الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاصفة الحزم... الكثير من الأمور والغبار...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 3 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


في منتصف ليل الأربعاء الخميس بتوقيت مكة المكرمة انفتحت أبواب الجحيم على الحوثيين في اليمن؛ حيث بدأت طائرات تابعة لخمس دول خليجية، تقودها السعودية، في قصف المواقع العسكرية والسياسية للحوثيين في مختلف أنحاء اليمن في عملية أعلن عنها السفير السعودي لدى واشنطن "عادل الجبير" باعتبارها استجابة لطلب الرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي" من دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية التدخل عسكريًّا لإنقاذ اليمن من استيلاء الحوثيين عليها.
وللآن وبعد مرور حوالي أربع ساعات على بدء العملية، التي أطلق عليها "عاصفة الحزم"، لم يأتِ أي رد من جانب الحوثيين الذين طال القصف كل ما ينتمي إليهم وإلى حليفهم الرئيس المخلوع "علي عبد الله صالح" سياسيًّا وعسكريًّا، ولم تصدر عنهم أية بيانات رسمية سوى ما جاء على لسان عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي "محمد البخيتي" لقناة الجزيرة الإخبارية التي وصف فيها العملية العسكرية بأنها عدوان غير مبرر على اليمن مؤكدًا أن الشعب اليمني سوف يتصدى له.
تثير هذه العملية من التساؤلات أكثر مما تقدم من إجابات، وما إذا كانت تحمل دلالات على تغيرات هيكيلية في عقلية القرار العربي المشترك. وفي الأسطر التالية، سوف نحاول في عجالة سريعة إلقاء الضوء على أبرز الجوانب المتعلقة بالعملية دون الخوض في تفاصيل الوضع اليمني المعقد؛ لأن المقام لن يتسع، وأنا أكره الاختصار المخلّ.

لماذا الآن؟!
هذا السؤال شديد الأهمية؛ لأن الحوثيين بدءوا في الصعود كقوة سياسية وعسكرية في اليمن منذ يونيو الماضي، وسيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء بكل بساطة بالتحالف مع أنصار الرئيس المخلوع "علي عبد الله صالح" في القوات المسلحة. فلماذا هذه العملية الآن؟!
في الواقع، حاول الخليجيون كثيرًا تفادي انزلاق اليمن إلى هوة التدخل الخارجي؛ نظرًا لحساسية الوضع الخليجي في الفترة الراهنة للعديد من العوامل من بينها تنامي النفوذ الإيراني على الحدود الشمالية للخليج ممثلًا في التدخل الإيراني العسكري الصريح في العراق تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب التغير في السلطة الحاكمة في السعودية بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم عقب وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكذلك غياب السلطان قابوس بن سعيد حاكم عمان لمدة ثمانية أشهر للعلاج في ألمانيا من أزمة صحية.
كل هذه العوامل دفعت بالخليجيين، وفي مقدمتهم السعودية الجارة الكبرى لليمن، إلى تلافي التدخل العسكري في اليمن منعًا لتفاقم الأمور؛ بيد أن الاندفاع الحوثي أدى إلى تغيير النظرة الخليجية. كيف ذلك؟!
تناسى الرئيس المخلوع "علي صالح" الدعم السعودي له طيلة فترة حكمه لليمن سواءً أثناء حرب الوحدة مع الانفصاليين الجنوبيين، أو حتى في التوصل لتفاهم تنازله عن السلطة بشكل يمنحه الحصانة ويمنع ملاحقته. تناسى ذلك، وتحالف مع الحوثيين الذين طالما قاتلهم أثناء وجوده في السلطة رغم الانتماء للمذهب الشيعي، وإن اختلفت المرجعيات؛ فالمخلوع كان شديد البراجماتية سياسيًّا، ولم ينظر إطلاقًا للمذهب أو الانتماء الديني بشكل عام أثناء حكمه.
تناسى صالح ذلك للسعودية التي واصلت سياسة الانتظار والتأني فيما يتعلق بالوضع اليمني، وسكتت على سيطرة الحوثيين على صنعاء معتبرةً أن ذلك جاء في إطار صراع لا يزال بالإمكان حله سياسيًّا، ولكن ما جرى في صباح أمس الأربعاء من وقوف الحوثيين على مشارف عدن جنوب اليمن على بعد يتراوح ما بين 27 إلى 60 كيلومترا أعطى مؤشرات بأن الحوثيين سوف يسيطرون على اليمن ككل، وأن سيطرتهم على عدن سوف تدفع بالبلاد نحو الانفصال؛ لأن الانفصاليين الجنوبيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استيلاء الحوثيين على عاصمة الجنوب، مما كان سيزيد من تعقيد الوضع اليمني بما يصل إلى مستوى الانفجار والفوضى الشاملة.
وجه السعوديون تحذيرًا للقائد العسكري البارز "أحمد علي عبد الله صالح" نجل المخلوع وطالبوه بالابتعاد عن عدن، بيد أنه تجاهل النصيحة؛ فكانت العملية العسكرية الصريحة لإيجاد حل جذري للأزمة. ولكن هل يتحقق ذلك؟!

تعقيد الوضع اليمني
يبدو ذلك بعيد المنال بشكل ما؛ لأن الحوثيين جزء من المجتمع اليمني؛ حيث إنهم بالأساس جماعة دينية أسسها الراحل "بدر الدين الحوثي" في محاولة للتصدي للفكر الوهابي الذي بدأ ينتشر على حساب الشيعة في اليمن. وفي مرحلة تالية، تأسست جماعة أنصار الله التي تمثل "الجناح العسكري"، إن جاز التعبير، للتيار الحوثي، وأصبحت لاعبًا بارزًا على الساحة السياسية اليمنية بعد الانتفاضة التي أطاحت بالمخلوع "صالح".
من الممكن في تقديري القضاء على القوة العسكرية الحوثية؛ لأن الإيرانيين، الداعمين الأساسيين للحوثيين، لن يستطيعوا مواجهة التحالف الذي شن الضربة والمكون من 10 دولة؛ 5 دول خليجية عدا عمان، إلى جانب 5 دول أخرى نفى السفير السعودي لدى واشنطن أن تكون الولايات المتحدة من بينها، رغم إعلان البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" أجاز الدعم اللوجستي والمخابراتي للعملية، بينما أعلن وزير الخارجية اليمني المكلف رياض ياسين أن مصر والأردن "ربما تكون من بين هذه الدول".
ولكن اجتثاث الحوثيين من اليمن سيكون أمرًا مستحيلًا؛ لأنهم كما سبق القول جزء من النسيج المجتمعي والمذهبي اليمني، بالإضافة إلى الطبيعة القاسية للأراضي اليمنية ستجعل تطهير البلاد من مسلحي الحوثي أمرًا بالغ الصعوبة حتى مع وجود القبائل المتحفزة لضرب الحوثيين والتخلص منهم.
كما أن التخلص من الحوثيين قد يساهم في تعضيد موقف فرع تنظيم القاعدة في اليمن والمعروف باسم تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقرًا له. فهل حسب السعوديون حساب ذلك؟!

الدور المصري؟!
لا ريب أن السعوديين حسبوا حساب ذلك؛ لأنهم لم يدخلوا العملية بمفردهم؛ حيث أعلنت الخارجية المصرية أنها تدعم سياسيًّا وعسكريًّا العملية العسكرية ضد الحوثيين، وأشارت الخارجية أيضًا إلى أن مصر تبحث إمكانية المشاركة بريًّا وبحريًّا وجويًّا في العملية "إن لزم الأمر". كما أعلنت باكستان والمغرب والسودان استعدادها للمشاركة، وبادرت الحكومة السودانية بغلق مكاتب الممثليات الدبلوماسية الإيرانية في أراضيها.
وللدور المصري العديد من الأبعاد؛ فهو يأتي في إطار محاولة من النظام المصري الحالي استعادة الدور المصري عربيًّا، كما أنه يتفق مع الدعوة التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنشاء قوة عسكرية عربية. كما أن المشاركة ربما "تلمع" من صورة النظام المأزوم داخليًّا بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطن. والأهم من ذلك أن النظام المصري سوف يشارك في العمليات من باب رد الجميل لحكومات الخليج خاصة السعودية والإمارات اللتين لم تبخلا بريال أو درهم لدعم النظام القائم في مواجهة الإخوان المسلمين.
أيضًا تجدر الإشارة عند الحديث عن الدور المصري في اليمن إلى التدخل العسكري المصري السابق في اليمن ضد حكم الإمام، وهو التدخل الذي ساعد في بناء الجمهورية اليمنية الحديثة، وبالتالي يرغب النظام المصري القائم في القول إنه يستعيد الهيبة الإقليمية المصرية التي تراجعت كثيرًا بعد توقيع اتفاق التسوية مع الكيان الصهيوني.
كذلك يشار إلى أن التدخل المصري، إن تم بالفعل، لن يكون المواجهة الأولى بين المصريين والإيرانيين؛ حيث كان للمصريين فضل كبير في إنهاء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران لمصلحة العراقيين، بفضل الدعم العسكري المصري للقوات العراقية وقتها بالمستشارين والخبراء.

عن الذهنية العربية... وعن إيران...
لا نريد أن نحمِّل الأمور أكثر مما تحتمل؛ فهذه عملية عسكرية تقوم بها السعودية حماية لحدودها الجنوبية التي هددتها الفوضى في اليمن، وسبق أن شهدت حوادث أمنية عديدة بسبب تنظيم القاعدة هناك. إذن، هذه العملية لا تعبر عن تغير في الذهنية العربية نحو مزيد من التضامن العربي، والقرار العربي المشترك، وما إلى ذلك.
ولكنه يبقى تحركًا لافتًا.
ربما يقول البعض إن السعودية تتدخل لتحقيق مصلحتها الخاصة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، ولكن للسعودية تماسّ حدودي مع اليمن، وهو ما قد يبرر التدخل، بخاصة أن آبار النفط الجنوبية في السعودية تقع منابعها الجوفية في الأراضي اليمنية.
السؤال حول التدخل ينبغي إذن أن ينصب على الدور الإيراني. حسنَا، الإيرانيون يدعمون الحوثيين في محاولة لتصدير مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية خارج الحدود، واستغلوا الظرف اليمني المرتبك لتحقيق ذلك. ولكن لماذا يتدخلون في ذلك التوقيت، والظرف اليمني مشتعل منذ أربع سنوات؟! هل هي محاولة للرد على تنامي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وتهديده الحكومتين الشيعيتين في هاتين الدولتين؟! ربما هذا هو السبب؛ لأن الإيرانيين يرون أن دول الخليج هي الداعم الرئيسي لتنظيم القاعدة بالمال والتنظيرات الفقهية الناتجة من الفكر الوهابي المتشدد، وكذلك ربما يكون الدعم الإيراني للحوثيين هو الرد على دعم السعودية وقطر بالسلاح والمال المعارضة السورية المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد الشيعي.

