي لم يعاقب في التراث الأدبي علي قتله البنات بل تمت مكافأته بزوجة مسلية "شهر زاد" تحكي له الحكايات كل ليلة ثم تلد له ثلاثة ذكور ليس منهم بنت واحدة وصالون "مي زيادة". الأدبي كان ملتقي الرجال. أغلبهم عجائز متزوجون. بعضهم يفخر بعدائه للمرأة (عباس العقاد) لم يشمل صالونها امرأة واحدة مع ذلك لم يتركها المجتمع إلا حطاما فوق سرير بالمستشفي النفسي. وهذا ليس إلا جزءا من جبل الثلج تحت الماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة في الاسترزاق بالدين و في خضوع الأنثي
عماد عبد الملك بولس ( 2015 / 3 / 25 - 14:28 )
تحية يا سيدتي

التجارة بالدين هي أكبر و أربح تجارة منذ القدم، و ما أقل من يعبدون أي إله بلا مقابل

و المشكلة بين الجنسين ليست في إخضاع الأنثي و امتهانها، و إنما في خضوعها طواعية للرجل و نظرتها هي لنفسها نظرة دونية، فلو لم تفعل، لتحررت، و كثرة مناداتها بالمساواة أوهمتها و أقنعتها أنها حقيقة غير مساوية للرجل

تحياتي

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر