الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة من صور الحقائق المشوهة (3)

ماجد ع محمد

2015 / 3 / 26
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أنا شخصياً لا أكرهك، ولكني توارثت
الكثير مما يحضني على النفور منك.
ولكي لا نثقل كاهل القارئ بالمقدمات لذا نباشر الدخول الى الموضوع بدون تأجيل، إذ أنه وبالرغم من حكم حزب البعث العلماني وعائلة الأسد التي لا تمت للدين بصلة لأكثر من أربعين سنة في سوريا، إلا أنهم لم يستطيعوا في كل تلك المدة الزمنية تخليص الأكثرية من فكرة أنهم الأصل والباقي مجرد فروع هشة من شجرتهم القوية، باعتبار أن هاجس التنوير لم يكن يشغل لا البعث ولا آل الأسد ومن لف لفهم، إذ أن هم جمع الثروات والاستحواذ على مصادر المال والاستحواذ على مقدرات البلاد الاقتصادية فقط ما كان يشغلهم، لذا بقي السنة ضمنياً محتفظين بأولويتهم وفارضين شروطهم الدينية على باقي فئات المجتمع، وبقيت المخيلة الاسلامية عموماً والسنية بوجهٍ خاص نشطة في ترويج ما كان مستقبحاً في الآخر المختلف عنه عقائدياً، سواءً من نفس الدين أو ممن كان منتمياً الى الأديان الأخرى، وإذا كنا تحدثنا في النص الماضي عن بعض الصور التي بقيت مشوهة في ذهن السواد الأعظم من المسلمين عن الزرداشتيين، فسننتقل الآن الى الصورة التي لا تقل تشويهاً عمن تمت الإساءة اليهم من باقي فئات المجتمع، ومنهم مثلاً الدروز الموحدون فإلى الآن معروف لدى من يمثلون الغالبية في سوريا بأن الدروز يعبدون العجل، مع أن قصة العجل نفسها عائدة الى الشعب اليهودي وليس الدروز، حيث يذكر بأنه عندما صعد موسى إلى جبل سيناء، ليأخذ الشريعة من الله، وأبطأ في النزول، اجتمع الشعب على هارون، وطلبوا منه أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم، لأنهم لا يعلمون ماذا أصاب موسى، ولا يذكر الكتاب أن هارون احتج أو قاوم، بل طلب منهم أن ينزعوا أقراط الذهب التي في آذانهم، و"أخذ الذهب من أيديهم، وصورْ بالأزميل وصنعه عجلًا مسبوكًا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فلما رأى هارون ذلك، بنى مذبحًا أمامه. ونادى هارون وقال: غدًا عيد للرب (يهوه) وللقصة بقية لكننا نكتفي بهذا المقتطف ههنا.
إذ أن هذه التهمة لا تزال مُلتصقة بالدروز بين عامة الناس في سوريا، وإن لم تظهر بوجهها السافر من خلال وسائل الاعلام فهي متداولة شفاهةً على إطارٍ واسع، ولم تحاول أية وسيلة إعلامية سورية سواءً أكانت مرئية أو مكتوبة، يوماً فتح ملفٍ خاص بهذا الموضوع لتصحيح الصورة التي رسختها السنون في أذهان العامة ولعشرات السنين، مع أنه كانت قد صدرت فتوى من مفتي الجمهورية السورية والذي اعتُبر فيها بأن الدروز والعلويون والإسماعيليون مسلمين، ولكن بقي هذا الأمر على المستوى الرسمي فقط، أما على المستوى الشعبي فلا تزال الصورة كما كانت من قبل الفتوى لدى معظم المواطنين.
وكذلك الأمر بالنسبة للطائفة الاسماعيلية الذين روّج عنهم بين العامة في سوريا بكونهم من عُباد الفروج، ولكن يبقى أن أكثر من كانت تذاعُ وتنتشر بينهم لتلك الأقاويل المغلوطة هم من يمثلون خطاب الأكثرية في سوريا، حيث التُصقت بتلك الفئة من المجتمع السوري ومنذ سنين طويلة تهمة أنهم يعبدون فروج النساء، ومن المؤكد أنهم يقصدون بذلك إهانة تلك الطائفة، ولكن طالما الصورة كذلك فعليهم إذن استحقار عادات أغلب شعوب المنطقة على معتقداتها القديمة، وينبغي تعميم الإهانة على كل شعوب المنطقة بما أنها تنتمي بأصولها الى عبادة ما هو أقل شأناً من الأثداء والفروج، وتحديداً كل الملل في إيران وسوريا، حيث كانت عبادة فرج الأنثى شائعة في بلاد فارس قبل الإسلام بعدة قرون، وأول من دعا إليها حسب كتب التاريخ هو "ارتكزريس منيمون" وقد بلغت ظروف انتعاش تلك الطقوس أشدها في عهد مزدك، كما تعود هذه الديانة إلي القرون السابقة، حيث اشتقت معظم تعاليمها من ديانات وعبادات وثنية كانت قائمة في منطقة الهلال الخصيب، وجنوب أسيا الوسطى، خصوصاً هذه الدولة التي ترفع راية الاسلام عالياً ألا وهي تركيا الحالية.
عموماً فإن فلسفة عبادة الفرج قائمة على تعظيم وتقديس الأجزاء الحساسة للمرأة، حيث يعتبرون أن الإنسان ولد من هذه الفوهة المباركة، وأنها منطلق المرء الى الحياة، إذ خرج الانسان منه، ولا بأس بأن يعود إليه كل فترة لتقديم شعائر التقديس والتعظيم، حيث للفرج قدسية خاصة فيما ينال الثدي أيضاً أهميته وقدسيته، ولكن ربما بشكل أقل، إذ أن الثدي يعتبر بالنسبة لهم بأنه مصدر الغذاء الأول للإنسان، وبالتالي هو مصدر الخير الذي لا يمكن تجاوز فضله ولا بد من رد الجميل له.
عموماً فبإمكاننا إيراد الأمثلة المماثلة لتلك الصور السلبية التي تحتفظ الفئات الاجتماعية ببعضها وعن بعضها في عموم البلاد، ومنهم الايزيديون الذين ينعتون في عموم البلاد بأنهم من عبدة الشيطان، مع أن سلوكياتهم أرقى بكثير من ممارسات أغلب من يدعون الانتماء الى الدين الرحماني، وهلمجرا عن الحالات والصورة الذهنية المماثلة والمنتشرة هنا وهناك بين العامة، وبالرغم من تشوه صورها الدارجة، وسلبيتها بين الناس، وتأثيرها المباشر على حياة فئة أو أكثر من فئات المجتمع، إلا أن النخبة لم تضع جهودها للتقليل من آثار تلك المغالطات والتشوهات التاريخية والمستمرة حتى الآن، بما أن أقطاب الدين أو أهل الحكمِ لا يودون ربما التخلص من إشكالية جهل الناس ببعضهم، طالما كان الجهل هو أكثر من يدر الخير على أكثرهم.
وفي الختام نقول بأنه يبقى لقادة الرأي في المجتمع دورهم البارز في تطهير تربة أناس المنطقة من هذه التشوهات المتوارثة، والتأسيس لما هو أرحب وأفيد للمجتمع برمته، إن قاموا فعلاً بدورهم التنويري على أكمل وجه، كما أن أصحاب الحل والعقد وحدهم من بمقدورهم تصحيح تلك الصور المقيتة التي ترسخت ولعشرات السنين، ولا تزال مستقرة في أذهان الناس في بلادنا، ولكن آنى لهم تصحيح ذلك المشوه وأغلبهم ربما يكونون من أول المستفيدين من استمرار تلك المغالطات.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تونس.. فوز محسوم لقيس سعيد؟ | المسائية


.. هل من رؤية أميركية لتفادي حرب شاملة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الهلال والأهلي.. صراع بين ترسيخ الاستقرار والبحث عنه


.. فائق الشيخ علي يوجه نصيحة إلى إيران وأخرى إلى العرب




.. مشاهد لاعتراضات صواريخ في سماء الجليل الأعلى