يبقى الموقف مفتوحًا على كافة الاحتمالات، ويبدو أن الحوثيين عازمون على اللعب بكل الأوراق بما فيها ورقة المدنيين؛ لأنهم نقلوا المضادات الأرضية من المقرات العسكرية المستهدفة إلى شوارع العاصمة صنعاء، وبالتالي ستصبح هدفًا مشروعًا لطائرات التحالف الداعم لشرعية الرئيس "عبد ربه منصور هادي" مما ينذر بوقوع ضحايا وسط المدنيين، وهو أمر لا يمكن تلافيه بشكل كامل.
كافة الاحتمالات مطروحة، والعملية لا تزال في بدايتها، ولكنّ هناك أمريْن مؤكديْن وسط القصف؛ أولهما أن الحوثيين كانوا على قدر من الغباء أنهم لم يتوقعوا التحرك السعودي، وسلموا بصحة التصريح السعودي بأن المعدات الثقيلة التي حركتها السعودية نحو حدودها مع اليمن هي "لأغراض دفاعية"، والأمر الثاني أنه لا ينبغي تحميل هذه العملية العسكرية الكثير فيما يتعلق بالقرار العربي المشترك.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذئاب اليمن السعيد
عيون ( 2015 / 3 / 26 - 09:09 )
ومن اين خلصت الى ان الحوثيين لم يحسبوا لرد الفعل السعودي وهم بالاصل يحاربون عملاؤه وزبانيته في اليمن باعتقادي ان الحوثيين ومن ورائهم الايرانيين قد اعدوا العدة لاستنزاف مملكة الارهاب الوهابي بجاه ماركس الحبيب يخلصنا منهم ومن شرهم


2 - دهاليز اليمنتحية طيبة
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 3 / 26 - 09:59 )
السعودية دهاليز اليمن المظلمة...و لن تخرج منها
ستتساقط الاوراق الاخرى و تنسحب الدول بمشاكلها و يبقى ثأر اليمن مع السعودية حيث تطالب بالاراضي اليمنية الشمالية عسير و نجران
سيستمر دخان هذه الايام لسنوات اخرى


3 - وقف التمدد الايراني
حسن ( 2015 / 3 / 26 - 13:43 )
رغم اني من اشد المناوئين للنظام السعودي الا اني ارى ان هذه العمليه لابد منها للجم ايران ووقف تمددها في المنطقه من خلال توضيفها للبعد الطائفي في المنطقه كما انها رساله للحوثين الذين تمادوا كثيرا وعبثوا بامن اليمن ورفضوا كل دعوات الحوار متوهمين ان بامكانهم السيطرة على اليمن وفرض ارادتهم بالقوة كما انها رساله لصالح بانه اصبح من الماضي ولن يقبل الشعب اليمني لعودته ثانيه وكلي امل ان يتراجع االحوثي عن غيه ويجلس على طاولة الحوار من اجل تجنيب اليمن المزيد من الدمار والفوضى وان ايران ستتخلى عنه اذا مااحترقت ورقته وستبحث عن بديل يؤمن لها مصالحها وايران بارعه في هذا المجال


4 - ردود
حسين محمود التلاوي ( 2015 / 3 / 26 - 18:22 )
شكرا لتعليقاتكم:
التعليق 1- لم يحسب الحوثيون بدقة مدى سرعة رد الفعل السعودي... الرد السعودي جاء سريعا للغاية فيما يتعلق باقتحام عدن، إلى جانب أن سرعة رد الفعل توضح أن الخطط جاهزة على التنفيذ مع مشاركة دول غير السعودية فيها.
التعليق 2- السعودية لا ترغب في التورط في المستنقع اليمني... الولايات المتحدة تورطت في العراق وكذلك في أفغانستان؛ لأنها نزلت للأرض... بينما في كوسوفو أفلتت لوجود قوى على الأرض يمكنها التفاهم على طاولات السياسة، وهو الأمر المتحقق في اليمن... ربما يتعامل السعوديون بالمنطق نفسه.
التعليق 3: إيران بدأت في سحب ميليشيات الحشد الشعبي من معركة تكريت فيما يبدو توطئة للتركيز على الوضع في اليمن... ربما... الإيرانيون لن يتخلوا بسهولة عن عاصمة سيطروا عليها...
من جديد شكرا لتعليقاتكم وشكرا لكل التعليقات الراقية الرامية للحوار في فترة ساخنة...

اخر الافلام

.. بايدن وترامب وجها لوجه | #أميركا_اليوم


.. منذ 7 أكتوبر.. أميركا قدمت مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 6.5




.. السباق إلى البيت الأبيض | #غرفة_الأخبار


.. بدء الصمت الانتخابي في إيران.. 4 مرشحين يتنافسون على منصب ال




.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات استمرار احتجاجات كينيا رغم تراجع ا