الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنسحاب

نارين رياض

2015 / 3 / 26
الادب والفن


خلف تلك الغابات البعيدة والجبال التي تبدو وكأنها منظر مأخوذ من فيلم سينمائي, او لوحة رخيصة, يقبع واد نرمي فيه خيبات الامل واحباطاتنا, بعيداً عن الاعين الفضولية وبعيداً عن ايامنا الباقية لنكملها بدون أن نتذكر, ولكننا دائما نجد انفسنا في الفترة بين الحلم واليقظة في حالة العودة لتلك الخيبات وذلك الوادي الذي قد نطلق عليه وادي هانوم نسبة لذلك الوادي المرعب الذي تناقلته الاساطير. تلك الروايات التي ننظر اليها بطرف عين وكأننا ملائكة لا نملك منها.
اخرج النفايات ورماها في الحاوية الكبيرة خارج البيت لتتنتظر مصيرها كأي نفايات. عاد بخطوات ثقيلة وكأنه لا يريد ان يعود الى الصالة الخاوية. كان يرتدي بيجاما بلون ازرق فاتح وربما كان هذا هو اليوم العاشر لارتدائه لها. لحيته كثة وشعره مبعثر بأهمال. كل هذا كان معبراً حقيقياً لحالته التي مر بها. تلك العاصفة التي مرت قد انهكت منه حتى إرادة النهوض من جديد. القى نظرة سريعة لحديقته التي كانت تشبهه كثيراً, أوراق الاشجار المتيبسة, الاعشاب والزهور البرية بلون كئيب, وأرجوحة صغيرة صدئة.
مر عام اليوم على انتهاء تلك المسرحية الهزلية التي كان اسمها زواجه. احتفل الجميع يوم بداية تلك المسرحية وكان والداه ينظران اليه بفخر وكأنه قد دخل لعالم جديد لم يدخله احد سابقاً. اليوم وبعد وفاتهما وبعد ان مرت تلك العاصفة الصعبة, رحلت الزوجة, رحل أبنه الآخر معها وكل هذا بدأ بكارثة مرض طفلهما الاصغر, تلك الرحلة التي سرقت من العائلة المنكوبة ثلاثة اعوام وانتهت بنهاية حياة الطفل كما كان متوقعاً. لم يكن ساخطاً ولم يكن غاضباً بعد كل هذه الاعوام فقد استهلك أعصابه واصابه خدر متوقع في حالته. صبرت عليه زوجته أربعة اعوام اخرى وكانت تتعافى من النكبة بشكل غريب بالنسبة له لطالما اعتبره في داخله خيانة منها, لم يفهم يوما بأنها إمرأة, بأنها قابلة للتجدد والحياة, كيف لا وهي التي تلد الحياة؟
اليوم ينظر لما تبقى من حياته بأزدراء ويريد ان ينهيها كل يوم ولكنه أكثر خدراً من أن يتخيل الطريقة حتى. امسك قميصه الذي يفترض به أن يرتديه وكان مرمياً فوق الأريكة الخضراء, تلك التي أصرت زوجته قبل أعوام على ان تختارها بعناية وكم كانت معجبة بلونها الزاهي. تحول اللون اليوم داكناً ومليئا بآثار لاصابع صغيرة مرت من هنا, كان الحزن يغلف كل زواياها. لم تعد لديه دموع كافية لتسقط فوق تلك الأريكة بعد الآن. لا يعرف كيف استجمع ما تبقى له من طاقة في ذلك الصباح فأخرج تلك الاريكة الملعونة ورماها في الشارع بعد أن مزق قماشها القديم. خرج من بيته ولم يعد بعدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل